بسم الله الرحمن الرحيم
السيدات والسادة الحضور
تحية لمشاركتكم الكريمة
يسعدُني التواجدُ بينَكم، وعرضُ قضيةِ شعبيّ الأحوازيّ على هذا المنبرِ الحرِّ ، وأمامَ مجلسِكم الموقَّر.
إن الشعب َ الأحوازيّ يعيشُ منذُ خمسةٍ وتسعين عاماً ظروفَ احتلالٍ ، بالغةَ الصعوبةَ، فرضتها مصالحُ سياسيةٍ عظمى، لعبت فيها بريطانيا دورا مهماً ، في تمكينِ نظامِ الشاه، من اقتطاعِ الأحوازِ أرضاً وشعباً، وضمّها تحت حكمِهِ وسلطتِه، في مرحلةِ نشوءِ الدولِ الحديثةِ في الشرقِ الأوسط، عقبَ انتهاءِ الحرب العالميةِ الأولى.
ومنذُ ذلكَ الوقت، يتعرّضُ الشعبُ الأحوازيّ، لصنوفِ القتلِ والقهرِ، والتعذيبِ ، والاعتقالِ، ويُعلّقُ أبناؤُهُ على أعوادِ المشانقِ، في ظلِّ نظامِ حكمٍ ينتمي للقرونِ الوسطى، حيثُ تُبتكرُ لديهِ آلاتُ تعذيبٍ لم يسبقْ للبشريةِ أن عرفتها من قبل، دونَ اكتراثٍ لتقاريرِ منظمةِ العفوِ الدولية، والتي توثقُ جانباً ظاهرياً من حقيقةِ ما يجري على الأرض، وما خفيَ منهُ أعظمُ وأشدُّ هولا.
إنَّ الشعبَ الأحوازيَّ إذ يتطلعُ إلى مجلسِكم الموقر، فإنَّهُ يعلقُ الآمالَ الكبيراتِ ، في إنصافِهِ ، وتحقيقِ العدالةِ بحقِ مسؤوليهِ ، الضالعينَ بجرائمَ إبادةٍ جماعيةٍ حقيقيةٍ، كانَ آخرُ فصولِها ما جرى في مدينةِ معشورِ الأحوازية، من قتلٍ لمئةٍ وثلاثينَ مواطناً مدنياً أحوازياً، جرى اصطيادُهم بالرصاصِ الحيِّ، خلالَ الاحتجاجاتِ التي عمّت معظمَ أنحاء ما يسمى بإيران، في منتصفِ نوفمبر من العام الماضي.
هذهِ الجريمةُ البشعةِ، والتي يندى جبينُ الإنسانيةِ لها، جريمةٌ مكتملةُ الأركان، وثقتها صحفٌ عالميةٌ، مثلَ نيويورك تايمز الأمريكية ، والتي نشرت تفاصيلَ دقيقةً عن المجزرةِ ، لتتبعَها مجلةُ لوبوان الفرنسية ، فتتناولَ المجزرةَ في معشور.
وهذه الجريمةُ ليست سوى غيضٍ من فيض، فقد عانى شعبي الأحوازي من تنكيلِ الأنظمةِ الحاكمةِ في ما يسمى بإيران، على مدى أكثرَ من تسعةِ عقود، وما يزالُ يعيشُ أقسى الظروفِ، بعد أن كان يتمتعُ بسيادتِهِ وحكمِهِ المستقل، قبيلَ عام 1925 ، حيثُ كانت إمارةُ الأحوازِ، قائمةٌ ولها شأنٌ في المنطقةِ، قبلَ أن يعتقلَ الشاه رضا بهلوي، أميرَها الشيخ خزعل الكعبي، ويقتلَهُ مسموماً في أحد المعتقلات.
وهكذا أكملَ نظامُ الشاه ، الاحتلالَ القَسريّ، مُزهقاً أرواحَ الكثيرين من الأحوازيين، في مجازرَ ارتُكبت خلفَ أسوارِ الكتمانِ، والصمت، بمنأى عن أعينِ ومسمعِ العالمِ بأسرِه.
