مدخل إلى فحص الكلام الأحوازي بشأن مشكلة السياسة 8/20
(قراءة أسباب عدم التحول من المجتمع العشائري الديني التقليدي إلى المجتمع الوطني
الجديد)
ولا تزال كذلك ، تحتل مكانة الصدارة
في بحوث و دراسات مثقفي وسياسيي كل
المجتمعات ولا يزال الدرس وتناولها جاري عند ما يتعرض كل شعب لمحنة تظهر مقولة (( الوحدة الوطنية – الأمن الوطني –
القومي – السيادة الوطنية )) مقابل الفوضى و التفتت و حتى الحروب الداخلية أو الأهلية
و تظهر بمختلف المسميات و المعاني حتى عند
أكبر الدول اقتصاداً و ديمقراطية على لسان
قادتها و مفكريها بأسم الوطنية- الأمة الأمريكية مثلاً أو الوطنية – الأمة الفرنسية ،
فلا التقدم و الديمقراطية تجاوزت الوطنية كما
يخطأ البعض أو لنقول قد فشلت محاولة إضعاف سيادة الدولة الوطنية و الذي حصل هو تطور مفهومها و هذا شيء طبيعي يرافق المفهوم و إلا ماذا يعني قيام حرب بين بلدين أو حروب أليس بسبب تجاوز السيادة الوطنية لدولة ما أو دخول أراضيها من جانب طرف أخر . إذاً هذا يؤكد على أنها أي تعاليم الوطنية هي مكونات لشخصية بعينها تميز هذا الشعب عن ذاك أو إذا جاز التعبير كوسيلة
النقل في عصرنا لا غنى لكل الشعوب عنها تطلبها و ترغب فيها رغم اختلاف بيئة هذا الشعب عن ذاك ،
فهي رؤية جديدة و خطاباً للفكر، مهمتها و وظيفتها الفكرية نشوء هوية ورابطة
تفوق تلك الروابط وفق حقوق الأمة- الشعب وأخيراً و ليس أخراً ينشأ مفهوم
(( المواطنة )) مقابل مفهوم (( الرعية )) ،
لمنع الحروب الأهلية و تمزق الشعب الواحد كما
نرى اليوم مثلاً إعادة المطالبة
بطرح معنى المواطنة و بإلحاح في معظم البلاد العربية وهو الذي لا تستقيم الديمقراطية
ولا تصبح ذو معنى دونه .
بعد تسجيل هذه الملاحظات نقول إن
المجتمع الوطني الجديد، نضعه مقابل المجتمع التقليدي ذو الاتجاه العشائري الديني على مستوى الشعور و الطموح أساسه مسلمات، وأن المجتمع
الوطني يختلف على صعيد الشعور والثقافة الوطنية و الطموح نحو مستقبل أفضل مما هو عليه ،فيدين الحاضر بالتجديد و يحاصره بمفهوم الوطنية، و هو تصنيف إجرائي لنقول ،حتى نسيطر
على موضوعنا ،و المجتمع الوطني لا ينشأ إلا
وفق رابطة و فكرة مدعومة بالتعليم و المال يتميز في
النشاط بهوية جديدة مولودة تسلب سلاح مسلمات
العشيرة و الفكر الديني وهذا في مرحلة الدعوة و أساسها في عاملين الفكرة و الجماهير . إذا لنبحث عن الفكرة الوطنية فإن كانت غائبة هذا يعني
أن الجماهير موجوده وأعني الشعب و لكن ليست جماهير وطنية لها مقاصد ، فهي جماهير مجتمع
تقليدي شعورها الغالب قلنا يمثله العشائري و الديني و اخترقات الوافد الإيراني. إن
هذا التحديد الأولي المختصر يفتح أمامنا الباب
لنرى واقعنا الأحوازي كما هو نرصد منه
ما يتعلق بموضوعنا وهو التدقيق في فهم تعاليم
الوطنية أصلها و فصلها أو وظيفتها في ثقافتنا
الأحوازية و هذا يطلب جملة نقاط محددة و واضحة .
