حينما تخرس الألسن في حضرتكم
مقال يعاد نشره
بمناسبة ذكرى استشهاد قادتنا
قد يجد الإنسان من الصعوبة بمكان حين ما يريد أن يتحدث
أو يكتب عن أناس قدموا أغلى ما يملكون في سبيل الوطن والشرف والكرامة الإنسانية
والحرية وأصبحوا بهذا العطاء السخي في قمة التضحية والإيثار. حيث تخرس الألسن في
حضرتهم وتشل الحركة لعظيم هيبتهم وتزول الأوهام لجلي حقيقتهم وتثبت الفضائل لعلو أخلاقهم
ويصبح لكل مفهوم معنى في قاموسهم. كيف أستطيع أن أصفهم وهم من أعطى للكلمات معنى
وكيف أستطيع أن أمتدحهم وهم فاقوا المدح مدحا، كيف أقول أبتعدوا عنا وهم الأقرب إلينا.
قيل بحق الشهداء….كما لا يروي إلا الماء في البيداء بعد
ضمأ، لا يروي قلوب الرفاق سوي ذكر الرفاق، ولأنهم خرقوا القلوب حبا، فالقلوب والهة
إليهم سئمت طول الفراق، ولا تلام إذا ما التاعت على الأحبة الراحلين وأحترقت
شوقا… وإي إحتراق؟ على من عبدّوا الدرب بالأرواح، هدية قدموها بأطباق لوطن
الأمجاد لهاميم الرجال هم الذين كان بينهم ذاك السباق.
عزائي هو أنني مازلت تلميذا في مدرستهم، أخذ من طيب
مناهجهم وطالبا أستلهم من نور أفكارهم، وجنديا أمشي على دربهم وخطاهم، منفذا
لأوامرهم وساعيا لتحقيق أهدافهم، متمسكا بمبادئهم الإنسانية والقومية التي
أستلهموها من ينابيع العروبة والإسلام والتي ترفض الذل والمسكنة والهوان، وتتحدى
كل من يريد لنا الذل والعبودية والإضطهاد.
أصبحتم أيها الأكرم منا جميعا مدرسة تخرّج الأحرار
والمناضلين الشرفاء الذين يناضلون من أجل تحرير الإنسان قبل الأرض، وستكون هذه
المدرسة علماً من أعلام الإنسانية والحرية والتضحية كما أردتم لها ذلك، وكما بذلتم
كل ما بوسعكم لإنشاءها وغرستم شجرتها ورويتموها من زلال دمائكم الزكية الطاهرة.
أولستم من كان يزلزل أركان الإحتلال بعملياتكم البطولية في الأحواز الحبيبة حينما تذهبون
للمواجهة وتنشدون نشيدكم المحبب إلى قلوبكم:
” نقسم قسماً بإسم الدين نحن كتائب محيي الدين…
للموت وما اضحي بكاعي والفرس يعرفون اطباعي…
نمشي للموت أمعيدين”
فقد أثبتم ذلك حينما أقسمتم أنكم تضحون من أجل تحرير
الأرض والوطن وأثبتم أنكم تذهبون بنفوس راضية مرضية متحدية للعدو إلى مقصلة الشرف،
منصة الإعدام، تتسابقون مع بعضكم للموت… تهتفون بحياتكم للوطن ومن أجل الوطن. وأعدتم
كتابة التاريخ مرة ثانية، تاريخ رموزنا الأبطال محيي الدين وعيسي ودهراب، كأن الله
أراد ذلك، حيث كانوا ثلاثة وكنتم ثلاثة أيضا، فهذه ليس محض مصادفة بل إرادة الله
التي تجلت كي تثبت للعدو المحتل أحقية قضيتنا العادلة. هتفتم كما هتف قادتكم
وتحديتم، كما تحدوا وأعدتم ملاحم البطولة التي سجلها السلف الأول من قادتنا،
فهنيئا لكم ولنا هذه المواقف البطولية.
” ساروا علي الدرب صاروا درة الوطن وهاجرت في سبيل
الله طائفة “
أولست ايها البطل الضرغام يا أبا سلمى(سلسبيل) من تحدى
العدو وأنتم علي منصة الشرف منصة الإعدام قمت خاطبا إياهم وقلت أسمعوني…
لست نادما علي
ما فعلت، والله لو أطلقتموني ساعة واحدة سوف أعود إلى ما فعلت وبأكثر قوة… لا تتوهموا
أنكم تقتلوننا.. إن كتائب محي الدين مستمرة وسوف تقتلع جذوركم وسوف تتحرر الأحواز
عاجلا ام أجلا..
أخرست حينها السن أعدائك وأصفرت وجوههم كأنما طائر الموت
يحوم فوق رؤوسهم، وها نحن اليوم نقولها للعدو الفارسي المحتل كما قلتها وأنك كنت
تعني ما تقول لأنك تركت خلفك ليست مجرد “حركة” بل مدرسة تخرّج المناضلين
والأحرار. نقولها أنك واهم أيها العدو المحتل إن تصورت بأنك قد قتلت علي وعبدالله
ومالك.. كلا، بل أصبحوا أعلاما ومشاعل تنير الدرب لنا ولطريقنا، وأن كتائب محي
الدين وكل الفصائل الوطنية الشريفة سوف تقتلع جذورك عاجلا أم اجلا.
يا من أعدتم كتابة تاريخنا بأحرف من نور، فكنتم كما
عهدناكم أباة… نتذكركم ونتذكر الملاحم البطولية التي سطرتموها وأنتم تقارعون
الظلم والإحتلال، عهد لكم أيها الشهداء الأبطال، عهد الرجال الأوفياء، بأننا على
خطاكم سائرون…رجال تقاتل…وأمهات تخرج من بين أحضانها أبطالا.. سوف نقاتل
بالسلاح.. وبالقلم.. وبالفكر وبكل ما أتينا من قوة، أن معركة الشرف ستقترب وسيعلم
الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.