#أحوازنا -المضمر في الخطاب السياسي الإيراني
دكتور توماس لينديمان؛ Thomas Lindeman أحد أهم منظري العلاقات الدولية بجامعة فرساي سان-كوينتين Univesité Versailles Saint-Quentin الفرنسية، له عدة كتب في نظريات العلاقات الدولية منها كتاب «السياسة الدولية لكسب الاعتراف» (International Politics of Recognition)، وكتاب «الحرب من أجل كسب الاعتراف» (War for Recognition)، وفي محاضرة له ألقاها حديثا في مركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية تحت عنوان «الخطاب الداخلي في ايران والتحديات الامنية الحقيقية» تعرض فيها لسياسة الولايات المتحدة تجاه إيران، وتطرف الخطابات الداخلية والسياسة الـخارجية الإيرانية.
انطلق لينديمان في محاضرته طارحا عدة تساؤلات: لماذا اتسم سلوك ايران بالعدوانية طوال العقد الماضي، وبخاصة منذ عام 2005؟ لماذا كان الفشل مصير البيريستوريكا (اعادة البناء) الايرانية؟، لماذا يعلن صانعو القرار الايراني عن أنفسهم بأنهم دولة نووية كبيرة، ويهددون إسرائيل قبل أن يكونوا قادرين فعلا على توظيف هذا الردع النووي؟ ولماذا تؤكد إيران على الخيار النووي على الرغم من التكاليف الاقتصادية العالية المرتبطة بهذا الخيار (العقوبات المفروضة عليها، مثلا)؟ وفي سياق إجابته عن هذه التساؤلات، تحدث لينديمان عن مفهوم «لغة الخطاب المتسمة بتعظيم الذات» الذي يعتقد انها المحدد الرئيسي لفهم السلوك الايراني. يعرف لينديمان «خطاب تعظيم الذات» بأنه الخطاب الذي يتيح للجهات الفاعلة الحفاظ على صورتها الذاتية الايجابية، في ما لم يجر في الواقع الاعتراف بها (ويتم رفضها) من قبل القوى الكبرى (الاخر المهمة) بشكل رئيسي من خلال شيطنة الآخر.
يرى لينديمان ان الخطاب السياسي للدول الثورية بشكل عام، الذي يتناول الساحة الدولية ودور بلادهم في المرحلة المعنية، غالبا لا تجري عليه تحليلا للمصالح السياسية ولغة التكاليف والمنفعة كالعلاقات الخارجية التقليدية، لأن هدفها الاساس ينصب على ترسيخ شرعيتها الداخلية أولا وهكذا، فإن هدف هذه الدول الرئيسي هو متابعة مهمتها الثورية واتخاذ هوية معينة تقوم على مجموعة معينة من المعايير والقيم. فحتى السلوك الخاطئ والمحفوف بالمخاطر على الساحة الدولية قد تكون له «ميزة» في تعزيز الاستقرار (التماسك) الداخلي. وبالتالي يعتقد لينديمان ان ايران استخدمت الـخطاب الثوري والسياسة النووية لتكوين صورة إيجابية للذات حول إيران المعزولة.
وأكد أن وصم إيران بـ «الدولة المارقة» اسهم فـي ظهور التوصيفات الذاتية النرجسية التي تصف القوى الدولية الغربية بـ «الشريرة». وعليه يعتقد لينديمان ان سياسة «حافة الهاوية» الايرانية في العلاقات الدولية (السياسة النووية والمساعدات الثورية) هي النتيجة الطبيعية، جزئيا لخطاب ادراك الذات وتقديرها، والذي يضفي الشرعية على صانعي القرار الايراني في الساحة الداخلية. ووفقا للينديمان يتسم خطاب إدراك «الذات» بخاصيتين رئيسيتين هما:
اولا: النرجسية السياسية، فكونه يشير الى الذات فمن شأنه ان يحدد مجتمع الشخص المعني على انه ذو طابع فردي بشكل حاد وأسمى أخلاقيا من «أعدائه». وأي انتقاد لـ «الذات» يتم تحويلها لتغدو شيئا «استثنائيا» و «ايجابيا»، فعلى سبيل المثال، يحول ما يسمى «التخلف» الى شيء نقي ومناقض لـ «الفساد» الغربي.
ثانيا: شيطنة الاخر، فغالبا ما يقوم هذا الخطاب على الانكار التام لوجود الاخر، وفرض قوالب نمطية تربط الآخر بالشر والعداء. وكما قال كارل شميت Carl Schmitt أحد أهم المفكرين الألمان وأكثرهم إشكالية في القرن العشرين «إن الصديق والعدو هما دائما في كفاح مستمر ضد بعضهما البعض. إن الكفاح هنا استعارة مضرجة بالدم، ذلك أنها لا تعني شيئا آخر سوى القتل الفيزيقي للعدو. والسياسة نفسها دون كفاح ليست ممكنة». او كما كتب الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا في كتابه «مارقون»، لا يعترف بغير «منطق الشبيه الأحادي والبعد الإمبريالي المعنى». فالآخر المختلف يظل خطرا، خطرا يجب التخلص منه مهما كلف الثمن. وبالتالي مفاهيم «الصديق»، و «العدو» و «القتال» تكتسب معناها الحقيقي الدقيق لأنها تشير الى الامكانية الحقيقية لحدوث القتل المادي.
وأخيرا تظل فرضية لينديمان لها ما يبررها في تفسر السلوك الايراني. وقد تحدثت في مقال سابق «السعودية وقطع العلاقات مع إيران» عن بعد اخر للسلوك الايراني وهو سلوك النظم الثورية وحاولت استدل على ذلك بنصوص الدستور الايراني نفسه. الا انه بشكل عام ليس هناك بعد واحد لفهم تعقيدات السياسة الدولية وتفسير السلوك السياسي للدول.
د.ابراهيم العثيمين
المصدر : جريدة اليوم السعودية