الثورة الإيرانية تتجدد بعدائها للعرب
بعد خمسة وثلاثين عاماً من عمر الثورة الإيرانية لا تزال شعاراتها
وذكرياتها وتوجهاتها نفس تلك الشعارات التي أطلقها خميني ومن معه آنذاك من طلبة
الحوزة الدينية حين كانوا ولا يزالون يعتقدون أنهم جاؤوا لتطهير دين الاسلام مما
طرأ عليه من تغيير نتيجة تحالف البعض من المسلمين مع أمريكا والغرب. ما أسماه
خميني بالإسلام الأمريكيووضع من أجله خطته الخمسينية الخطيرة الخبيثة، التي يعمل
على تنفيذها فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني اليوم! منطقياً لا تبقى
الثورة ثورة ولا الثوار ثواراً عندما يستقر الحكم الجديد ويستلم الثوار إدارة
البلد. وتسقط الشعارات الواحد تلو الآخر نتيجة عدم تطبيقها على أرض الواقع بسبب
زيفها أو بسبب صعوبة تحقيقها. لكن ما الذي جعل من الثورة الإيرانية تتجدد عند فئة
ليست محدودة من الشعب الإيراني؟
الإيرانيون يعلمون جيداً أن وعود خميني في تقسيم ثروة النفط على
كافة الشعب تبخرت بسرعة. والحرية التي طالب بها الشعب الإيراني لم ير منها إلا
اسمها. شعارات الرخاء الاقتصادي والاكتفاء الذاتي وعدم التبعية للغرب كلها اختفت
حتى قبل الشروع في تطبيقها. وها هي اليوم إيران تستحوذ على ثروات نفطية هائلة
لكنها تستورد أكثر من خمسين بالمئة من وقود سياراتها من الدول الأخرى.
الأعداد الكبيرة التي تحتفل سنوياً بذكرى الثورة رغم صغر حجمها
مقارنة بالأعداد التي كانت تحتفل بالثورة في أعوامها الأولى لا تزال تلفت الأنظار،
وينبهر بها البعض. منطقياً لا يوجد سبب معين يجمع كل هؤلاء الناس في ذكرى ثورة
كانوا يأملون منها الكثير لكنها خذلتهم. إذ إيران وبعد ثورتها إلى الآن ليس فقط لم
تستطع النهوض، بل تقهقرت على كافة الأصعدة. نسب البطالة والفقر والجريمة والإدمان
على المخدرات وتهريبها وباعتراف مسؤولي النظام ازدادت أضعاف مضاعفة على ما كانت
عليه إبان فترة حكم النظام الملكي الذي أطاحت به الثورةعام 1979. ليس فقط لم تستطع
هذه الثورة تصحيح الأوضاع التي ثار ضدها الشعب بل تسببت في إهدار الكثير من
الموارد الاقتصادية الإيرانية، وتسببت في هجرة الكثير من الطاقات العلمية الإيرانية
إلى الغرب، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية المفتون بها الشعب الإيراني إلى درجة
الهوس. إذن ما الذي يجمع هؤلاء الناس ليخرجوا في مسيرات تجوب شوارع وميادين المدن
الكبيرة والصغيرة؟
يصرف النظام الإيراني الكثير من الأموال على الدعاية وشراء
الموالين داخلياً وخارجياً. وليس غريباً ولا صعبا ًعلى نظام يجوع عامة شعبه
ويصرف دون حساب على الموالين والتابعين أن يجمع أضعاف ما جمعه في الآونة الأخيرة
سواء في الداخل أو حتى في الخارج مثل الجنوب اللبناني. وسلة المعونات التي يقدمها
حالياً النظامالإيراني على الفئات التي تعيش تحت خط الفقر، التي شملت حتى القطاعات
العاملة مثل المعلمين والعمال في المصانع والشركات وتخطت الفئات العاطلة عن العمل
أو التي تعمل في الزراعة وغيرها التي بدرها تعيش في حالة أسوأ بكثير ولا يكفيها
سلة معونات ولا حتى العشرات منها، تثبت بشكل قاطع أن النظام الإيراني ينفق على
الثورة وأهدافها الخارجية أكثر بعشرات المرات مما ينفق على بناء الدولة ومؤسساتها
وأكثر بكثير مما ينفق على شعبه.
