النظام الإيراني وحماية عتبات العراق المقدسة
في تصريح مثير للتأمل والغثيان بآن, صرح نائب وزير دفاع ملالي إيران رضا طلايي بأن هنالك تنسيقا بين نظامه وحكومة العراق, يتيح لقوات الملالي التدخل العسكري لحماية العتبات المقدسة إن تعرضت لخطر! وهذا التصريح الغريب يحمل إرهاصات ومؤشرات وسيناريوهات تغلغل وتوسع إيراني واسع النطاق عبر توفير الظروف المساعدة والمهيئة لأسباب وعوامل ذلك التدخل “الغزو” عبر تبريرات حماية أماكن عبادة هي أصلا خاضعة للسيادة العراقية المحضة, ولا سلطة لإيران من أي نوع عليها. بل أنها تذكرنا وبشكل فج بممارسات شاهات وملوك بلاد فارس خلال حقبة الصراع العثماني- الفارسي على العراق المحتل عثمانيا وقتذاك. متناسين أن زمن طمهاسب ونادر شاه وكريم خان زند ورضا بهلوي قد ذهب لغير رجعة, وإن عتبات العراق المقدسة ولمختلف الملل والطوائف والنحل هي مسؤولية وطنية عراقية لاتحتمل أي تدخل من أي نوع من أي طرف, وشعب العراق أقدر على احتضان وحماية الأماكن العبادية المقدسة لجمهور المؤمنين, فعتبات مدينة سامراء المقدسة مثل أضرحة الإمامين العسكريين كانت ولآلاف السنين تحت رعاية سنة العراق دون أن يطرأ ما يعكر صفوتلك العلاقة, كما أن العلاقات الوثيقة والمتداخلة بين الطوائف العراقية قبل توافد أحزاب وعصابات الفتنة الطائفية هي المثال الأنصع لحالة التوافق والانسجام الوطني العراقي الخالي من العقد المريضة, والحساسيات الطائفية المشبوهة التي غذاها الاحتلال الأجنبي, ولعبت ماكينة الحشد والدعاية والتبشير والحقد الإيراني دورا مركزيا في تغذيتها بأساليب عداوات جاهلية متخلفة, ليس لها وجود في الضمير الجمعي للعراقيين الوطنيين الحقيقيين المتعالين والمتسامين على الطائفية السقيمة وأمراضها المستشرية المدمرة للنسيج الاجتماعي الحي للمجتمعات المبتلية بها, ولا يخامرنا أدنى شك بأن نظام الملالي حينما يعلن بتغطرس وصلف وعنجهية عن وجود ذلك التنسيق المزعوم مع عصاباته وعملائه ورجاله ومنظماته الإرهابية في العراق, فهو إنما يهدف لإطلاق بالون اختبار وجس نبض الرأي العام المحلي خصوصا في العراق للتغطية على التدخلات التوسعية الإيرانية في العراق وهي تدخلات تهدد بنسف العراق من الداخل وتفعيل حالة الشقاق الداخلي وتدمير السلم الأهلي والاتكاء على المنظومات الإرهابية العاملة في العراق لاسيما وإن وجود ونشاط مقاتلي الحرس الثوري في ميادين القتال العراقية باتت مسألة أكثر من معروفة بل تحولت لفضيحة مجلجلة وبأجراس بعد تبخر جيش السلطة المليوني وتحوله لفلول من الهاربين, وتسليم أسلحته البالغة قيمتها بمليارات لعصابات بائسة, وتوكيل أمر الدفاع عن العراق وسيادته لمجاميع ميليشاوية طائفية ليس همها الدفاع عن الإطار الوطني, بل تكريس مناهج تقسيم طائفي ومناطقي يصب في خدمة المشروع الإيراني في العراق.
الإيرانيون حينما يتحدثون عن نواياهم المعلنة لحماية العتبات المقدسة في العراق, فهم إنما يرسمون ويمنهجون نهجا عدوانيا مستقبليا فظا لمصادرة السيادة العراقية, وتوسيع المجال الحيوي الإيراني, واستغلال العصابات والميليشيات القائمة ميدانيا للهيمنة المطلقة على العراق من خلال البوابة الطائفية الرثة التي يريدون استغلالها لمحاولة مايقولون إنه مليء للفراغ القيادي والعسكري الرهيب في العراق, الذي تحتشد به الجيوش والفيالق لجميع الملل والعصائب والنحل, الإيرانيون ينهجون منهجا عدوانيا وقحا وفجا لن يوفر لهم الأمن ولنظامهم التوسع, بل سينقلب السحر على الساحر وسيتم استنزاف كل مصادر القوة والغطرسة الإيرانية في العراق, وحيث يتصرف الإيرانيون بمنطق وأسلوب الدولة العظمى, وهو أول مراحل الغرور المؤدي للدمار والتلاشي, أحلام إيرانية سوداء ستتحول لكوابيس حقيقية إن هم فكروا بقلب المعادلات وتجاوز الحدود. المشكلة في النظام الإيراني غطرسته التي تجعله يغفل عن قراءة التاريخ والاتعاظ من دروسه المرة.سيتجرع المتغطرسون من جديد كؤوس سموم الهزيمة.
داوود البصري
dawoodalbasri@hotmail.com