البوليس السري وممارسة العنف في ايران
” لم
تستطع حكومة في السابق السيطرة على مواطنيها بشكل ثابت ووضعهم تحت مراقبة دائمة .
الآن ، تراقب شرطة الفكر العالم كله باستمرار” .جورج
أُورويل ،
رواية1984
تمخضت
عن قيام نظام الجمهورية الاسلامية في ايران الى السلطة عام 1979، احصائيات
ومستويات متعددة من انتهاكات ضد البشرية مثل السجن والاعدام على يد “البوليس
السري” في ايران وأضطهدت اثر ذلك ثمة هويات وشعوب (العرب والكرد والترك
والبلوش والتركمن ) قسراً كانت أساساً بسطت وجودها وسيادتها في جغرافيتها منذ
القديم، ويأتي هذا الاضطهاد للشعوب غير الفارسية، نتيجة لممارسة جميع اشكال العنف
من قبل النظام الحاكم الايراني لرسم مجتمع خال من التنوع وفارغ من كثرة الهويات
لصناعة المجتمع المدجن عن طريق ممارسة التقليم السياسي والإجتماعي والثقافي
والأثني رغم الضغوط الدولية حيث أخضعت ايران، الشعوب تحت سلطة العنف للسيطرة على
الافراد ومراقبة الافكار.أسس النظام الايراني، البوليس الأمني في ايران تحت مسمى
“اطلاعات جمهوري اسلامي” لحماية السلطة والجمهورية وقامت هذه الانظمة
بإختيار الرجال من عامة الشعب بشكل سري بعد حيازة النظام على زمام الأمور. يتمحور
دور البوليس الأمني فى حماية السلطة وتشكيل قوة ضاربة وحديدية تتربص للأعمال
المخالفة للنظام ومن أهم أدورها، يتمثل في اعتقال وتعذيب واحتجاز السياسيين من
الشعوب الاخري الغير الفارسية بدون دعوى قضائية حيث أعطت هذه القوات اختيارات
تجعلها تتحرك بصورة حرة وبعيداً عن المساءلة القانونية يتعرض المحجوز للتعذيب
النفسي والجسدي لاخذ الاعترافات بالجرائم أو بالاحرى التهم الفضيعة التي لم
يرتكبها.جردت السلطة والبوليس السري في ايران، الانسان من انسانيته وسلخته من
وجوده البشري وحرمته من حقوقه المدنية ويعتبر هذا الحرمان التي جاء نتيجة التركيز
على العنف من قبل السلطة، من أجل الدخول الى المفاصل المجتمعية بغتة ووضع الانسان
تحت السيطرة والمراقبة من قبل مؤسسة البوليس السري (اطلاعات – مركز قرارات
التصفية) وتسعى هذه الموسسة بالتالي لانتاج مجتمعا أو مشروعاً يمثل صبغة التراث
العنصري القومي الفارسي الشيعي ودفن التراث للشعوب الاخرى القاطنة في جغرافية
ايران وأخذت مستويات العنف في حالة من التصاعد، ذلك استخدمت السلطة المنهجية في
القتل والمباغتة في السلخ وإعتبار السجن الانفرادي ألة للاعتراف أمراً تقنياً
تستدعيه شروط السلطة، وتعتبره المحاكم دليل لادانة المعتقل يحاكم به ويعدم من اجل
عمل لم يرتكبه أو ذنب لم تمسه يداه. جاءت السلطة التقليدية في نظام الجمهورية
الاسلامية، باساليب عنف مدموجة بثقافة الفقر والتخلف خلافا لصور المجتمع المدني
واستلهمت من فكرة “السلطان ظل لله” و “الخليفة علي الأرض”
واستبدلت المحاكم الشرعية بالشريعة الطائفية. أصبحت تمارس السلطة نوعاً من العنف
يسمى “الزنزانة الانفرادية” حيث یخالف صور المجتمعات الاخرى ويعد بمثابة
“الدفن الوجود” أو “إلغاء مفهومي الزمان والمكان” أو صناعة
“اللامكان واللازمان” للمعتقل لاجل التحويل القسري أو المسخ الانساني في
وجوده ومخيلته. اسلوب تمت المراهنة عليه و نجحت به السلطة لتطويع المعتقل بقبول
التهم. يقطع من المعتقل في هذا النوع من العنف، الحواس الخمس البصر، السمْع، الشم،
الذّوق واللمس عن طريق عزله عن العالم تماما ثم يوجهوا تهما كبيرة تكاد ان تقضي
على المحتجز لشدّتها حيث تتوتر الاعصاب وتقضي على الحاسه السادسه وهى التنبئ بما
سيحدث والحاسه السابعه هى قراءه افكار الاخرين وتجعل المعتقل أسيراً تماما جسديا
وفكرياً. هذه المنهجية مورست على جميع النشطاء السياسيين والحقوقيين في جغرافية
