#أحوازنا – الأحواز.. في الذكرى 91 للاحتلال
يعتبر تاريخ الأحواز تاريخاً ضارباً بالقدم، وتشير أمهات الكتب التاريخية إلى أن الأحواز كانت الموطن الأصلي للآراميين القدامى الذين حكموا معظم الوطن العربي الحالي. وعليه، سكن الأراميون في بادئ الأمر على ضفاف نهر قارون (دجيل)، الذي يسمى حالياً بـ “نهر كارون”، وبنوا عاصمتهم التي سميت بـ “بيت باكين”، ومن ثم تلت الحضارة الآرامية، حضارات أخرى كالعيلامية والبابلية والآشورية والكلدانية، إلا أن الأخيرة والتي كانت السوس -أي الشوش الحالية- عاصمتها سقطت على يد الأخمينيين الفرس في عام 538 قبل الميلاد. لكنها ما لبثت وأن عادت ثانية للحضن العربي على إثر معركتي الفتح الإسلامي في القادسية والمدائن وذلك في عام 17 ه.
وفي أواخر زمن الدولة العباسية قامت عدة إمارات عربية في الأحواز ومنها إمارة بني أسد وبني عامر وآل كثير وغيرها من الإمارات العربية، إلا أنها -الأحواز العربية- بعد أن دانت لحكم المغول كغيرها من الأراضي العربية الأخرى، ظهر محمد بن فلاح المشعشعي الحويزي في عام 1436 ميلادي، ليحررها ثانية ويؤسس الدولة المشعشية العربية القوية وعاصمتها الحويزة والتي أحكمت سيطرتها فيما بعد على جنوب وشرق العراق وشمال الجزيرة العربية ولاسيما أجزاء واسعة من جنوب وغرب بلاد فارس حالياً.
وأما الدولة الكعبية التي تأسست في عام 1690 ميلادي على يد الشيخ علي بن ناصر بن محمد الكعبي والتي جاءت على أنقاض الدولة المشعشعية التي بدأت بالزوال بعد أن حكمت عدة قرون، سقطت الدولة الكعبية في عام 1925 ميلادي وذلك على إثر احتلال عسكري قام به رضا شاه مؤسس الدولة الإيرانية الحالية وبمساعدة بريطانية. وكان الأمير الشيخ خزعل الكعبي الذي تم أسره على إثر مؤامرة فارسية/بريطانية في شهر نيسان من عام 1925، آخر أمراء الأحواز.
لا يختلف إثنان إذ ذهبنا بالقول إن البريطانيين كان لهم اليد الطولى في رسم جغرافية الخليج العربي، وفي هذا الخصوص تشير كافة الأحداث وخاصة تلك التي حدثت في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين على أن هذه المنطقة رسمت بناءً على المصالح البريطانية في تلك المرحلة من تاريخ الخليج العربي، وذلك دون النظر إلى مصالح السكان الأصليين للخليج العربي. ومن أهم هذه الأحداث التي حدثت في الربع الأول والأخير من القرن المنصرم والتي كانت للحكومة البريطانية دوراً مباشراً في وقوعها فهي احتلال الأحواز والجزر العربية الإماراتية الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى من قبل الفرس لما للأحواز والجزر الإماراتية من أهمية استراتيجية (سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وأمنياً).
فالأحواز التي احتلت في 20 نيسان/إبريل من عام 1925 ميلادي (دقيقاً في مثل هذه الأيام)، كانت ضرورة بريطانية في تلك الحقبة التاريخية وذلك للسيطرة على مياه الخليج العربي التي تشكل شريان الملاحة لهذه الدولة العظمى. كما تزامن هذا الاحتلال أيضاً مع اكتشاف النفط المحرك الأساس للصناعة العالمية في شمال الأحواز في عام 1908، ولاسيما مسعى الروس للدخول إلى منطقة الخليج العربي، وكذلك التطلعات العروبية للشيخ الشهيد أمير الأحواز خزعل الكعبي، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: دعم أهلنا في فلسطين عندما استقبل وفداً من فلسطين بزعامة مفتي القدس أمين الحسيني في خريف عام 1924 ميلادي ودعمهم بالمال والسلاح لمواجهة غزو اليهود لفلسطين عقب إعلان وعد بلفور.
وكذلك الدور الرئيس للشيخ خزعل الكعبي في تشكل الحركة القومية العربية في منطقة الخليج العربي والمناوئة للوجود التركي، والتي تجلت في اجتماع مؤتمر قصر الفيلية المنعقد في المحمرة في آذار/مارس عام 1913، والذي حضره زعماء شمال الخليج العربي، وهم كل من: الأمير الشيخ خزعل الكعبي أمير المحمرة، وأمير الكويت الشيخ صباح المبارك، وسيد طالب النقيب كبير أعيان البصرة، وذلك للتخطيط والتنسيق لمستقبل السياسة العربية في منطقة الخليج العربي، لاسيما العلاقة الأخوية التي تربط أمير الأحواز بإخوته الأمراء في الجانب الثاني من الخليج العربي حيث الإمارات، والتي تربط أبناء الأحواز بعلاقات نسب كبيرة وطيبة مع أبناء الإمارات العربية المتحدة، إلا أن العلاقة بين الكبيرين الشيخ شخبوط بن سلطان آل نهيان حاكم إمارة أبوظبي والأمير الشيخ خزعل كانت علاقة مميزة جداً. وكذلك علاقة الشيخ خزعل الكعبي مع الملك عبد العزيز آل سعود مؤسس المملكة العربية السعودية وغيره من إخوته الأمراء.
وأما احتلال الجزر العربية الإماراتية من قبل إيران يعود في واقع الأمر، للصراع الذي كان دائراً في القرن الثامن عشر ميلادي بين العرب القواسم (إمارة لنجه القاسمية) الذين سيطروا على السواحل الجنوبية للخليج العربي بشطريها الشرقي والغربي في تلك الفترة، أسوة بإخوانهم بني كعب في إمارة المحمرة، وآل مذكور في إمارة النصور في أبوشهر وبني حماد وغيرهم من الأحوازيين الذين بنوا إمارات عربية على الضفة الشرقية للخليج العربي من جهة، والفرس الطامعين بمقدرات الشعب الخليجي من جهة. إلا أنه لولا القوات البريطانية القابعة آنذاك في مياه الخليج العربي لما تمكنت الدولة الفارسية من احتلال الجزر الإماراتية الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى) في 30 تشرين الثاني/نوفمبر من عام 1971 أصلاً.
وفي ظل هذه الاطماع الفارسية القديمة الجديدة للخليج العربي، لابد من تنشيط الذاكرة العربية بعروبة الخليج العربي بضفتيه، وذلك من خلال اعتماد برنامج توعوي تاريخي يسترجع للذاكرة العربية أمجاد العرب في هذه البقعة من وطننا العربي، حيث تُشكِّل الدول الخليجية العربية أهم ركائز الأمن القومي العربي.
وفي هذا السياق لابد أن نذكر واقعة تاريخية قديمة قد تبين لنا حقيقة الفرس وعلاقتهم بالخليج العربي ومياهه العربية، حيث تؤكد هذه الواقعة أن كسرى عندما أراد أن ينتقم لجنوده عندما هاج البحر وابتلع عدداً من جنوده المرتزقة الغرباء، أمر الحاكم الفارسي الدخيل على هذه الأرض بجلد البحر مئة جلدة!!
بقلم: جمال عبيدي
14 ابريل 2016
المصدر: مركز المزماة للبحوث والدراسات