إيران تمحي هويتنا العربية وتعوّل على صهرنا في البوتقة الفارسية
يلخص هذا الحوار مع الناشط الأحوازي ورئيس مركز دراسات عربستان الأحواز حامد كناني، "إيران من الداخل" حيث يفصل محدثنا الذي خص الشروق بهذا الحوار في الطابع المجتمعي والسياسي والديني لإيران، ونظرة ساستها لمكونات المجتمع هنالك، خاصة العرب وأهل السنة.
ماذا يعني أن تكون عربيا في إيران؟
في البداية لا بد من الإشارة إلى أن هناك فرقا بين عربإيران الذين هاجر أسلافهم مع الفتح الإسلامي لبلادفارس ويقطنون في خراسان وكرمان ومناطق أخرى منإيران وعرب الأحواز الذين استوطنوا أرض الأحواز قبلوصول الفرس للواحات الإيرانية بآلاف السنين، وإيراناليوم تتكون من عدة شعوب، منها الشعب الفارسيصاحب النظرة الاستعلائية والمعادية للشعوب المحيطةبه من عرب وترك وأكراد وبلوش وتركمان، كما أن الفكر التوسعي الفارسي مبني على مزاعم تاريخية ودوافعمذهبية ومطامع سياسية جميعها معادية للعنصر العربي، الأمر الذي خلق نظرة معادية للعرب من خلالاعتبار العربي نقيضاً للفارسي وحتى الإيراني ولهذا السبب لا يمكن للعربي أن يكون إيرانياً إلا إذا أنكر عروبتهوتخلى عنها.
بمفهوم المواطنة، هل المواطن الأحوازي مواطن كامل الحقوق والواجبات، أم أنه مواطن من الدرجة الثانيةأو دونها؟
حقوق المواطنة والعدل والمساواة لم نجدها على أرض الواقع في إيران ولم تطبق أصلا وموجودة فقط فيطيات الصحف والدستور الإيراني، والدستور يحتوي على بعض المواد التي تتضمن بعض الحقوق الثقافيةالبسيطة بالنسبة للشعوب غير الفارسية في إيران لكنها بقيت مجمدة حتى الآن.
علما أن الدولة الإيرانية الحديثة التي تشكلت نهاية الربع الأول من القرن العشرين وبعد احتلال الأحواز سنة1925 أراد لها أن تكون دولة مواطنة وحقوق متساوية لجميع مكوناتها، ولهذا تم تغيير اسمها من "بلادفارس" إلى "إيران" لكن انفراد الفرس بالسلطة واستفحال النزعة القومية الفارسية في أوساط الساسة فيذلك الوقت عرّض الشعوب غير الفارسية في إيران للاضطهاد القومي، حيث أصبح أبناء الشعوب غيرالفارسية مواطنين من الدرجة الثانية في إيران، وبما أن النظرة عنصرية وحاقدة تجاه العنصر العربي أصبح العربيالأحوازي وبسبب عروبته وعقيدته مواطنا من الدرجة الثالثة أو دونها.
واليوم عندما تلتقي بالمستعربين من الفرس وتطرح معه موضوع الاضطهاد الذي يتعرّض له العرب في إيران،يأتيك بالدستور الإيراني ويعدد لك المواد الضامنة للعرب وغيرهم من الشعوب غير الفارسية، في حين هذهالمواد معطلة ويعتبرها بعض الساسة أنها تهدد الأمن القومي، لذلك يسعى النظام الإيراني إلى وضع بعضالعناصر المتعاونة والمخلصة له من أبناء الشعوب في الواجهة السياسية للإيحاء بأن طهران لا تفرق بين عربيوفارسي.
كيف تواجهون الوضع المعيشي، سياسيا، اقتصاديا، ثقافيا، اجتماعيا؟
استهدفت الدولة الإيرانية الكيان الأحوازي بكل مقوماته الوطنية والحضارية وعملت على محو المعالموالسيادة العربية مباشرة، ومورست بعدها سياسات تعسفية فاقت حدودها الأخلاقية ضد الشعبالعربي الأحوازي، واستهدفت طهران بسياساتها الهوية الوطنية العربية ونفذت عبر أساليب رخيصة ترتكزجميعها على أسس انتقامية معادية وحاقدة على العرب بشكل عام ومنها: التنكيل والتفقير والتجهيل والتهجيروالفرسنة.