لتصبحَ جرائمُ الاحتلالِ ضدَّ شعبي الأعزل، هيَ القاسمُ المشتركُ بين الأنظمةِ المتعاقبةِ على حكمِ إيران ، حيثُ أساليبُ العنفِ المنافيةِ للأعرافِ والقوانينِ الدوليّة، والجرائمُ الحقيقيةُ ضدَّ الإنسانية، وجرائمُ الإبادةِ الجماعيةِ، والتطهيرِ العرقيّ، في ظلِّ نظامِ فصلٍ عنصريّ، ليسَ فيه للشعبِ الأحوازيّ أيُّ حقوق، وحتى بعدَ أن يقومَ الاحتلالُ بإعدامِ المعتقلين الأحوازيين، في محاكماتٍ شكلية، حيثُ التهمُ جاهزةٌ، والمحامينَ مجردُ موظفينَ لدى سلطاتِ الاحتلال، يتمُّ تغييبُ قبورِهم، بحيثُ لا يعرفُ أهليهم، موقعَ القبرِ الذي دُفنَ فيه ولدُهم، وهل ثمةَ امتهانٌ للروحِ البشريةِ حيّةً وميتةً من هذا الاستخفافُ بأبسطِ معاييرِ الإنسانية؟..
وإذا كان هذا ديدنُ الاحتلالِ في الأوقاتِ العاديةِ، فكيفَ سيكونُ حالُهُ حينَ يشعرُ بالخطرِ من إمكانيةِ بقائِهِ واستمرارِهِ ، كما جرى في احتجاجاتِ نوفمبر الأخيرة؟..
أيها السيداتُ والسادة
خُلقَ الإنسانُ حرّا، كارهاً للعبوديةِ والذلِّ والإكراهِ على قبولِ ما لا يتقبلُهُ عقلُهُ وقلبُه، فكيفَ حينَ يكونُ مصيرُ شعبٍ كاملٍ، رهينَ تحكّمٍ يُجبرُه على التحدثِ والدراسةِ بلغةٍ ليست لغتَه؟..وكيفَ يكونُ حالُهُ، وهو يتعرّضُ لمؤامراتِ الاستيلاءِ على أرضهِ، ويتمُّ تهجيرُهُ لأنَّ أرضَه تحتوي ثرواتٍ باطنيةٍ من النفطِ والغازِ والمعادنِ الثمينة؟.. ويبقى الشعبُ في حالةٍ يُرثى لها من البؤسِ والفقرِ، في ظلِّ ممارسةٍ عنصرية، تستثنيهِ من العملِ ، وتضيّقُ عليه لتدفعَهُ نحو الهجرةِ، وتركِ الأرض.
جريمةُ الإبادةِ الجماعيةِ التي يتعرضُ لها الشعبُ الأحوازيّ متعددةُ الأشكالِ، فمنها ما هو مباشرٌ بالقتلِ بالرصاصِ الحي، والإعداماتِ الجماعية، ومنها ما هو غيرُ مباشر، عبرَ تلويثِ ترابِ وهواءِ الأحواز، والتسببِ بأمراضِ السرطانِ على أنواعِها نتيجةَ غيابِ أدنى شروطِ السلامةِ الصحية، حيثُ تصبُ المصانعُ الكيميائيةُ مخلّفاتها في أنهارِ الأحواز، وحيثُ مصافي النفطِ والغازِ تنفثُ دخانها في هواءِ المنطقة.
جرائمُ الإبادةِ الجماعية، المتتاليةُ ، والمتلاحقة، تجعلُ من أرضِ الأحوازِ، معسكرَ اعتقالٍ كبيرٍ، ومحرقةً حقيقيةً تتوالى فصولُها المأساويةُ، فصلاً بعدَ آخر، ما يجعلُ من قضيةِ الشعبِ الأحوازيِّ، مثالاً تطبيقياً على ما وردَ في تقريرِ السيد غريغوري ستانتين رئيسِ منظمةِ مراقبةِ الإبادةِ الجماعيةِ عن المراحلِ العشرِ للإبادةِ الجماعية، والذي جرى تقديمُهُ لوزارةِ الخارجيةِ الأمريكيةِ، عام ١٩٩٦م، فحسبَ تقريرِ ستانتين هناك:
1. التصنيفُ: ويقومُ على أساسٍ إثني أو عقدي، كمعيارٍ ، يميّزُ من خلالِهِ المجرمونَ، طبيعةَ الضحايا، فيخضعونَهم لتصنيفِ : نحنُ، و هم، فالاحتلالُ الإيرانيّ، يصنفُ الأحوازيينَ على أساسِ انتمائِهم القومي العربي، ويحتقرُ انتمائِهم، بالسخريةِ منهم عبرَ منهاجهِ التعليميةِ، المفروضةِ على الشعبِ الأحوازي.
