البعدان القومي والمذهبي في السياسة الخارجية الإيرانية
تروج الماكينة الإعلامية الإيرانية لمزاعم أن اليمن وأجزاء من المنطقة العربية كانت تحت مظلة الإمبراطورية الفارسية، لتشكل مزاجا قوميا داعما لمشاريع إيران في المنطقة
تتشكل إيران من خليط فسيفسائي من الأعراق والأديان والمذاهب، الأمر الذي أثر كثيرا على سياسة إيران الداخلية والخارجية، خاصة في ظل النظام الحالي.
على مستوى البعد القومي، كانت النزعة القومية خلال الحقبة البهلوية هي السمة الطاغية للنظام الإيراني. كان الشاه يطمح إلى التوسع في المنطقة العربية كما كان يعد إيران بمثابة القوة المهيمنة في المنطقة.
خلال تلك الفترة، تم احتلال الجزر الإماراتية الثلاث. هذا المشروع السياسي الإيراني استمر بعد ثورة 1979، وإن ظهر برداء جديد. تمهيدا لمشروعها التوسعي في المنطقة العربية، تعمد إيران دائما إلى استدعاء التاريخ والجغرافيا بشكل متكرر وممنهج.
في هذا الجانب، يظهر البعد القومي جليا في السياسة الخارجية للجمهورية الإيرانية، من خلال الحديث عن حدود الإمبراطورية الساسانية التي كتب الفتح الإسلامي العربي آخر صفحاتها في القرن السابع الميلادي، ولأنه لا يوجد في الوقت الراهن امتداد قومي لإيران في الداخل العربي، وكي لا تهمل البعد القومي لأهداف داخلية بحتة، تروج الماكينة الإعلامية الإيرانية لمزاعم أن اليمن وأجزاء من المنطقة العربية كانت تحت مظلة الإمبراطورية الفارسية، وتنبش في المواقع الأثرية عما تقنع به الرأي العام المحلي لتشكل مزاجا قوميا داعما لمشاريع إيران في المنطقة، خاصة أن هذا النظام يدرك جيدا قوة النزعة القومية في الهوية الإيرانية في العصر الحديث.
من هنا، يكثف الساسة والقادة العسكريون هناك حملاتهم الإعلامية التي تسعى إلى إقناع الشارع الإيراني بأن التدخل في العراق وسورية واليمن ليس تدخلا في الشأن الداخلي لتلك الدول، بقدر ما هو لحماية الأمن القومي الإيراني في المقام الأول، وهذه العبارة تخاطب المخيلة الفارسية بشكل مباشر وشفاف.
علاوة على ذلك، يروج النظام الإيراني لفكرة “العدو المتربص” بالبلاد، من خلال إبقاء أحداث الحرب العراقية-الإيرانية وموقف دول الجوار العربي من ذلك حاضرة دائما في المشهد الشعبي. هذا الدفاع ليس من خلال حماية الحدود الجغرافية لإيران، بل عبر تدمير الخطر في مصدره ويتذكر الجميع تصريحات بعض المسؤولين الإيرانيين حول أن الدفاع عن سورية يعد دفاعا عن إيران وحدودها، والشارع الإيراني يفهم ذلك في هذا الإطار.
