عاصفة الحزم لتفكيك الطائفية الإيرانية
* يتبع المقال السابق (عاصفة الحزم ليست حرباً طائفية سعودية 1)
إلى جانب العقد التي ذكرناها سابقاً، فإن إيران تحسّ أيضاً بعقدة جغرافية ذلك أن حدودها الحقيقية لا تعني شيئاً مقابل الحدود المترامية الأطراف للدول العربية، في المنطقة العربية عموماً والخليج العربي بصفة أخص، والذي تسميه الخليج الفارسي حتى تعطي نفخاً جغرافياً لنفسها.
من جهة أخرى، فإن الجغرافية الإيرانية القائمة الآن مهدّدة بسبب ثورات الشعوب غير الفارسية والمستعمرة من قبل إيران، مثل الشعب الأحوازي في دولة الأحواز المحتلة، إذ صارت تتوسّع دائرة المقاومة المسلحة في الداخل الأحوازي، فضلاً عن المقاومة السياسية؛ من خلال مظاهرات سلمية داخلياً وخارجياً.
وقد شهدت الساحة الدولية مؤتمرات ومظاهرات لمناصرة الأحواز، قادتْها “حركة النضال العربي لتحرير الأحواز”، وقد كنتُ مشاركاً في مؤتمرها الأول بِلاهاي الهولندية في صيف 2014، وأيضاً مظاهرات في كل من بروكسل وكوبنهاغن، وتوجد مظاهرات أخرى في النمسا وغيرها.
الملاحظ أن النشاطات الأحوازية في الخارج، وثورتهم بالداخل، صارت تستقطب الكثير من الفعاليات الفكرية والإعلامية والسياسية، وبعدما كانت الأحواز تسمى “القضية المنسية”، تحوّلت إلى إحدى القضايا المهمة في الإعلام، وخاصة السعودي، وإن كان لم يصل أمرها بعد إلى الطموح الذي يريده الأحوازيون، إلا أن ذلك مؤشر على أن القضية خرجت من دهاليز النسيان بعد تسعين عاماً من الاحتلال والذي سبق فلسطين بـ 23 سنة.
أيضاً البلوش الذين يقاومون بالسلاح لأجل استقلالهم، ووصل الحال الآن بإيران إلى الاعتراف بمقتل عسكرها على أيادي المقاومين البلوش، الذي بدورهم تتصاعد قضيتهم وتفرض نفسها على ملالي طهران وعلى غيرهم.
توجد عقدة أخرى عميقة وخطيرة جدّاً، وتتمثل في العقدة التاريخية التي تسير على رجلين لا ثالث لهما، وهما ما تسمى بـ “المظلومية” في فكرها الشيعي المستعمل من قبل ملالي طهران، حيث إن الفرس وجدوا في التشيّع ما يحقق مآربهم في اختراق العالم العربي والإسلامي لتدميره من الداخل، وهذا الذي يحدث بالفعل، ونجح إلى حدّ بعيد في سوريا والعراق ولبنان واليمن، وفي طريقه إلى دول أخرى، منها البحرين والكويت، وأيضاً في الجزائر وتونس ومصر والمغرب وغيرها، حيث نشهد ظاهرة التشيّع تسير على قدم وساق تحت إشراف السفارات الإيرانية.
أما الرجل الثانية فهي عقدة زوال إمبراطوريتها الفارسية المجوسية التي أنهى وجودها الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولهذا نجد أن الحقد على هذا الخليفة العادل، تجاوز منتهى التطرف والغلو لدى الفكر الباطني الإيراني الذي يهيمن على دواليب الدولة.
بل لم يتوقف عند الفاروق عمر، بل وصل حتى إلى غيره من الخلفاء والصحابة رضوان الله عليهم، ومنهم الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه، فقد زرعوا أفكارهم الحاقدة ضده بسبب روايته لحديث الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام: “إن هلك كسرى فلا كسرى بعده”.
