قراءة في حيثيات الاتفاق النووي ورغبات الحرس الثوري
بدأ الخلاف يظهر يوماً بعد يوم في أروقة النظام في طهران حول حيثيات الاتفاق النووي، وطبيعة المفاوضات الجارية،وأهدافها بين إيران من جهة والغرب من جهة ثانية، وكما هو معلوم أن صناع القرار في إيران يتوزعون بين عدة أطراف، اقتصادية دينية سياسية عسكرية مشربها واحد، وعلى رأس هذه الأطراف الولي الفقيه مدعوماً من الحرس الثوري أقوى المؤسسات في الجمهورية الإسلامية، والحارس الوحيد للنظام ومؤسساته، والمنظم للإيقاع في نفس الوقت. فالمتابع للشأن السياسي الإيراني قد يتصور أن الحياة السياسية في هذا البلد، كالبلدان المتقدمة في العمل السياسي، في حال أنّ الحالة الإيرانية على العكس تماماً، بحيث أن القاعدة الجماهيرية في البلدان المتقدمة هي التي تتحكم بالسياسات العامة للبلاد، وذلك عندما يتم الأخذ برغباتها من قبل صناع القرار والمؤسسات المختصة ذات الشأن التي تدرس حالات المواطنين وتوجهاتهم، بينما في الجمهورية الإسلامية يتحكم الولي الفقيه والمؤسسة الدينية أي هرم السلطة برغبات الجماهير، وهذا ما يمكّن النظام الإيراني من الاستمرارية في الحكم لسنوات غير معلومة، لأنه لا يأخذ بعين الاعتبار رأي القاعدة الجماهيرية التي تختلف مع النظام، وتوجهاته السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
فإذا أخذنا بعين الاعتبار جدلاً رغبات المواطنين الإيرانيين، ودورهم في صناعة القرار، فمن الممكن توزيعهم على مجموعتين، الأولى: المجموعة التي ارتبطت مصالحها بالنظام وترى وجوب الحفاظ عليه، والتي تندرج في هذه المجموعة كافة المؤسسات الدينية والعسكرية والأمنية، وقد تصل إلى 25% من مجموع المواطنين الإيرانيين. ثانياً: المجموعة التي تشكل السواد الأعظم من المواطنين، والتي تندرج فيها الفئات المختلفة من الشعوب في إيران، ومنها العامل والتاجر والموظف والجامعي والفقير والغني وغيرهم من الفئات الأخرى، وخاصة المغلوب على أمرهم الذين لا حول لهم ولا قوة، يتحكم النظام بأمرهم باسم الدين والشريعة، والتفويض الإلهي الذي مَنَّ الله على الجمهورية الإسلامية دون سواها من الأمم، والبلدان في المعمورة.
ظهرت في الأيام الماضية القليلة حقيقة الخلاف حول الاتفاق النووي بين جناحي النظام وهما الأقوى حالياً، أولاً: الولي الفقيه والحرس الثوري الذين يتحكمون ببرنامج إيران النووي العسكري، والسياسة الخارجية للنظام الذي يستمد قوته التفاوضية من حلفائه الشيعة العرب المطيعين (كالمطية) لأوامر إيران على حساب بلدانهم.
ثانياً: الجناح الذي بدأ يتشكل رويداً رويداً وأهم أقطاب هذا الجناح هم رئيس الجمهورية حسن روحاني، ورئيس تشخيص مصلحة النظام علي أكبر هاشمي رفسنجاني، وعدد من الساسة الذين يرون أن ساسيات الجناح الأول قد تذهب بالنظام والدولة الإيرانية إلى حافة الهاوية والانهيار، مما فرضت عليهم الضرورة أن ينحنوا أمام الغرب كي يتمكنوا من العبور بالنظام والدولة الإيراني، في هذه المرحلة العصيبة التي تواجه نظامهم، إلى بر الآمان.