ماذا تريد إيران منكم، وماذا تريد من العرب؟
ما تريده إيران هو محو هويتنا العربية وصهرنا في البوتقة الفارسية أي "تفريسنا" حيث عملت الحكوماتالفارسية وبشكل ممنهج على محو المعالم العربية من الأحواز بدأ بمنع العرب من التكلم والدراسة باللغةالعربية ولبس الزي العربي التقليدي، وإبعاد العنصر العربي عن المشاركة في إدارة شؤونه المحلية وفرضتعليه المستوطنين الفرس الذين جلبتهم السلطات الفارسية بدافع الاستيلاء وغلبت التركيبة السكانية علىحساب العرب وفي موطنهم التاريخي، ولم تنته موجات الاستيطان وخطط التغيير الديموغرافي مع ظهورصناعة النفط واكتشاف الغاز وتطور الزراعة في عهدي البهلوي الأول والثاني بل استمر الاستيطان وازدادتحدته في عهد النظام الحالي الذي يدعي الإسلام والعدالة والمساواة، حيث عمدت إيران على نزع الأراضيالزراعية من العرب، فأقدمت على تبني مشاريع زراعية صناعية ومنها مشاريع قصب السكر وصادرت أكثرمن مليون هكتار من أجود الأراضي الزراعية من العرب، ووعدتهم بإيجاد وتوفير فرص عمل لهم، ولكن لم تفالحكومات بوعودها وبدل منح فرص العمل للعرب استقدمت العمالة من خارج الأحواز، وشيّدت لهممستوطنات كبيرة على حساب العرب ولعل الرسالة الموجهة من مكتب الرئيس الإيراني السابق محمد خاتميوالتي كانت تحمل توقيع مدير مكتبه محمد علي ابطحي، والتي تشير وبوضوح لتنفيذ خطة عنصرية واضحةالمعالم لتهجير العرب من أوطانهم وتوطين غير العرب مكانهم كانت خير دليل على مساعي الفرس العدائيةوالمستمرة ضد أبناء الأحواز وتنفيذ سياسة مبرمجة تهدف إلى محو الكيان الأحوازي بكل مقوماته الوطنيةوالحضارية، كما عملت الأنظمة الفارسية على إخضاع الشعب العربي الأحوازي إلى تحكم المستوطنين الفرسالذين انفردوا بإدارة البلاد واستثمار خيراتها.
ألا تعتقد أن هنالك حملة مظللة تقودها أطراف إقليمية وأنتم كأحوازيون وقدتوها ضد إيران؟
الشعب الذي قاوم أبشع وأسوأ أنواع الاحتلالات وصمد أمام كل السياسات العنصرية بقدراته الذاتية بعدحماية الله سبحانه وتعالى طيلة التسعة عقود الماضية لا يمكن أن يصبح ورقة ضغط أو وقود حرب إقليميةكانت أم دولية.
لا أبالغ إذا قلت إن بطولات حركات التحرر في بلاد المغرب العربي ورموزها وتضحياتها الجسام في عهدالاستعمار الفرنسي هي الحاضرة الغائبة في مخيلة كل مناضل وإعلامي أحوازي، فالمناضل الأحوازي حينيصعد على منصة الإعدام يقتدي بعمر المختار ويقبل حبل المشنقة، والإعلامي الأحوازي حين يعجز عنالتكلم باللغة العربية ولا يجيد فصاحتها يتذكر الرئيس أحمد بن بلّة ومحنة الشعب الجزائري آنذاك.
واليوم وبسبب وجود الكثير من الأحوازيين في الدول الغربية وحضورهم الإعلامي المميّز أصبحوا هم منيدافعون عن العراقيين والسوريين واليمنيين والبحرينيين والسعوديين واللبنانيين والإماراتيين في وسائل الإعلامالعربية والفارسية والانجليزية ويناصرون معظم القضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية وهي قضيتناالمركزية وجرحنا الدامي.
وبالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي من الواضح أن خطوات هذه الدول لمواجهة التمدّد الإيراني ضعيفةوخجولة ومتأخرة للغاية، ولم يلجأ الخليجيون لاستخدام أوراق الداخل الإيراني ومنها منظمة مجاهدي خلقعلى سبيل المثال وذلك للجم طهران، في حين أكملت إيران طوقها على هذه الدول من خلال استخدامأوراق داخلية في لبنان وسوريا والعراق واليمن والكويت والبحرين والمملكة العربية السعودية، فلولاالأحزاب والتنظيمات العربية الموالية لإيران لم تتمكن طهران من تحقيق كل هذا التمدد الذي جاء علىحساب الأمن القومي العربي.