لكن السؤال المطروح اليوم وبعد كل هذا العبث الإيراني في المنطقة،
ماذا لو صرفت الحكومة الإيرانية كل تلك الأموال الطائلة على شعبها في الداخل، هل
ستبقى جذوة الثورة مشتعلة كما هي اليوم؟ هل سيبقى البعض على نفس الحماسة في تأييده
لحكومته ويطيعها طاعة عمياء كما يفعل موالوها اليوم؟ أم ستصبح إيران دولة عادية
كباقي الدول الأخرى ربما متطورة قليلاً أو ربما متأخرة كما هي اليوم؟
وبالنظر الى التجارب العالمية والثورات المتعددة التي حصلت في هذا
البلد أو ذاك، لن يبقى من الثورة الإيرانية إلا اسمها لو اتخذت نفس الأسلوب
التقليدي واهتمت بحياة مواطنيها ومعيشتهم، وتغيرت من نظام ثورة إلى نظام حكومة.
لكن يبدو أن رجال الدين في إيران الذين استلموا إدارة البلد بكل تفاصيلها بعد فترة
وجيزة من سقوط رضا بهلوي ملك إيران قبل الثورة، قرؤوا أحداث التاريخ جيداً وعرفوا
كيف يمارسون الحكم وكما يشاؤون، ولكن دون أن يخلعوا عن أنفسهم ثوب الثورة ودون أن
تنطفئ جذوتها لديهم. وكلما أوشكت أن تنطفئ أشعلوها بالمال والفتن الطائفية
واستهداف الآخرين والتدخل في شؤونهم.
ببساطة عرف ملالي طهران أن يبقوا على مواليهم في الداخل والخارج
عبر الأموال الطائلة التي يدفعونها، وعبر الشعارات الطائفية والعنصرية التي تتناسب
مع عقلية الكثير من الإيرانيين. بالذات الشعارات المعادية للعرب التي أخذت الحيز
الأكبر في الأدبيات السياسية وفي المنتوج الثقافي الإيراني ومنذ عصور طويلة.
واليوم ليس غريباً إذا وجدت الكثير من الإيرانيين يعتقدون أن نظامهم الحالي هو
الأجدر بالانتقام من العرب خاصة بعد أن أثبت هذا النظام ومنذ عام 1979إلى
يومنا هذا أنه لا يتوانى عن ضرب العرب وبالأخص دول الجوار. وثبّت نفسه كحارس أمين
على تطلعات المحبين والمفتونين بالانتقام -أولئك الإيرانيون الذين يعتقدون أن عليهم
الأخذ بالثأر لهزيمة إمبراطورية فارس على يد الفاتحين العرب المسلمين قبل 1400 سنة
-.
إذن هكذا بقيت الثورة في إيران متجددة، ليس بإنجازاتها ولا
بتحقيقها لأهدافها المرسومة ولا بإنسانيتها، بل بشعاراتها المعادية للعرب التي
وجدت آذاناً صاغية عند شرائح مجتمعية متعصبة في إيران. كما بقت هذه الثورة متجددة
عند الطائفيين المأزومين المحسوبين علينا نحن العرب لأنهم يعيشون بيننا وعقولهم في
قم وطهران، الذين وقعوا في مصيدة الحقد البغيض ما أعماهم عن رؤية حقيقة واحدة وهي
إن الله سبحانه وتعالى خص هذه الأمة بحمل الرسالة السماوية وهي لم تخيب الظن
إطلاقاً وناصرت نبيها، نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام وقدمت الكثير من أجل رفع
راية الإسلام. ولن تستطيع لا إيران ولا غيرها إخفاء هذه الحقيقة
الدامغة.
مركز المزماة للدراسات والبحوث