النقطة الأولى: إذا أردنا بدقة تحديد وظيفة لها
لخدمة مشكلتنا الأحوازية وأليس كل مفهوم له وظيفة ودور ؟ نقول إن الوطنية
تعتبر دون منازع بمثابة السلاح الذي
نحمله في أيدنا نواجه به طعون الخصوم والأعداء ، وهذا في الجانب الأول و إما الجانب
الثاني هي وحدها تخرج من داخلها إضفاء الشرعية على منظومتنا السياسية إجمالاً، فتقدم
بدورها فائض من الشواهد على إبطال دعوة الأخرالإيراني ان كان يمثل (خطاب الإنكارالسياسي
أو الثقافي التاريخي ضدنا ) لتحقيق مقصد فصلنا
عن الماضي أو تجاهل الحاضر و منعنا عن طموحنا
في النظر إلى مستقبل أفضل من الحاضر والماضي ، وهو خطاب إيراني
أصله و فصله يصيب في مشروع إضعاف هويتنا العربية ومحاربة ومناهضة كل ما له علاقة بوجودنا
الوطني حتى وإن جئنا من داخل نفس الخطاب الإيرني الذي يدعو للتجديد و المواطنة و الديمقراطية يبقى مكبوت داخله
بالشوفنية ،وهنا نسجل ملاحظة ذات دلالة تؤكد ما نقوله، هي ملاحظة صغيرة لكن ذات معنى
كبير لنا من الأحوازيين عن علاقة المواطنة
بالديمقراطية ربما لم يتوقف عندها البعض وهي (تخوف التيار الإصلاحي الإيراني بعد فوز مجموعة من الأحوازيين
بمقاعد مجلس بلدية شورى مدينة الأحوازعام 2003؟ بالرغم من أنه شعار
الديمقراطية والمواطنة كانا في مقدمة شعارات
التيار الإصلاحي حتى قال مندوبهم في البرلمان
عن مدينة الأحواز في حينه حميد كهرام نحس بخطر من فوز العرب) غني عن البيان القول إن الديمقراطية
ثقافة و ليست شعاراً ولا مجرد صندوق انتخابات .
النقطة الثانية : بأمكاننا الإشارة بسرعة هنا أن
المفهوم للتعامل معه لابد من خطوتين-
الأولى – فهمه حسب مرجعيته التي نشأ داخلها، والثانية- توظيفه ليناسب
الثقافة التي يدخل إليها و أنه مفهوم
الوطنية تم التعامل معه في الثقافة
و كلام السياسة عند المجتمعات التي طلبت الاستقلال و توحيد هويتها لنقول الشعوب
العربية و الإسلامية في أقل تقدير وفق ذلك (أي فهم و توظيف)، وأن تجاربها عند النظر لها
تاريخياً و فكرياً تفيض بالشواهد لا مجال الخوض
فيها مرة ثانية بعد دراسة التمهيد . إن هذا
التحديد يسهل أمامنا طرح كلامنا بأن درسها و فهمها أعني الوطنية نصيبه من
بذل الجهد الفكري من جانبنا هو الجهل و الأهمال ،وبدل أن يكون منطقها يرسم لنا خطواتنا كلاماً و تنظيماً رسمت لنا العفوية و العامّية طريقنا،
فأدى ذلك بنا إلى فشل
دائم و مستمر يلازم كل عمل يسعى ليكون
ذو تأثير نريد القيام فيه ،حتى إنه عندما يبدأ كمحاولة يفشل . إن هذا يصدق على عقود من السنين
و على غالبية الممارسات ان كانت في داخل الوطن و خارجه ،و عندما
نطرح سؤال لماذا لم نستطع أن ننشئ رسالة واحدة في معنى و مفهوم الوطنية و لماذا لم
ينشأ عندنا تنظيم واحد أحوازي ؟ تتدفق علينا كثير من الأجوبة الشفوية بالنهاية أي منها لا يقدم لنا سبب يقبله الفكر وهي
ترضية للعاطفة ليس أكثر ولكن تلك الأجوبة ما رفعت عنا
التشويش و زالت الشك و لا خففت الفراغ
الفكري والتشرذم .ومن منا لا يعاني هذا التشرذم
فيلمسه و يعيشه بكل تفاصليه لدرجة الألم حتى إنه أصبح ظاهرة أو مانعاً رئيسياً أمام من يرغبوا
العمل الجماعي وهذا أسوأ عيوب السياسة ، لنسجل قولاً في هذا الأمر بسرعة وهو إن فشل العمل الجماعي بين الأحوازيين لا يمكن تعميمه
،إنما نحصره ، نعم إننا حصرنا أو لاحظنا ورصدناه
أكثر عمقاً في العمل السياسي فقط، وأن الشاهد على ما نقول ماثل أمامنا، فنرى هنالك
نجاح على صعيد العمل الجماعي الأحوازي في مجالين
الأول في القبيلة العشيرة في التكاتف، والأخر
في المجال الديني الشيعي ما هو سبب نجاح العمل الجماعي إذاً ؟
نختصر الجواب بأن النجاح يعود إلى وجود فهم و وعي خاص يربط البعض بالبعض (فالرابطة
و التعاليم عند القبيلة واضحة ومعروفة لا تحتاج
مشقة الإتيان بتعريف لها كمؤسسة تعالج نواقصها، والفكر الديني كمؤسسة كذلك
ولمن يرغب التعرف عليهما يعود لدراستنا التمهيد
إما في العمل السياسي صحيح أن العاطفة
تمارس دورها في البداية في التحشيد و لكن في
الممارسة تبرز الهشاشة والضعف مع المنافع التي
تقتل و تحبط ذلك التحشيد فتودي تلك العيوب
و النواقص التي ليست لها ما يخفف من وقعها
من تعاليم و رابطة ونظم ولغة وهي عناصر المؤسسة
تنتهي إلى نتيجة واحدة التشرذم و التفتت
والصراع والعدوات وهو مصير لا يمكن تجنبه،
وهل نحتاج أن نثبت مصير عملنا السياسي الأحوازي في الأمس و اليوم. ماذا يعني قولنا
هذا ؟ أجيب بأن الوطنية ليست مجرد لفظ شكلاني
نخطه عند الكتابة أواسماً نلقي فيه أثناء الكلام
كما هو عندنا شائع كلا، إن هذا التعامل لا
يستقيم لا مع تعريفها و لا مع وظيفتها كمفهوم أو عقيدة
.