فالجناح الأول، يتحدث عن الخطوط الحمراء وسمعة النظام ومسايرة الظروف الحالية، تاركاً المجال للرئيس روحاني أن يستمر في المفاوضات الجارية لعل وعسى يتمكن من فك الحصار الذي أنهك كاهل النظام، وأوصل سمعة "النظام الإسلامي" داخلياً وخارجياً إلى درجة لا تحتمل، وفي المقابل، يسعى الجناح الثاني إلى مواصلة المفاوضات بسرية تامة لعل وعسى أن لا ينكشف أمره، بحيث تشير التسريبات من الدوائر الضيقة للنظام أن المفاوضات تتم على عدة محاور تشمل حلفاء النظام العرب، والقدرة العسكرية الإيرانية، وخاصة الصواريخ البالستية التي يعتبرها الحرس الثوري من الخطوط الحمراء التي يجب مراعاتها في المفاوضات النووية، لذلك صرح قائد الحرس الثوري يوم الأربعاء الماضي المصادف 19/02/2014 قوله، "يجب علينا السكوت في هذا الوقت على الرغم من الكراهية التي تنتابنا من الاتفاق مع الغرب".
واللافت في الأمر، أن طرفي النظام اتفقا على توزيع السلة الغذائية للفقراء والجياع في إيران الذين وصل عددهم أكثر من نصف المواطنين في الجمهورية الإسلامية، منفذين بذلك أمر المرشد لاعتماد النظام "الاقتصاد المقاوم" كما سماه، وكما يبدو البحث جاري عن الفقراء الذين لم يتم بعد معرفتهم، وخاصة الذين يسكنون في حاشية المدن الكبيرة والأرياف والقرى!!، وذلك حسب ما صرح، أبو الحسن فيروزآبادي نائب وزير التعاون والعمل والرعاية الاجتماعية، عندما قال يوم الخميس الماضي المصادف 20/02/2014، "إن البحث جاري عن الفقراء والمحتاجين في حاشية المدن والقرى الذين لم تشملهم القوائم التي قدمت من "كمية أمداد" و"تأمين اجتماعي" ليتمكنوا من الحصول على هذه السلة الغذائية"، مما يعني هذا أن العدد الإجمالي للمحتاجين والفقراء والجياع في الجمهورية الإسلامية ارتفع إلى ما فوق الـ 50% من المواطنين الإيرانيين.
هذا الخلاف تجلى أكثر عندما طالب الرئيس روحاني أساتذة الجامعة أن يتدخلوا في نقد ودراسة سير المفاوضات مع الغرب ساحبين بذلك البساط من تحت أقدام المعارضين للاتفاق وهم من المتشددين، والذي نعتهم روحاني بالجهلة "بى سواد"، والذي تعني هذه المفردة باللغة العربية بـ "غير المتعلمين، مما أثارت ردود أفعال قوية، على الرغم من صدق المعنى فيهم.
وعلى ما يبدو أن روحاني استطاع لهذه اللحظة أن يكسب كافة الأطراف المتخاصمة في طهران، وذلك لإدراك الجميع حساسية المرحلة الصعبة، والتحديات التي يمر بها النظام داخلياً وخارجياً، فالمشاكل السياسية والاقتصادية كثيرة وكبيرة قد تفوق إمكانيات دول مجتمعة، إنما ما يميّز روحاني أنّه لم يخرج عن عباءة المرشد لهذه اللحظة، ولم يصطدم مع مافيا النظام (الحرس الثوري)، لكن من الممكن قراءة المشهد الإيراني، ومستقبل المفاوضات، ونتيجة الاتفاق مع الغرب من خلال حديث المرشد، وقادة الحرس الثوري المشككين بنوايا الغرب، مما عبر الولي الفقيه علي خامنئي، قوله: "إنني غير متفائل بالمفاوضات الخاصة بالملف النووي، ولا أرى أية نتيجة لها، لكنني لست مخالفاً لطريقة المفاوضات الجارية"، وهذا إن دلّ على شيء فهو يدل على أنّ الجولات المقبلة من المفاوضات حبلى بالأحداث، وذلك عندما يتم مناقشة القدرات العسكرية للنظام، وخاصة المنظومة الصاروخية للحرس الثوري (الصواريخ البالستية)، وكذلك تحييد دور إيران في المنطقة، والكف عن التدخل في شؤون دول الجوار العربي.
مركز المزماة للدراسات والبحوث