هذه العقد التي ذكرناها، حوّلت إيران إلى مشروع تهديمي وتدميري وانتقامي من الأمة العربية والإسلامية، في إطار محاولات لاستعادة أمجاد إمبراطورية هلكت، كما ترغب في تحويل نفسها إلى شرطي في المنطقة يتميز على الشعوب الأخرى عرقياً ووجودياً، وهذا نفسه ما نراه في “إسرائيل” التي تشعر بالعقد نفسها التي موجودة لدى إيران.
ثالثاً:
ظهر جلياً على ألسنة القائمين على عاصفة الحزم، أنها ليست طائفية ولا هي استهدفت الحوثيين لأنهم شيعة، بل لأنهم مليشيات متمردة على الشرعية، وأسقطوا الرئيس الشرعي بقوة السلاح وبالتحالف مع الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، الذي يقود ثورة مضادة عبر هذه المليشيات المدعومة من إيران.
التدخّل العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، جاء في إطار حماية الشعب اليمني ودولته، كما سبق ذلك بالنسبة للبحرين لما تدخلت قوات درع الجزيرة في إطار اتفاق خليجي، ولو لم يحدث ذلك لتحوّلت البحرين إلى مقاطعة إيرانية بصفة رسمية.
المنتقدون لهذا التوجه يتهمون السعودية بأنها لا تهمّها الشرعية بقدر ما تهمها حسابات أخرى، كما يوجد من يرى أن الرئيس اليمني هادي ليس له شرعية، وأن حراك الحوثيين هو ثورة للشعب اليمني ضد نظام فقد شرعيته.
في حين أن المؤيدين يرون عكس ذلك تماماً، ويؤكدون أن الرئيس اليمني هادي يتمتع بالشرعية الكاملة، وهو الذي طلب التدخل العربي لحمايته من الحوثيين، وأن هذا المطلب شرعي للغاية.
الحقيقة الثابتة أن الرئيس هادي تمّ انتخابه شرعياً وانقلب الحوثيون عليه بالتحالف مع الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، الذي التفّ على المبادرة الخليجية وتعاون مع المخابرات الإيرانية لتدمير اليمن واستقراره بما يخدم المد الصفوي فقط.
رابعاً:
الطعن في العاصفة، وربطها بأحداث أو تطورات أخرى في المنطقة، نذكر مثلاً أنه يوجد من يروّج أن عاصفة الحزم هي مجرد فصل جديد من عاصفة الصحراء، وأن تحرك التحالف جاء بالاتفاق مع الولايات المتحدة للضغط على إيران في مفاوضات مشروعها النووي.
العجيب الغريب أن المروجين لهذا التوجه أغلبيتهم الساحقة من أبواق نظام بشار الأسد وشبّيحته الذين يدّعون المقاومة والممانعة، حيث يطعنون في عاصفة الحزم بالطعن في عاصفة الصحراء، ويتجاهلون تماماً أن حافظ الأسد نفسه كان رأس الحربة، ومن أكبر المؤيدين لها، فإن كانت عاصفة الصحراء خيانة للأمة فإن نظام الأسد شارك فيها أيضاً وكان في مقدمتها.
أيضاً يزعمون أن حكام السعودية هاجموا اليمن في عاصفة الحزم لحماية كراسيهم من خطر الحوثيين الذين صاروا على حدودهم، وكأن هذا الأمر غير مشروع، فمن حق السعودية وغيرها من الدول أن تحمي كيانها بأي وسيلة كانت، فضلاً عن أن الحوثيين وجهوا أسلحتهم وصواريخهم نحو الداخل السعودي، ولو لم تتحرّك السعودية وتركت الأمور تتعقد لرأينا صواريخ الحوثي تدك بلاد الحرمين، لا قدّر الله.
خامساً:
رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني، علاء الدين بروجردي، اتهم السعودية بإشعال الحروب في المنطقة، وهي التهمة نفسها التي توجهها الرياض لطهران أصلاً بسبب تدخلاتها السافرة في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
وقال بروجردي في تصريحات صحفية: إن “قيام السعودية بإشعال فتيل حرب جديدة في المنطقة يدل على استهتارها”.
وأضاف مهددّاً أن “دخان هذه النار سيرتدّ على السعودية؛ لأن الحرب لا تنحصر في مكان واحد فقط، ونأمل في تعليق هذه العملية العسكرية فوراً وتسوية المشكلة عبر الوسائل السياسية”.