النقطة الثالثة : نؤكد على أن التعريف بالفكرة الوطنية و الدعوة لها أسميناها
(عقيدة، بحسب قول القدامى أو الإيديولوجيا بقولنا المعاصر)، أن كان خطاباً أتخذها أهل السياسة أو تثقيفا ًو نشراً لها بين الجماهير، فإن هذا التلازم يُعد بمثابة مقدمة
أولى على طريق تأسيس الوعي الوطني ؛ إن كان من أجل مناهضة الاستعمار والسير على طريق الاستقلال السياسي
وعودة السيادة أو ان كان في سبيل المطالبة بالحقوق الوطنية و المجتمعية بطرق سلمية،
و حسب رأينا دون تلك المقدمة الأولى لا يستقيم
الفكر السياسي ولا تنشأ هوية خاصة له، فهذا الاتجاه يمثل تاريخها و مسارها أو تجربتها
عند كل الشعوب في تاريخها الحديث و المعاصر وهي تناضل في سبيل بناء مجتمعاتها أو لنقول
هي وعاء ومنطق السياسة.إن هذا الكلام يعني بأن تعاليم الوطنية شيء والعصبية القبلية
والدعوة الدينية شيء أخر من ناحية الوظيفة والمهمة السياسية خصوصاً بالنسبة لنا كمجتمع أحوازي يعاني من مشاكل عديدة و مختلفة أصبح التفكير في حل لمشكلة واحد
يطلب حلول لمشاكل أخرى بجنبها لا تقل صعوبة عنها وهي (( الإشكالية )) كما توضع مقابل
هذا الأمر للتعريف والتحديد وبالتالي علينا التمييز بين معاني المفاهيم التي لها وظيفة
و تخدم حاجاتنا أو تلك التي لها وظيفة في تكريس التخلف وصنع الموانع والعراقيل
.
إن كلامنا الأخير يحمل دلالة و الإشارة في نفس الوقت على أن المعاني الوطنية
هي التي يجب أن تحتل الأولوية في سلّم وعينا
الجماعي،فهي الأرضية المناسبة كخطاب لفهم
مشكلتنا السياسية إما دونها أو
ما يلقى من كلام هنا و هناك حول القبيلة أو حول التمذهب في ثقافتنا،هو كلام
غير مسؤول بواعثه عدم الفهم بوظيفة كل مفهوم ان كان يعني القبيلة أو المذهب الديني،وهو يبقى
كلاماً يصب في خدمة (منظومة التخلف المتمثلة
في الثلاثية القبيلة، الفكر القومي الإيراني، الفكر الديني) و التي كان من المفترض
أن تكون هذه الأخيرة باعثا إلى ظهور سياسة
أحوازية لا نقول إن تملك مفتاح حل المشاكل بقدرما تقدم قراءات و تعاريف بوحي من فكرة
الوطنية لأسباب المشاكل ومنها ما تنتجه تلك
المنظومة، وتقوم بعملية تعبئة الجماهير لتدافع
بنفسها عن وجودها و تساهم في حل المشاكل بالممكن الوطني والمجتمعي، و أن هذا لا يكون
إلا في حالة طرح علاقة و رابطة بديلة و نرى أن العلاقات الوطنية
يمكن أن تمثل علاقة عصرية مقابل (منظومة التخلف). وهل هنالك حاجة للقول مرة ثانية
: إننا لم ننجز بعد كمجتمع قبلي تعريفاً واحداً بشأنها يؤسس العلاقة و الرابطة الوطنية
لتكون هي المصلحة العليا و ما دونها أي علاقة
و رابطة كانت قبلية أو دينية أو فئوية يجب أن تخدم وتصب في ما يقوى العلاقة الوطنية ولا أقول يقوى نفوذ أطراف أو أفراد بعينها ،وأن
تشييد و بناء الرابطة الوطنية في الوعي الجماعي الأحوازي لا بديل لنا عنه ، فهذه المنظومة
الوطنية نحتاج لها أكثر من غيرنا . إن الدافع وراء صياغة قولنا أسبابه يزكيها و يشهد لها واقعنا.