على صعيد آخر، يلعب “الآخر العربي” دورا بارزا في المزاج الثقافي والسياسي والديني والتاريخي الإيراني، بل إن العربي يظل الآخر الذي يُعرّف من خلاله الإيراني ذاته وكينونته، ومن هنا، يتم العمل على “شيطنة” دول الجوار العربي وتقديمها بصورة سلبية للغاية، تمثل الطرف المقابل للصورة الإيجابية التي يرسمها النظام الإيراني لنفسه، معتمدا في ذلك على إرث ثقافي يمتد إلى قرون يجعل العربي مثالا للسلبية، والإيراني “الفارسي” عنوانا للإيجابية، الأمر الذي يعطي، في هذا الإطار، قوة تدعم سياسة إيران الخارجية في الداخل الإيراني. ولعل الصور التي رفعها أعضاء الحرس الثوري وقوات البسيج “التعبئة” في مظاهرتهم قبل أسابيع أمام السفارة السعودية في طهران من هجوم ثقافي عنيف على العرب وقيام محمد تقي رهبر، خطيب وإمام الجمعة في أصفهان بترديد الشعارات ذاتها، والقصيدة التي كتبها الشاعر القومي الفارسي “مصطفى بادكوبه اى” التي هاجم فيها السعودية والحرمين الشريفين معنونا لها “اترك الحج”، وزعم أن “الله ليس في كعبة العرب”، وأكد أنه “إذا كنت إنسانا، فلا تذهب إلى الحج”، خير شاهد على اللعب على الوتر العدائي تجاه الثقافة واللغة العربيتين.
يذكر أن هذا الشاعر العنصري كان قبل سنوات قد ألقى قصيدة أخرى في مؤسسة ثقافية حكومية في مدينة همدان غربي إيران بعنوان “إله العرب”، أساء فيها إلى الذات الإلهية في حضور عدد من المسؤولين الإيرانيين، كما تهجم فيها على العرب والإسلام.
وبعد أن استعرضنا الجانب القومي، ندلف الآن إلى تحليل البعد المذهبي في إطار السياسية الخارجية الإيرانية.
قبل انتصار الثورة كانت إيران دولة شيعية أيضا، إلا أن البعد المذهبي لم يكن حاضرا في السياسة الخارجية للنظام البهلوي الشاهنشاهي، بل اعتمد على الجانب القومي فقط.
بعد ثورة 1979، ووصول الملالي إلى رأس الهرم السياسي والديني في البلاد، استحوذ البعد المذهبي على الصبغة العامة لإيران الحديثة، وتم إطلاق مسمى “الجمهورية الإسلامية” بديلا للملكية البهلوية.
الشيء الوحيد الذي لم يطرأ عليه أي تغيير يتمثل في استمرار المشروع التوسعي الإيراني في المنطقة، إلا أن المظلة العامة تحولت من الجانب القومي إلى المذهبي فقط. فمنذ انتصار الثورة عام 1979، أخذت إيران تروج وتعمل على مشروع تصدير ما يسمى بـ”الثورة الإسلامية” إلى دول الجوار العربي، ليس خدمة للمذهب الشيعي بقدر ما هو إخفاء للمشروع السياسي التوسعي تحت عباءة المذهبية، وما يعرف في أدبيات النظام الإيراني بـ”حماية المستضعفين” في العالم، وتعني بذلك الأقليات الشيعية على وجه الخصوص، ودونت ذلك في الدستور الإيراني تحت المادة رقم “154”.
من هنا، سمحت إيران لنفسها، وفي إطارِ دستوري، بالتدخل في الشأن الداخلي لدول المنطقة، إلا أن الهدف الرئيس ليس الدفاع عن المكون الشيعي أو خدمة المذهب بقدر ما هو استثمار هذه الورقة لتقدم طموحاتها التوسعية في المنطقة.
إلى جانب ذلك، هناك فكرة “الدولة المهدوية” التي تشكل نواة الجانب الأيديولوجي للنظام الإيراني.
تعتمد هذه الفكرة على التخلص مما تطلق عليه بعض أدبيات المذهب “التخلص من الطغاة وإحلال العدل والمساواة” في الدولة المهدوية تحت راية الإمام الغائب.
قام النظام الإيراني بتوظيف هذا الجانب المذهبي توظيفيا يخدم مشروعه التوسعي، من خلال الحديث عن أهمية بعض دول المنطقة، خاصة اليمن والعراق، في تشكل الدولة المهدوية.
من هنا، يركن النظام الإيراني إلى هذا البعد المذهبي للوصول إلى أهدافه السياسية، ولكن تحت عباءة الطائفية الضيقة.
محمد السلمي
المصدر:الوطن أون لاين