2. الترميز: وفي هذه المرحلةِ يتم إطلاقُ أسماءٍ ورموزٍ محدّدةٍ على الضحية، ذاتِ طبيعةٍ عنصريةٍ للتقليلِ من منزلةِ الضحيةِ بشرياً، ووسمها بصفاتٍ تبغضها وتصَّغرها في أعينِ الجميع، وهذا تمارسهُ الأجهزةُ المختصَّةُ للتأثيرِ وتوجيهِ الرأيِّ العام، وهذا يتمُّ على أساسِ هُويةِ الضحية .
فقد دأبت هذه الأجهزةُ على وصفِ الأحوازيّ بالعربيّ الدخيل، الذي لا علاقةَ لهُ بالأرض، وإطلاقِ رموزٍ عنصريةٍ مسيئةٍ للأحوازيينَ، والسخريةِ منهم عبرَ وسائلِ الإعلامِ الرسميةِ، كما جرى في أبريل عام 2018 ، وأثارت سخريةُ التلفزةِ الإيرانيةِ من العربيّ، غضبةَ الأحوازيين، فانتفضوا محتجينَ على هذه المسلكيةِ التي يرعاها الاحتلالُ ، ويغذيها في نفوسِ القوميةِ الحاكمةِ والمسيطرةِ من الفرس، على حسابِ العربِ الأحوازيين.
3 . التمييز: وهنا يذكرُ غريغوري ستانتين حرمانَ الضحيةِ من الحقوقِ الأساسيةِ، أو بعضِها ، وحتى الحرمانِ من الجنسية، وفي حالةِ الأحوازيين فقد حُرموا كثيراً من حقوقِهم في العيشِ الكريم والحصولِ على فرصِ عملٍ، ووظائفَ في مؤسساتِ ومصانعِ الاحتلالِ المُقامةِ على أرضهم، والواقعُ الاقتصاديُّ للشعبِ الأحوازي خيرُ دليلٍ على ضياعِ حقوقِ هذا الشعب.
4. التجريدُ من الإنسانية: وهي مرحلةٌ تُنفى فيها صفةُ الإنسانيةِ عن الضحيةِ، وتُساوى فيها مع الحشراتِ والهُوام، كلُّ ذلك يتمُّ لتبريرِ ما ستتعرضُ لهُ الضحيةُ من قتلٍ، ولأنّ إزهاقَ الروحِ البشريةِ أمرٌ لا تتقبلُهُ النفسُ البشريةُ، فإنَّ وصفَ الضحيةِ بأوصافٍ تضعُها دونَ المرتبةِ الإنسانية، هو إجراءٌ ضروريٌّ لتقبُلِ قتلِ (الضحية) باعتبارِها ضارةً، وليست ذاتَ شأن، وهذا خطابٌ منهجيٌّ يردُ في مناهجَ دراسيةٍ ، ينشأُ عليها أبناءُ الفرس ، حيثُ تردُ عبارات: العربيّ قذر، العربيّ يشربُ من وعاءِ تشربُ منهُ الإبلُ والأبقار، وغيرِها من العباراتِ التي تحتقرُ العربي.
5- الاضطهاد: وفي هذه المرحلةِ يتمُّ استهدافُ الضحيةِ بشتى الطرقِ وصولاً إلى القتل.
وهذا ما يتمُّ في الأحوازِ بأساليبَ متنوعة، كالتجويعِ بإغراقِ أو حرقِ المحاصيلِ الزراعيةِ، ومصادرةِ الأراضي دونَ تعويض، والتعطيشِ بتغييرِ مجرى الأنهرِ، التي تعتبرُ شريانَ الحياةِ للأحوازيين، في مجتمعٍ زراعيّ، فضلاً عن استدامةِ الأزماتِ لإشعارِ الأحوازيين، بأنهم أدنى مرتبةً من أبناء الشعبِ الفارسيّ.
