#أحوازنا -رحلة في غياهب سجون الاحتلال الإيراني
تحت الأرض، خلف القضبان وفي غرف دامسة الظلام حيث تحتضر الحياة وينطق الإجرام، حكايات تقشعر لها الأبدان، ومنها من لم يكتب لها أن تبصر النور، فقد طمست بين جدران زنازين الموت ولم يبق منها سوى مفردات على الحيطان، تشير إلى مرور ضحية وترسم مشاعر تصارع الضعف وترفض الهوان… نعم إننا في سجون الاحتلال الإيراني حيث تستخدم شتى طرق التعذيب من أجل نزع الاعتراف من السجين، سجين لم يرتكب جريمة سوى أنه رفض الخنوع وأبى التنازل عن حقوقه كإنسان.
شهادات مروعة لمعتقلين سابقين في زنزانات المخابرات الفارسية ممن كتب الله لهم الخروج، منها تشير إلى انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان ومآسٍ يعيشها المعتقل منذ اللحظات الأولى من اعتقاله.
تبدأ رحلة الاعتقال بمداهمة ليلية أو خطف من الشارع دون أي إنذار مسبَق، وبتهم واهية ليتم بعد ذلك تعصيب عيني المعتقل ونقله إلى مكان مجهول حيث يغيب وتغيب معه أخباره لفترات قد تصل في بعض الأحيان إلى سنين وقد لا يعود أبداً، لتدل المخابرات في ما بعد ذويه عن مكان دفنه.
يروي "رمضان الناصري" الأسير الأحوازي السابق تفاصيل اعتقاله ويتذكر تلك الأيام القاسية بحرقة وألم.
تعرض رمضان الناصري البالغ من العمر 46 عاماً للاعتقال في يوليو/ تموز 2006م بتهم مختلفة، لعل أهمها اتهامه بمحاربة الله ورسوله واقتيد إلى السجون السرية التابعة للمخابرات الإيرانية حيث قبع في الزنزانة الانفرادية لأكثر من 4 أشهر.
يقول رمضان: "غالبا ما يتعرض المعتقل للضرب العشوائي الشديد في الساعات الأولى من الاعتقال لكسر إرادته وزرع الخوف في قلبه، فبمجرد دخولي إلى المخابرات انهال علي رجال بالضرب وأنا معصوب العينين ومكبل اليدين، لم أعرف عددهم لكن الأصوات كانت تشير إلى وجود 3 أو 4 أشخاص في الغرفة، كان الضرب شديدا جداً أظنهم كانوا يضربونني بالعصي والهروات وتزامناً مع ذلك كانت تتعالى أصواتهم بالسب والتهديد، ثم ألقيت في الزنزانة الانفرادية التي لا تبلغ مساحتها سوى 4 أمتار مربعة".
كما تحدث رمضان عن تعرضه للتعذيب من خلال ربطه على سرير حديدي وضربه بكابلات كهرباء على ظهره ورأسه، وهو ما تسبب له بنزيف داخلي، وأيضا استجوابه لفترات طويلة دون أن يسمح له بالنوم، وأشار إلى الأساليب الأخرى في التعذيب كالصعق الكهربائي وربط الأسير على كرسي لأيام كالذي تعرض له الشهيد "زامل الباوي" فقد رُبط الشهيد زامل على كرسي ثلاثة عشر يوما.
حُكم رمضان الناصري بالسجن 30 عاماً مع النفي إلى مدينة إقليد التي تبعد أكثر من 590 كيلومتر عن الأحواز العاصمة، وبعد 8 أعوام من الأسر استطاع الهروب من سجن إقليد وطلب اللجوء في إحدی الدول الأوروبية.
أما "عيسى كاظم الكعبي" الأسير الأحوازي السابق والمحكوم هو الآخر بالسجن 30 عاماً مع النفي، فقد حدثنا عن تعرضه لصنوف أخری من التعذيب: كالخنق والتعليق من اليدين وضرب رأسه بالحائط وذلك أثناء وجوده أكثر من 5 أشهر في سجون المخابرات الإيرانية، وقال إنهم كانوا يملؤون فاه بقطع من القماش ليمنعوا خروج صوته أثناء التعذيب، وهذا ما كان يجعل ألم التعذيب مضاعفاً بالنسبة له.
يذكر أن "عيسى الكعبي" الذي فقد ركبته اليمنى في السجن، استطاع الخروج مقابل كفالة مالية كبيرة لإجراء عملية جراحية، وتمكن خلال ذلك من الهروب إلى تركيا.
وقد يمنع المعتقل من قضاء حاجته أو يحرم من أشعة الشمس لأشهر بالإضافة إلى التعذيب النفسي كالتهديد باعتقال الزوجة أو الأخت وغير ذلك من الطرق الوحشية المسخدَمة في سجون الاحتلال الإيراني، وكل ذلك لجعل الأسير الأحوازي يعترف بما لم تقترفه يداه، وإن كان هذا الاعتراف سيفضي به إلى منصة الإعدام.
بعد طول عناء في زنزانات المخابرات يتم نقل الأسير إلى سجون لا تتوفر فيها أدنى شروط الحياة وفي ظروف لا إنسانية لتبدأ المأساة بشكل جديد، حيث يمنع السجين من ملاقاة أهله أو الاتصال بهم، كما تقوم إدارة السجن بالتضييق على السجين من خلال التفتيش اليومي وبعثرت الأغراض إضافة إلى الضرب والإهانات وخلطهم مع سجناء المخدرات وغيرها من الجنايات من أجل إذلال السجين الأحوازي.
يقول "عيسى مهدي الفاخر" الأسير السابق والناشط الأحوازي: "إننا نُمع من ارتداء الزي العربي كما تمنع إدارة السجون دخول أي جريدة أو كتاب عربي إلى السجن ويُجبر السجين – لا سيما أهل السنة منهم – على الصلاة في الحسينية الموجودة في السجن وعلى الطريقة الشيعية".
كما تحدث "عيسى الفاخر" عن اكتظاظ السجون وتفشي الرذيلة وانتشار الكثير من الأمراض المُعدية والخطيرة: كالإيدز والأمراض الجلدية الخبيثة والالتهاب الكلوي والتهاب القولون التقرحي دون أي اهتمام من قبل الحكومة الفارسية.
أما بالنسبة لعدد السجناء القابعين في سجون الدولة الفارسية فلا توجد أي إحصائية رسمية حول ذلك، كما تمنع إيران دخول المراقبين الدوليين إلی سجونها، ولكن تقاریر منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان تشیر إلى وجود المئات من الأحوازيين في سجون الاحتلال الإيراني مع وصف ظروفهم بالمأساوية والمخيفة.
وائل عبدالرحيم
المصدر : مجلة البيان