العرب وإقليم الأحواز المحتل
مرت 90 عاماً من احتلال إيران إقليم الأحواز العربي، غير أنها فشلت في محو هوية شعب الإقليم، وتجريده من انتمائه العربي. وعلى الرغم مما يواجهه الشعب العربي الأحوازي من اضطهاد سياسي واقتصادي وبيئي، إلا أن قضيته بدأت تلقى دعماً وتفهماً واسعاً، ستساعده على استرجاع سيادته المغتصبة.
شاركت في أعمال المؤتمر السياسي الثالث لحركة النضال العربي لتحرير الأحواز، بدعوة من منظميه، واستمر يومين، تحت شعار "المقاومة الوطنية الأحوازية وعاصفة الحزم"، واختتم في اليوم الأخير من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، في كوبنهاغن، وشارك فيه نشطاء أحواز، ووزراء وسفراء ونواب ومفكرون وباحثون وإعلاميين ومسؤولو أحزاب عرب. واستمع أكثر من 150 مثقفا وناشطا حقوقيا عربيا إلى استغاثات الأحوازيين وعتاباتهم وتحذيراتهم من المخططات الفارسية للهيمنة على بُلدان الجوار العربية.
وكشف الأحوازيون ما يعانيه عرب الأحواز من اضطهاد وتنكيل على أيدى السُلطات الإيرانية، وأن تلك المُمارسات بدأت في العهد الإمبراطوري البهلوي، واستمرت بعد الثورة الإسلامية (1979)، وأنه غير مسموح لهم أن يسموا مواليدهم بأسماء عربية (سُنّية)، مثل أبو بكر وعُمر وعثمان ومُعاوية، وكذلك غير مسموح لهم أن يتعلموا اللغة العربية، لا في المدارس الحكومية الفارسية، ولا حتى في مدارسهم الخاصة، وغير مسموح لعرب الأحواز أن يتواصلوا مع إخوانهم، وأبناء عمومتهم على الشاطئ الآخر من الخليج العربي (العِراق والكويت وقطر والإمارات).
عقدت الحركة الوطنية الأحوازية مؤتمرها من أجل الحشد للدعم والتضامن العربي والدولي، مع نضال الشعب العربي في مناطق الأحواز، في قضيته العادلة من أجل نيل حريته، والتعريف أكثر بهذا الإقليم العربي، حيث أهملت كُتب التاريخ المدرسية العربية الإشارة إلى هذا الإقليم العربي في أقصى المشرق العربي، والذي هو أغنى الأقاليم التى احتلتها إيران منذ عشرينيات القرن الماضي. وأكد المشاركون على حق الأحوازيين في مقاومة الاحتلال الإيراني، والتأكيد على الهوية العربية للأحواز، وطالبوا المنظمات الإسلامية بتعليق عضوية إيران وتجميدها، ودعوا إلى إيجاد آلية للتواصل بين الإثنيات غير الفارسية، والعمل على توحيد فصائل المقاومة للشعوب غير الفارسية.
وأصدرت اللجان السياسية والإعلامية والأمنية والحقوقية التي شكلت في أثناء أعمال المؤتمر تعزيز حركة الاستقلال الوطني لإقليم الأحواز العربي الذي تحتله إيران، ومواجهة "مدّ طهران التخريبي في المنطقة". وناقشت اللجان قضايا ومقترحات مرتبطة بالقضية الأحوازية والشعوب غير الفارسية والمخططات الإيرانية للتوسع في المنطقة، ودور عاصفة الحزم العربية في ردع التمدد الإيراني في المنطقة وقطع أذرعه فيها، فقد بحثت اللجنة السياسية والإعلامية قضايا تتعلق بتوفير الدعم السياسي للمقاومة الأحوازية بمطالبة جامعة الدول العربية بتبني القضية الأحوازية.
ودعت اللجنة القانونية إلى تسليط الضوء على ما سمتها "جرائم الاحتلال الفارسي ضد الأحوازيين"، بتوثيق كل الانتهاكات وعلى جميع المستويات، ورفع دعوى أمام المحاكم والمؤسسات الدولية لمحاسبة الدولة الفارسية، ومعاقبتها وفقًا للقوانين والمواثيق الدولية. وطالبت اللجنة الأمنية بآليات عملية لتقديم الدعم والخبرات العسكرية إلى المقاومة الوطنية الأحوازية، وتزويدها بكل ما يلزم من السلاح، لمواجهة الاحتلال الفارسي.
ويذكر أن إقليم الأحواز ظل تحت حكم الخلافة الإسلامية، منذ انتصار المسلمين على الفرس في معركة القادسية وحتى الغزو المغولي، ثم نشأت الدولة المشعشعية العربية، وحصلت على اعتراف الدولة الصفوية والخلافة العثمانية دولة مستقلة إلى أن نشأت الدولة الكعبية (1724- 1925م)، فحافظت على استقلالها، حتى سقطت على يد الشاه بهلوي.
ففي عام 1920، اتفقت بريطانيا مع إيران على إقصاء أمير الأحواز (عربستان) وضم الإقليم إلى إيران، حيث منح البريطانيون الإمارة الغنية بالنفط إلى إيران، بعد اعتقال الأمير خزغل الكعبي، ومن بعدها صارت الأحواز محل نزاع إقليمي بين العراق وإيران، وأدى اكتشاف النفط في الأحواز إلى تصارع القوى المتعددة للسيطرة عليها.
ويعد السبب الأقوى لاحتلال إيران هذه المنطقة أنها غنية بالموارد الطبيعية من النفط والغاز وخصوبة الأراضي التي يصب فيها نهر كارون، كما أنها المنتج الرئيس لمحاصيل، مثل السكر والذرة في إيران، وتساهم الموارد المتوفرة في هذه المنطقة (الأحواز) بحوالي نصف الناتج القومي الصافي لإيران، وأكثر من 80% من قيمة الصادرات في إيران.
والمعروف أن الدستور الإيراني يدرج الأقليات غير المسلمة فقط (الأرمن واليهود والزرادشتيين والآشوريين والكلدان)، في خانة الأقليات المعترف بها في الدستور، فيما لا يتم تضمين المكونات العرقية المسلمة (غير الفارسية) في تلك الخانة، ما يمنع تلك المكونات من الحصول على حقوقها الدستورية، في بلد يضم أكثر من 90 لغة ولهجة حيّة، في مقدمتها اللغة التركية التي تعد واسعة الانتشار في إيران، وهي منطوقة من الشعوب التركية في إيران (الآذريون والتركمان والقاشقاي وأتراك خراسان وأتراك الخليج والقازاق والأوزبك)، تليها اللغة العربية ثم الكردية ثم البلوشية.
بما أن هناك إجماعا عربيا على وقوف إيران وراء الأزمات الخطيرة التي تشهدها المنطقة حالياً، وطهران، بحسب اعترافات مسؤوليها، قد هيمنت فى السنوات العشر الأخيرة على أربعة بُلدان عربية، العِراق، وسورية ولبنان واليمن، ناهيك عن احتلالها جزر الإمارات العربية الثلاث (أبو موسى، وطنب الصغرى، وطنب الكبرى).
وفي المقابل، ماذا فعل العرب في إطار مشروع عربي شامل، يمكن أن يتصدى للمشروع الفارسي التوسعي في المنطقة كلها…؟ وخصوصاً، ماذا قدم العرب للأحواز المحتلة؟
باسل الحاج جاسم
المصدر: موقع العربي الجديد