أما القتلُ الجماعيُّ دون اعتبارٍ للروحِ الإنسانيةِ، فخيرُ مثالٍ عليه ما جرى في مدينة معشور، كما أسلفنا، حينَ حاصرَت القوى الأمنية مدنيينَ أحوازيينَ، وتفنّنت في قنصهم في منطقةٍ تمت محاصرتُهم فيها، فأزهقت أرواحَ 130 أحوازياً .
بالإضافةِ إلى العشراتِ من الجرحى، ومن المظاهرِ التي باتت مألوفةً في الأحواز، إعدامُ الشبابِ الأحوازيِّ على أعوادِ المشانقِ في الشوارعِ والساحاتِ العامّة.
وهكذا ، نجدُ أن ما يجري في الأحوازِ، يمثلُ تطبيقاً حيّاً على البنودِ التي صنفها تقريرُ غريغوري ستانتين .
جميعُ ما سبقَ ذكرهُ يدللُ على تهيئةٍ قصديةٍ ومتعمدةٍ من الاحتلالِ الإيراني، لارتكابِ مجازرَ جماعيةٍ بحق الأحوازيين، بل حربُ إبادةٍ حقيقيةٍ، تستهدفُ وجودَهم، وبقاءهم في أرضِهم، حيثُ يُمنعونَ من الدارسةِ والتحدُّثِ بلغتِهم الأم، اللغةِ العربية، وتُمارسُ بحقِهم سياسةُ التمييزِ العنصريِّ والاضطهادِ القوميِّ، وتبذلُ كلَّ جهودِها لمحوِ الهويةِ والثقافةِ العربيةِ، وطمسِ ملامحِها ومعالمِها في الأحواز ، كما أكدَّ تقريرُ الممثلِ الخاصِّ للأممِ المتحدةِ السيد كوثاري عام 2005، وكذلك اتباعَ سياسةِ التهجيرِ القسريّ للسكانِ العرب، ومحاولاتِ تغييرِ التركيبةِ الديموغرافيةِ للأحواز، وإرهابِ المواطنين بالاعتقالاتِ العشوائية، دونَ سندٍ قانوني، ناهيكَ عن نهبِ ثرواتِ الأحوازِ الهائلةِ من النفطِ والغازِ الطبيعي والمياه وغيرها، وحرمانِ الأحوازيينَ من أبسطِ الحقوقِ وجعلهم عرضةً للفقر والبؤسِ والإهمالِ الكاملِ لكافة الخدماتِ الحيوية.
وكردِ فعلٍ طبيعيٍّ على هذهِ السياساتِ العنصريةِ ، وعلى جرائمِ الإبادةِ التي تُمارسُ بحقه، خاضَ الشعبُ الأحوازيُّ نضالَه المرير، ضد غطرسةِ الاحتلالِ الإيراني، عبرَ أنظمتهِ الحاكمةِ ، ساعياً إلى نيلِ حريتهِ ، وحقهِ الذي تكفلهُ كلّ الشرائعِ الإنسانية، في تقريرِ مصيرِه، لينعمَ بالحياةِ الكريمةِ، أسوةً ببقيةِ شعوبِ العالم، متطلعاً إلى تحقيقِ العدالةِ الإنسانيةِ ، عبرَ محاكمَ دولية ، تنصفُهُ وتعيدُ لهُ ثقتَهُ بالمجتمعِ الإنسانيّ، بعدَ عقودٍ من التجاهلِ والصمت.
أخيرا، نأملُ من مجلسكِم الذي يمثلُ الشعوبَ الحرةَ في العالم، أن يمارسَ الضغطَ، ويفرضَ ثقلهُ للتأثيرِ على مراكزِ القرارِ الدوليةِ، لتمكينِ شعبِنا من ممارسة حقِّه في تقريرِ مصيرِه، ورفعِ الظلمِ والقهرِ عن كاهلهِ، وإبعادِ شبحِ القتلِ والتنكيلِ والاعتقالِ عن أبنائِه، فنحنُ كشعبٍ حيٍّ لا نرضى بالظلمِ مهما تجبّرَ وطغى، وكلنا أملٌ وثقةٌ في هذا المجلسِ الكريمِ.
وخالصِ التحيةِ والتقدير لكم.