معضلة الميليشيات الطائفية العراقية
لعل أهم تحد حقيقي يواجه عملية إعادة بناء العراق المخرب ورئيس الحكومة حيدر العبادي هوإغلاق ثقوب ومسارب مراكز القوى الطائفية التي زرعها الاحتلال الأميركي ثم ترسخت مع البناء الطائفي للدولة العراقية والذي أكد وعمل عليه نوري المالكي في عمق الدولة العميقة في العراق وليس سرا القول إن الأعداد الهائلة من الميليشيات الطائفية المسلحة والمجهزة والمدربة إيرانيا والتي تسللت للمؤسسة العسكرية العراقية وسببت لها حالة فظيعة من التكسيح تمثل أكبر تحد ميداني لأي سلطة في العراق, وللأسف فقد تحولت تلك الميليشيات لعيدان ثقاب متفجرة في وجه المجتمع العراقي وباتت تمارس الإرهاب البشع والطائفي ووفق دلالات منهجية مرسومة ضد مخالفيها, وعمقت من حالة الشد والجذب للسلم الأهلي في العراق, ووجود تلكم الميليشيات مع كمها التسليحي الهائل لم يستطع أبدا أن يوفر حماية للمكونات العراقية بل كانت من أهم أسباب ومسببات العنف الطائفي المتزايد, لقد حدثت مجزرة سبايكر البشعة وفقدان آلاف الجنود العراقيين, ثم حدثت بعدها مأساة الصقلاوية وفقدان مئات اخرى من الجنود, ولم تستطع تلكم الميليشيات حماية أحد أوإحداث أي اختراق في جبهة القوى المسلحة ما يعني عدم فاعليتها العسكرية إلا في مجال الحرب الأهلية لا سمح الله ولعل رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي وهويحاول تصحيح الأوضاع العراقية المضطربة والمتشابكة يعيش في دوامة حقيقية من سرعة توالي الأحداث والتطورات وحجم التحديات الأمنية الهائلة والمشكلات الهائلة التي ورثها من سلفه المالكي وهي مصائب (ما تشيلها البعارين), فليس سرا إن العبادي يتعرض لحرب سرية شرسة من نفس عناصر تحالفه الطائفي, هدفها إفشاله بالجملة والمطلق, لأن نجاح مشروعه الإصلاحي يعني كارثة حقيقية للقيادات الفاشلة التي ستكون محطتها المقبلة في ساحات المحاكم, وهوما يخشاه المالكي وطاقمه الأمني والعسكري والاستشاري, كما أن تفكيك الميليشيات الطائفية وبعضها تشكل بجهود وإمكانيات الحكومة السابقة, أمر ليس باليسير في وضع بات للنظام الإيراني فيه وجود وحضور وتأثير طاغ بالكامل, فالحرس الثوري الإيراني يتباهى قادته من أنهم قد تمكنوا من إيقاف داعش ومنعها عن اجتياح أربيل في الصيف الماضي كما أن الحرس الثوري مسؤول بالكامل عن إعداد وتدريب أهم ميليشيات القتل الطائفي كالعصائب وكتائب “حزب الله” وجيش المختار ولواء أبوالفضل وغيرها العشرات من الفيالق الطائفية, دون تجاهل درة تاج المصالح الإيرانية في العراق وهوتنظيم جماعة (بدر) الذي يقوده هادي العامري وميزانيته ممولة بالكامل من ميزانية الحرس الثوري الإيراني!
هذه القوى إضافة لعناصر وشبكات سرية أخرى غير ظاهرة للإعلام مثل جماعة (أبومهدي المهندس) هي المتحدي والعائق الأكبر لكل جهود ومحاولات حيدر العبادي الذي يبدو أن الإدارة الأميركية الحالية قد فضلت التعامل معه ميدانيا بشكل وثيق لأسباب عدة, أهمها واقعيته وثقافته الإنكليزية وعقليته المختلفة بالكامل عن العقليات المتحجرة الأخرى لقيادات الدعوة من الذين كانوا يعيشون في جحور دمشق وأوكار طهران! والمرتبطين معها بزواج كاثوليكي كما قال وعبر هادي العامري نفسه قبل شهور قليلة!,في العراق تدور اليوم معركة كبرى للسيطرة على شكل وطبيعة المستقبل السياسي, فالنظام الإيراني يراقب ويتحين الفرص وخطوطه في الداخل مزروعة بألف عين وعين وهويتحين الفرص للانقضاض وقلب الطاولة على رؤوس اللاعبين إن لم ترق اللعبة له ولمصالحه, ومن دون إحداث أي تغيير في النظام السوري, وبما يؤدي للإطاحة به فإن الإيرانيين سيمارسون مختلف الضغوط والضرب تحت الحزام, ثمة عقبات وألغام خطيرة تواجه العبادي بعد أن ازدادت قائمة أعدائه وجلهم من بين صفوف جماعته, وسيدخل التاريخ فعلا إن تمكن من اجتياز تلك الموانع القاتلة وتصفية الميليشيات الطائفية التي تظل هي الخطر الأكبر على وحدة العراق وسلامة أمنه الداخلي.. كل الاحتمالات ممكنة إن توفرت الإرادة والدعم الدولي والإقليمي.
داوود البصري
المصدر جريدة السياسة الكويتية