وباستثناء المملكة العربية السعودية باقي دول مجلس التعاون الخليجي تبدو شبه مستعدة نفسيا للتعايشمع الواقع الجديد وهيمنة إيران على المنطقة، الكويت وقطر وسلطنة عمان على سبيل المثال أصبحت أقرببسياساتها الخارجية لإيران من أشقائها الخليجيين.
إيران التي تعادونها، خاصمت إسرائيل وأمريكا، وساهمت في بناء المقاومة الفلسطينية واللبنانية، ألا يكفيهافخرا ما قدمته، بالمقابل ماذا قدم العرب لقضاياهم المركزية، وتحديدا الصراع مع إسرائيل؟
بعد عملية التقارب الإيراني الأمريكي والمباركة الإسرائيلية لهذه العملية أصبحت قضية معاداة النظامالإيراني لإسرائيل وأمريكا وشعاراتها موضع سخرية في العاصمة الإيرانية طهران أكثر من معظم العواصمالعربية المبهورة بإنجازات النظام الإيراني الكاذبة وبسياساته المخادعة ومع شديد الأسف نجد أن بعضالعرب مواقفهم انفعالية وتصريحاتهم عاطفية ومشاعرهم تستغل بسهولة.
والسياسة الدولية وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر تغيّرت تماما ومنذ ذلك الحين طهران وعن طريقاللوبي الفارسي في الولايات المتحدة الأمريكية بدأت المفاوضات السرية والتعاون المشترك مع الولاياتالمتحدة الأمريكية وذلك للنيل من عدو مشترك، أمريكا تريد الانتقام من أهل السنة العرب انتقاما لأبراجهاالتي ضربت في عز النهار وإيران تطلب ثأر انهيار إمبراطوريتها على يد المسلمين الأوائل وإعادة هيبتها المفقودةبعد هزيمتها في حرب الثمان سنوات مع العراق، وهناك مقولة تكشف عمق التعاون الإيراني الأمريكي وقالهاأكثر من مسؤول إيراني وهي"لولا دعم طهران ومساعدتها لأمريكا لما سقطت كابول ولا بغداد".
وأما القضية الفلسطينية صحيح أن إيران نادت بمحو إسرائيل وفتحت السفارة الفلسطينية بدل السفارةالإسرائيلية في طهران بعد انتصار الثورة سنة 1979 ولكن الخدمة المجانية التي قدمتها طهران لإسرائيل لميتخيلها عباقرة الصهاينة وهي أن إيران دمرت أربعة جيوش عربية، وعرقلت عملية بناء الجيش العراقي حتىالآن، كما أنها تحاول القضاء على الجيش السوري بشكل تام ونحن نلاحظ تباين وجهات النظر والاختلاف بينهاوبين روسيا بالنسبة لسوريا، حيث روسيا تريد الحفاظ على الدولة السورية دون الأسد لكن إيران تريدالحفاظ على شخص الأسد لأنها تجد ضالتها فيه، وأما خلق إيران لعدة قضايا بالشرق الأوسط وإزاحتالقضية الفلسطينية من المشهد، حيث قضايا العراق وسوريا واليمن زاحمت القضية الفلسطينية في مكانتهاوأصبحت القضية الفلسطينية نوعا ما بعيدة عن الاهتمام العربي والعالمي وهي خدمة أخرى قدمتها طهرانمجانا للصهاينة.
ومن ناحية أخرى اعتمدت طهران سياسة التفرقة مابين الفلسطينيين ودعم فريق فلسطيني ضد فريق آخر،فنصبت العداء للقيادة الفلسطينية وقدمت الدعم لحماس والجهاد الإسلامي وتمكنت من إيجاد شرخ فيالإجماع الوطني الفلسطيني، ثم أقدمت على تجزئة المجزأ وقطعت الدعم حركة حماس وحركة الجهاد الإسلاميوخلقت فصيلا آخر لتضرب به حماس والجهاد الإسلامي وهي حركة الصابرين ذات التوجه الشيعي.
ماذا سيتغير في إيران، بعد التوقيع على الاتفاق النووي مع الدول الكبرى؟
لا أعتقد أن تحصل المعجزة في إيران بعد الاتفاق النووي، وهذا ما أكده المرشد علي خامنئي أخيرا حين قالإن سياستنا الخارجية لن تتغيّر وأما الوضع الداخلي أثبت هذا النظام للإيرانيين وللعالم أكثر من مرة أنه غيرقابل للإصلاح وأن السلام والإصلاح السياسي لا يتماشى مع طبيعة النظام الإيراني العدوانية.