بل إن علي خامنئي ذهب أبعد من ذلك، ووصف عاصفة الحزم بـ “الأعمال الإجرامية”.
لو تأملنا ما جرى في اليمن نفسه، وأيضاً في كل من سوريا والعراق ولبنان والأحواز، فسنجد أن إيران هي التي تتمدّد وتشعل الحروب الطائفية القذرة، والتي تهدف من خلالها إلى تحقيق أحد الهدفين، إما السيطرة على الدول العربية بتنصيب مليشياتها في السلطة، أو تدميرها بحروب أهلية تؤدي إلى نهاية السنّة والشيعة على حد سواء.
أما بالنسبة لـ “الأعمال الإجرامية”، وتهديدات خامنئي بالمحاكم الدولية للنظر فيها، فهي لا إثباتات عليها، في حين ما حدث مع نظام الأسد والمالكي من جرائم إبادة جماعية وتطهير عرقي ضد أهل السنّة لم يسبق له مثيل في التاريخ، وكل ذلك بدعم مباشر وتدخل عسكري علني غير معلن من إيران.
بين العاصفة والعاطفة
بلا أدنى شكّ أن كل التوجهات لها ما لها وعليها ما عليها، من مزايدات ومقتضيات في عاصفة الحزم، ويوجد من يزرع الحق لأجل الباطل فقط. كما أن كل طرف يريد أن يرى هذه الحرب من خلال منظاره الفكري والسياسي والإيديولوجي، ولكن لا يمكن أن تختزل العاصفة في توجه واحد.
نعم.. الحوثيون يطعنون في كل قيم الإسلام، وكل مسلم يرفض ذلك بشدة، كما أنهم يتحالفون مع مشروع إيراني هدّام، وأيضاً أسقطوا شرعية الدولة ومؤسساتها في إطار التحالف مع ثورة صالح المضادة.
كما أن السعودية شعرت بخطر هؤلاء المتصاعد على البلاد وعلى المنطقة، لذلك شنّت هذه العاصفة لتحرير اليمن منهم وحماية باب المندب الذي لو سيطروا عليها فسيتحكمون اقتصادياً في روح الدول الخليجية النفطية.
هناك نقطة مهمة يجب أن نشير إليها، وهي أن الدولة السعودية التي تُتهم بالطائفية ليست كذلك، ويكفي أنها حاربت تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، المعروف اختصاراً بـ “داعش”، وهو محسوب على أهل السنّة، قبل أن تحارب الحوثيين الشيعة، كما حاربت قبل “داعش” تنظيم القاعدة السنّي أيضاً.
القضية لدى السعودية تتعلق باستراتيجية دولة في التعامل مع أمنها القومي وأمن منطقة الخليج العربي، وليست أهواء هذا وذاك.
يجب أن نتعامل مع عاصفة الحزم وفق ما يراه القائمون عليها، وليس وفق أمنيات لدى أطراف متعددة. فالسعودية تدخلت بطلب من رئيس منتخب شرعياً طلب الحماية، وهذا السبب يكفي في جعله شعار العاصفة التي حقّقت الكثير من الأهداف الاستراتيجية الأخرى، منها إبعاد خطر مليشيات إيران الحوثية عن حدود المملكة، ومحاصرة المدّ الصفوي الإيراني، واستعادة روح الهجوم بعد سنوات من الدفاع ضد ملالي طهران الذين تغوّلوا وبلغ طغيانهم درجة أن أعلنوا عودة إمبراطوريتهم وعاصمتها بغداد.
التحريض الطائفي مهما كان لونه ونوعه، خاصة في إطار عاصفة الحزم الذي تمارسه بعض الأطراف السنّية، هو يخدم إيران التي تريد تخويف شيعة العالم من الخطر السنّي المفترض، وتعمل على أن تجعلهم لا يوالون سواها، ويتخندقون في إطار مشروعها الهدام، حتى تبقى تسيطر عليهم وتحركهم وفق ما يخدم مقارباتها الطائفية والعنصرية فقط.
أنور مالك
المصدر: الخليج اونلاين