#أحوازنا-حتى لا يصبح لبنان عراقا آخر
سيطرت إيران، عبر ذراعها حزب الله، على القرار السياسي في الحكومة اللبنانية، وأصبحت الغالبية في هذه الحكومة إيرانية أكثر من الإيرانيين أنفسهم.
كان موقف "وزير خارجية" حسن نصرالله، ولا أقول لبنان، فيما يتعلق باعتداء النظام الإيراني على السفارة السعودية في طهران بمثابة الشعرة التي قصمت ظهر البعير، ونقطة التحول في الموقف الخليجي من لبنان التي تم اختطافها من حزب ولاؤه لطهران وليس لبيروت، حتى وإن كان زعيمه يقطن في الضاحية الجنوبية.
كان الموقف الخليجي والسعودي هذه المرة أكثر حزما في مواجهة عربدة الميليشيا الإيرانية في لبنان، على أمل أن يستيقظ الشعب اللبناني الشقيق والصديق من غفلته، وينقذ ما يمكن إنقاذه بعد عملية الاختطاف التي عاشها لبنان خلال السنوات القليلة الماضية.
نقرأ ونسمع كثيرا من بعض الأشقاء اللبنانيين أن المتضرر من القرارات الخليجية هو الشعب اللبناني وليس حزب الله. الحقيقة التي ينبغي أن يدركها اللبنانيون هي أن الخليجيين متمسكون بلبنان إلى أبعد الحدود، ولكن لا يمكن لهذه الدول أن ترى حكومة في لبنان تطعن في خاصرتها ليل نهار وتتجاهل كل ذلك، وكل هذا من أجل الشعب اللبناني. في نهاية المطاف، دول الخليج علقت الجرس وعلى الشعب اللبناني المبادرة بحماية مصالحه والحفاظ على وطنه، لا أن يستمر في إلقاء اللوم على الدول الخليجية ويترك حزب الله يتحكم في مستقبل البلاد، ويبعدها عن انتمائها وعمقها العربي.
يحتاج الشعب اللبناني الذي يهتم بمصلحة بلاده ومجتمعه إلى أن يعيد النظر في كثير مما يدور حوله. لا حاجة بطبيعة الحال إلى ورقة وقلم لمعرفة ما قدمته الدول العربية والخليجية على وجه الخصوص للبنان كبلد، بغض النظر عن مكوناتها الدينية والسياسية، وما الدول التي استقبلت اللبنانيين دون أي تمييز، الأمر الذي انعكس إيجابا على الاقتصاد اللبناني والمستوى المعيشي للشعب اللبناني. أيضا، قارنوا ذلك كله بما قدمته إيران وحزب الله للبنان من إقحام هذه الدولة المسالمة في مغامرات غير محسوبة، وبدوافع مفروضة من خارج الحدود، الأمر الذي قاد إلى خراب البلاد وتدميرها، ورهن أمن البلاد بمشاريع ثورية ترفع شعارات كاذبة، بهدف تحقيق مشروع قومي تحلم إيران بتنفيذه، وبالتأكيد فإن لبنان جزء من هذا المشروع ولذلك خلقت حزب الله، ووظفته ذراعا رئيسيا في إنجاحه. علاوة على ذلك، استخدمت إيران بعض اللبنانيين المنتمين إلى حزب الله العاملين في دول الخليج العربي كعناصر للتجسس وجمع البيانات المختلفة، وتجنيد العناصر الاستخباراتية للعمل لمصلحة النظام الإيراني، وتهديد الأمن الوطني والقومي الخليجي والعربي، كما تم قدوم بعض المستثمرين اللبنانيين إلى تلك الدول بأموال تستخدم عوائدها لدعم الإرهاب وتمويله، وهذه الحقائق تجعل الحكومات تنظر بعين الريبة أيضا إلى بعض اللبنانيين، خشية أن يكونوا من المرتبطين بحزب الله أو العمل لمصلحته ولمصلحة النظام الإيراني.
لقد اتخذت المملكة وبعض شقيقاتها من دول الخليج العربي خطوات دبلوماسية واقتصادية، تحمل رسائل سياسية صارمة للبنان حكومة وشعبا، بأمل أن يدرك اللبنانيون مدى حجم الأخطاء التي ارتكبتها الحكومة خدمة لمصالح أطراف خارجية لا تكترث مطلقا بمصالح الشعب اللبناني بل تصب في مصلحة فئة تعترف صراحة بولائها المطلق لنظام ولي الفقيه، وأن يصبح لبنان جزءا من إيران، دون أن تأبه هذه الفئة باستقلال بلادها أو مصالح الشعب وتنوع مكوناته. هذه القرارات الخليجية حظيت بدعم شعبي وتأييد نخبوي كبيرين.
مع هذا كله نقول، ربما من الحنكة والحكمة السياسية عدم ترك لبنان لقمة سائغة لإيران، خشية أن يتكرر سيناريو الحالة العراقية، عندما تركت الساحة خالية والطريق ممهدا لإيران للسيطرة على العراق العربي، وزرع عناصرها والتابعين لها في كل أجهزة الدولة ومؤسساتها، والكل يدرك جيدا عواقب ذلك كله.
هذا لا يعني بأي حال من الأحوال اتباع سياسة براغماتية مع من يقود دفة السياسة في لبنان حاليا، بل تضييق الخناق سياسيا واقتصاديا على الحكومة، مع عدم الابتعاد تماما عن الساحة، أو التخلي عن دعم الشعب اللبناني بالطرق الممكنة.
إن اللوم يقع في المقام الأول على الشعب اللبناني ورموزه السياسة هناك، وبالتالي على القوى السياسية في لبنان أن تقول لحزب الله الإيراني، كفى عبثا بأمن البلاد واستقرارها، وكفى عبثا بعروبة لبنان، وكفى إساءة إلى الأشقاء المخلصين والمحبين للبنان. كفى محاولات لتحويل لبنان إلى معسكر للحرس الثوري وأجهزته الاستخباراتية وعناصره الإرهابية، ثم ألا يكفي فشلا للحكومة الحالية أنها وقفت عاجزة أمام رفع النفايات من شوارع بيروت، فكيف لمثلها أن تكون قادرة على إدارة البلاد وهندسة علاقاتها الخارجية، ورعاية المصالح العليا للبلاد؟!
محمد السلمي
المصدر: صحيفة الوطن