هل تنكر أنها نجحت حيث أخفق العرب الذين ينامون على ملايير الدولارات، وأنها صمدت طيلة سنواتفي مواجهة العقوبات الغربية عليها؟
اسمح لي أن أختلف معك في تفسير النجاح والصمود بالنسبة للنظام الإيراني، هل ترى أن النجاح هو اختراقسيادة الدول والتدخل بشؤونها الداخلية ودعم الإرهاب ومعاداة المجتمع الدولي وخوض مغامرات نوويةوصاروخية فاشلة لم تجلب لنا سوى عدة قرارات بالعقوبات الدولية وضياع 700 مليار دولار من أموالناوتشريد أكثر من 6 مليون إيراني للخارج وقتل الآلاف في السجون واغتصاب الرجال والنساء في زنازين سجنكهريزك وملء السجون بالشباب والسماح للمخدرات أن تلتهم 15 مليون أخر، وانتشار الفحشاء وتدنيسن الدعارة حتى يصل إلى تسعة سنوات، وسكن عشرين ألف رجل وامرأة في شوارع طهران وهم يفترشونالأرض ويلتحفون السماء وتآكل الطبقة الوسطى في المجتمع الإيراني، ومن ثم التراجع والتوسل بأمريكا منأجل تحرير مائة مليار من أموالنا المجمدة..هل هذا هو النجاح؟.
إلى أي مدى يمكن أن يصل"الطمع" الإيراني في المنقطة، بعد سوريا لبنان العراق واليمن؟
ما تريده إيران هو واضح ومكشوف، حيث يعتقد الفرس أن حدود إيران تصل إلى مصر وليبيا غربا وسوفلن يكتفي جنرالات الحرس الثوري بالوقوف عند حدود سوريا والعراق ولبنان بل سوف يعملون من أجلإعادة إمبراطوريتها بالكامل.
طهران تستغل الإسلام والتشيّع والقضية الفلسطينية لصالح أهدافها التوسعية وهناك الكثير من المواقفالمزدوجة لسياستها الخارجية تؤكد لنا صحة هذا الكلام ففي قضية صراع دولة آذربيجان(الشيعية) مع دولةأرمينيا(المسيحية) حول إقليم قره باغ الواقع شمال إيران تجد أن طهران تقف بجانب أرمينيا المسيحية ضدآذربيجان المسلمة.
ولم تحتج طهران ولو لمرة واحدة من أجل مسلمي الإيغور ومعاناتهم في الصين، ولم تسجل موقفا واحدالصالح الشعب الشيشاني في روسيا بينما تملأ الدنيا ضجيجا من أجل اعتقال شخص من شيعة البحرين،وفي نفس الوقت ميليشياتها تطارد المرجع الشيعي العراقي السيد الحسني الصرخي وتقتل العشرات منأتباعه في العراق.
هل العداء الذي تكنه إيران إلى سكان الأحواز، راجع إلا أنهم عرب أم أنهم سنة؟
العداء الفارسي للعرب يعود لما قبل الإسلام، وأصبح العرب في المنطقة أمام مشهد غريب بالنسبة لهم،لكنه غير غريب بالنسبة للأحوازيين وهو بدأ عملية التفريس العنصري والوحشي وقضم وابتلاع أوطان العربوالقضاء على الشيعة قبل القضاء على أهل السنة كما فعل الفرس في الأحواز، فالعداء الفارسي هو موجهللعنصر العربي سواء كان سني أو شيعي، فالتشيّع لا يشفع للعربي ولا يحميه من البطش والتنكيل.
هل ممارسة شعائركم الدينية تتم في ظروف اعتيادية؟
طبعا لا..الدستور الإيراني ينص وبوضوح على أن إيران دولة شيعية ولا يسمح لغير الشيعي أن يشغل منصبارفيعا في الدولة وهناك ترويج متعمد بين العامة وهو أن السني وهابي وقاتل الحسين ومغتصب الولاية منعلي ابن أبي طالب وكاسر ضلع الزهراء.
لم تسمح السلطات الإيرانية لأكثر من مليون ونصف المليون سني يقيم في طهران من بناء مسجد واحديجمعهم وكل من يعيش في طهران يعرف أن أهل السنة يوم الجمعة يذهبون للملحقية الثقافية الباكستانيةلإقامة الصلاة فيها وحتى الشيعة العرب يتعرضون للمضايقات من قبل السلطات في ممارسة شعائرهم الدينيةالتي لا تحمل النفس الفارسي وهو الطعن بزوجات الرسول وشتم الصحابة والتطبير وما شابه ذلك من بدع.
المصدر: بوابة الشروق