ايران وسيما على ذوي الافكار المخالفة للسلطة الحاكمة من العرب والكورد والترك
والبلوش. تنحت هذه المنهجية أو “العنف الخفي” أبرز متطلبات السلطة
بتطويع المعتقل وإجباره على التخلي عن حقوقه ونشر التخويف في نفوس الجميع لذبح
مراكز التنوير البشرية وترك الساحات السياسية وعدم المس بسيادة السلطة. تتخذ
السلطة هذا “العنف الخفي” أو “السجن الخفي” لاتخاذ منهجاً
سرياً وتعمل على ان لايذكر أو يكتب بيان أو تقرير واحد عن ظروف الاعتقال، تختفي
الناس ببساطة، ويتبدد فيها المعتقل تدريجياً ويحاول البوليس السري من خلال هذا
النوع من العنف، ان يبسط سيطرته على المحتجز ليسلب منه الزمان والارادة ويسلط عليه
“شرطة الفكر” باعطاه اختيارت محددة ومناهج لممارسة العنف ضده على سبيل
المثال حكم بالاعدام أو السجن ليختار من بينها دون ذلك وتأتي هذه الاجرام من أجل
حماية مصالح السلطة وتعزيز أيديولوجياتها وبث الخوف والرعب بين الناس.بسطت السلطة
في ايران “العنف والرعب القياسي” لمبتغاها وأرتسمت على هيكلة السلطة
خارطة العنف المباغت اليومي لاجل إحتلال الشعوب ثم المجتمعات ثم الافراد ثم مواقع
الإنسان الذاتية التي كانت في طور تكوينها بعد ثورة 1979 ، حيث ما كانت تمتلك
السلطة، قاعدة جماهيرية يمكن الإستناد عليها واخيرا خلّفت السلطة في ايران مجازرا
وحدثت مسالخ كثيرة في البلاد. اشنقت ما لايقل عن 150 الف سياسيا أو معارضا أو
مخالفا للسلطة الحاكمة لإستئصال “الانسان المعارض” بتهم جل ما كانت
“محاربة الله ورسوله” أو من أجل تقليم أفكار هولاء التنويريين بالسجن
المؤبد أو السجن طويل المدي وقد صار العنف الممنهج وضعاً إبداعياً للقضاء على اي
صوت يعلى على النظام معتبراً لا صوت يعلو فوق صوته وأعتمدت السلطة في ايران على
فكرة إلغاء تنوع الهويات والشعوب ووضعتها في دائرة التشابه والتكرار لخلق صورة
واحدة وهو الشعب الايراني المتمثل بالهوية الفارسية ذات ثقافة واحدة ، صوت واحد
وكل واحد . تاثرت المجتمعات والشعوب في جغرافية ايران حيث وصف هاشم شعباني احد
الشعراء الكبار في الاحواز نفسه “بالافقي ” في ديوانه الشهير
“الاعتراف بالافقية” وكانت هذه التسمية ابداع وتحفة فنية تعني
“الاوطان الافقية” ويعني من ليس له وطن يعبر عن هويته واحساسه وثقافته
وغير ذلك. ووصف في هذا المجال احد السياسيين الكبار ايضا في الاحواز “هادي
راشدي”، في عدة مقالات في “جريدة صوت الشعب” والتي تم توقيفها
آنذاك، هذه الاوطان ب”المجتمعات الأُفقية” حيث اعتبر ان المجتمعات في
جغرافية ايران فقدت هويتها أثر ظاهرة “التفريس” أو احداث مجتمعات متمثلة
“بالمجتمع المركز” في ظل الشبكة الامنية العنيفة التي أنتجتها السلطة
للمراقبة والسيطرة على المجتمعات من خلال ممارسة العنف. واخيرا أعدمت السلطات
الايرانية هذه الاصوات الناشطة والفعالة، الاستاذ هادي راشدي و الشاعر هاشم شعباني
شنقا بتهمة “محاربة الله ونشر الفساد في الأرض”، وهم اثنين من بين
مئات من المثقفين والسياسيين البارزين، أعدمتهم الثورة الإسلامية بعد أخذ الاعتراف
منهم قسراً في “السجون الانفرادية التابعة للبوليس السري الايراني” بسبب
نشاطهم السياسي، وأتهمت هولاء بالسعى وراء إحداث تحرك الشارع من أجل تفكيك البلاد
وإحلال سلطة أخرى مكان هذه السلطة. حيث قال روبرت
فيسك احد ابرز الاعلاميين في العالم لابد أن تكون في إيران جمعية
للشعراء (المثقفين) القتلى، معتبراً ان القلم في إيران أصبح أقوى من السيف أمام
تزايد جنون أجهزة الأمن. في الواقع يعتبر هذا الجنون للسلطة في ايران ونوعية
ممارسة العنف، بمثابة “شرطة الفكر”حسب ما قال أُورويل في كتاب 1984 من
اجل السيطرة على الشعوب والمجتمعات والانسان.
المصدر: موقع عربية