العرب والعراق وإيران
كنت في لاهاي مشاركا في مؤتمر عن” إيران والأمن القومي العربي والقضية الاحوازية” وأستطيع القول إنه من أفضل المؤتمرات الوطنية التي حضرتها في بعض من السنين الماضية من حيث التنظيم وشمول الموضوع وعمق تفكير المشاركين فيما طرح من قضايا بعيدا عن العصبية والقطرية وتوزيع الاتهامات على أطراف دولية وقطرية ومنظمات سياسية حول ما يجري في الشرق الأوسط. إنهم تناولوا حال الخليج العربي وما يجب أن يكون عليه الحال وما هو كائن، تناول المشاركون بالتحليل العميق(المشروع الإيراني في الشرق الأوسط ابتداء وإستراتيجيتها لتحقيق ذلك المشروع في المنطقة، كما تناول أهل الرأي ما يجب أن يكون عليه الدور العربي لمواجهة المشروع الإيراني تجاه الوطن العربي انطلاقا من الخليج العربي والعراق وصولا إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط عبر سورية ولبنان والمساومة جارية بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران حول مستقبل أفغانستان وتحقيق مصالح الغرب في المنطقة.
(2)
لقد أجمع المشاركون في المؤتمر في تناولهم أوضاع دول الخليج العربي والعراق عن ضحالة المعرفة عند الكثير من المشتغلين بالإعلام عما يجري في بلاد الرافدين وإقليم الاحواز وما تفعله إيران وما يترتب عليه من مستقبل مخيف إذا بقي الحال على ما هو عليه. لقد كثر الحديث في وسائل الإعلام العربي والدولي عما يجري في العراق اليوم وينصب التحليل الذي لا يعتمد على معلومات ميدانية حقيقية على “داعش” وكأنها المحرك الحقيقي للأحداث في العراق. إن المشتغلين بالإعلام العربي ومعظم كتاب الأعمدة الصحفية يتجاهلون المشكلة الحقيقية خلف ما يجري على الساحة العراقية. إن جوهر المشكلة في العراق هي ليست حكومة المالكي وإنما المشكلة الحقيقية هو النظام القائم في العراق بعد إسقاط النظام الوطني عام 2003 واعتماد النموذج اللبناني المبني على تقسيم المجتمع إلى ملل ونحل وكل ملة تأخذ “شقفة” من السلطة السياسية “وطاسة” من المال العام، فالمسيحيون في لبنان لهم رئاسة الجمهورية، ورئاسة الوزارة أي الحكومة لأتباع المذهب السني، والمذهب الشيعي لهم رئاسة البرلمان، وكذلك حال العراق على التوالي، الأكراد لهم رئاسة الدولة والوزارة للشيعة والبرلمان لأتباع السنة وعلى ذلك النحو توزع الوظائف الأمر الذي يؤدي إلى الولاء لزعيم الطائفة وليس للوطن كما هو حادث في كل من لبنان والعراق اليوم.
(3)
القيادات العربية مع الأسف الشديد تبنت ما يروج له المالكي وعصابته اليوم من أنه يحارب الإرهاب ويستنجد بالعالم لمعونته على ذلك والمستهدف في العراق اليوم كما يقول المالكي “داعش” التي استولت على الموصل ومناطق أخرى وصلت طلائعها إلى مشارف بغداد وتكاد تسيطر على الأنبار بكاملها، هذه الرواية لا أساس لها من الصحة، القوة التي أسقطت إدارة المالكي في الموصل “صلاح الدين” ومساحة واسعة في الأنبار هم الذين اعتصموا في الساحات لقرابة عاما كاملا مطالبين المالكي وحكومته بتحقيق العدالة والمساواة بين أفراد الشعب العراقي دون تمييز طائفي كما يفعل المالكي، واحترام كرامة الإنسان العراقي والاعتراف بحق المشاركة الفعلية في صناعة القرار على أسس وطنية والمحافظة على المال العام.
إن القوى الثائرة في العراق اليوم تضم كل الشرفاء من جميع أطياف الشعب العراقي بكل ملله ونحله الذين يرفضون الهيمنة الفارسية وجبروت الحكم الطائفي الانعزالي الكريه الذي أرسى قواعده برايمر. إن تنظيم “داعش” ليس له الغلبة في الثورة في صلاح الدين والأنبار. إن الثورة العراقية اليوم تضم كل رجال العشائر الشرفاء وشيوخهم الأشاوس والقوى الوطنية التي تتشكل من بعض الفصائل الإسلامية ومن حزب البعث العربي الاشتراكي وكذلك ضباط الجيش وجنوده الذين سطروا ملاحم تحرير الفاو وحقول مجنون وبقية الأراضي العراقية من جحافل جيوش “عمايم طهران وقم” الذين تجرعوا السم مع مرشدهم يوم إعلان هزيمتهم في العراق في 8/ 8 / 1988.
(4)
تنصب الاهتمامات السياسة في الشأن على كل الصعد العراقية والعربية والدولية على إقناع المالكي بالاستقالة من رئاسة الحكومة والتوجه لاختيار أي من فرسان الطائفية البشعة في العراق وهم (إبراهيم الجعفري، بيان صولاغ جبر، عادل عبدالمهدي، أو أحمد الجلبي أو غيرهم) والرأي عندي أن أي من هذه الشخصيات لن يكون أقل أسوأ من نوري المالكي وعلى ذلك فإن الحل الأمثل عندي هو العودة إلى العراق بوجهه وعقله اللاطائفي الذي كان سائدا قبل عام 2003 وتشكيل حكومة وطنية خالية من أي نزوع طائفي أو عرقي.
إن الدول العربية التي وقفت ضد العراق عام 1991 إلى جانب قوى التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا عليهم اليوم الدور الأكبر لاستعادة العراق من براثن الطائفية وسيطرة “عمايم طهران وقم” على أرض الرافدين.
(5)
إن تنفيذ هذا المقترح يستوجب عربيا أخذ الداخل الإيراني في الحسبان، أعني بما أن إيران تتدخل في الشؤون العربية بتأليب النعرات الطائفية وتأييدها سياسيا وعسكريا وماليا في بلدان الخليج العربي وأكثر من دولة عربية فإن على العرب استخدام ذات الأسلوب بمعنى دعم الثورة الاحوازية بكل الإمكانات وتأييدها في المحافل الدولية لأن إقليم الاحواز عربيا منذ فجر التاريخ وقد احتل عام 1925 م بمؤامرة بريطانية إيرانية أدت إلى اعتقال أمير الاحواز الشيخ خزعل (دولة الكعبيين) وإرساله إلى طهران وقضى نحبه هناك. الآن جاء الوقت لاسترداد القطر الاحوازي من القبضة الفارسية بدعم أهل الاحواز بكل إمكانات العرب إن كانوا صادقين في المحافظة على سيادة أقطارهم وأمن مواطنيهم وعدم السماح للعبث بأمنهم الداخلي.
آخر القول: البيئة السياسية الداخلية في إيران محتقنة، فهل يقدم الحكام العرب على استخدام ذلك الاحتقان بدءا من الاحواز لإشغال القيادات الإيرانية في الداخل وكبح جماحها نحو الخارج؟