#أحوازنا -عندما تدور الدوائر على إيران
قرابة 38 سنة ونظام الملالي في طهران يصرخ بأعلى صوته، ويهاجم الكثيرين، بدءًا من الشيطان الأكبر (الولايات المتحدة الأمريكية) والشيطان الأصغر (إسرائيل).
ولكن صراخه مجرد جعجعة أو زوبعة في فنجان ضدهما. بل على العكس تمامًا فالعلاقات التي تحت الطاولة بينهم على خير ما يرام، والعمل المشترك في قمته لاسيما بعد أن قامت أمريكا بضرب أهم خصمين لدودين للملالي؛ وهما نظام صدام حسين في العراق، ونظام طالبان في أفغانستان. في حين قام الموساد بالتعاون مع نظام الملالي بتصفية العلماء العراقيين، وضباط الجيش الوطني، والطيارين العراقيين.
بالمقابل زعم الملالي أن طريق تحرير القدس يبدأ من كربلاء فهاجم الحدود العراقية، وتحرش بالعراق لدرجة إصابة السيد/ طارق عزيز في تفجير جامعة المستنصرية في إبريل 1980 على يد عضو في حزب الدعوة المحظور حينها.
وهو ذاته الحزب الذي يحكم العراق حاليًا. أما التحرش بالدول العربية الأخرى والتدخل في شؤونها الداخلية وصل ذروته آخر عامين، ولا يزال مستمرًا بعد أن أعلنت أبواق نظام الملالي أن أربع عواصم عربية سقطت بيد طهران وهي بغداد، ودمشق، وبيروت، وصنعاء، وأن إيران أصبحت إمبراطورية عاصمتها بغداد!
ومن هنا يظن البعض أن نظام الملالي أصبح قوة إقليمية إن لم يكن قوة عالمية ضاربة، خصوصًا بعد تحكمه في قرارات بلدين عربيين كبيريين هما العراق وسوريا، واللذان أصبحا حديقتين خلفيتين لإيران قلبًا وقالبًا. ولكن دائمًا الله بالمرصاد ضد الشر مهما تمادى الشر ومهما عظمت قوته.
فبنظرة سريعة على إيران من الداخل نجد أن الوضع الداخلي يغلي كمرجل يكاد ينفجر بأي لحظة. وسأكتفي بإلقاء الضوء على الوضع الاقتصادي والاجتماعي.
اقتصاديًا فترة الرئيس نجاد كانت الأسوأ لحينها من وجهة نظر الاقتصاديين الإيرانيين أنفسهم. وما شابها من شوائب وسرقات مليارية ظهرت لأول مرة للعلن بحجم هائل. بدءًا من إلغاء الدعم عن المحروقات وغيرها من مواد أسياسية أدت لانهيار التومان الإيراني لثلث قيمته منذ سنة 2012.
وزاد التضخم فاضطرات البنوك لاتباع سياسات تقشف للحد من التضخم فانخفضت أرباح البنوك على الودائع والتي كانت تتجاوز 30% في بعض المؤسسات المالية إلى 15% فقط، وأصبحت الفوائد محصورة في البنوك لإجبار السكان على استثمار أموالهم وتنشيط الاقتصاد. وظهرت السرقات المليارية على مستوى البنوك أيضًا.
ففي سنة 2011 تمت سرقة أموال والحصول على قروض بما يعادل 2.6 مليار دولار، وهرب كبير مصرفيي بنك ملي الإيراني لكندا ليهرب من العقوبة.
ثم تلتها فضيحة وزير الصناعة الإيراني في عهد الرئيس خاتمي والذي اكتشفوا أنه سرق بطريقة مباشرة وغير مباشرة ما يعادل 100 مليار دولار. ولكن هذا الاكتشاف الخطير جاء بعد سنوات من تركه لمنصبه أثناء فترة الرئيس نجاد!
أما رفع الدعم عن المحروقات فأدت إلى تبني الحكومة توزيع أموال نقدية بما يعادل الـ 40 دولارًا لكل فرد من العائلة، فشارك الشعب بأغلبيته في هذه الموجة غير المنظمة لكنها كانت وبالًا على الشعوب.
فلقد ارتفعت الأسعار بشكل جنوني، فخلال أقل من خمس سنوات ارتفعت أسعار المحروقات لأكثر من 1000%، ومبلغ الدعم أصبح بعد شهور من صدوره لا يتجاوز الـ 13 دولارًا أمريكيًا فقط!
ثم جاء عهد الرئيس روحاني ليجعل الناس تترحم على عهد سلفه نجاد، فهذا الرئيس القادم من المؤسسات والمناصب الأمنية جاءت مسيرته لتكون الأسوأ لاسيما على صعيد السياسات الاقتصادية والتجارية.
فلقد تم تكبيل التجارة وتعجيزها بشروط وقوانين جديدة لتغلق أبواب الرزق على الكثير من التجار. فأصبح الاستيراد معقدًا ولابد من دعم المنتج المحلي الرديء نسبيًا لاسيما المنتج الصناعي. ففي صناعة السيارات التي تتفاخر بها إيران منذ عشرات السنين رغم كونها صناعة تجميعية متواضعة، كان انقطاع قطع الغيار الأصلية وبالاً على السيارات التي تحولت إلى قنابل موقوتة تسير على الشوارع الرديئة أصلاً بفعل سياسات التقشف الطويلة الأمد، والتي بدأت مع بداية مسيرة الملالي! فانتشرت قطع الغيار البديلة والرديئة المصنعة في الهند وباكستان بدلاً من الاصلية من فرنسا على سبيل المثال لا الحصر.
وما يدل على هذه النظرة السلبية أنه رغم مرور أكثر من عام على توقيع الاتفاق النووي لنظام الملالي مع الدول 5+1 لا تزال إيران تعاني من تبعات الحصار الاقتصادي الطويل والتصاعدي عليها والذي لم تزل كل عقباته للآن.
ورغم الرحلات المكوكية الكثيرة لطهران من الوفود الغربية لاسيما الأوروبية إلا أن كل هؤلاء لم يجدوا إلا خزائن فارغة وبيئة لا تشجع على الاستثمار فلم تستقطب إيران أي استثمار يذكر سوى المشاريع مع روسيا والصين والتي غالبًا ما تكون ثمنًا لشراء ولاء هذه الدول ودعمها لإيران وأمدادها بالسلاح.
اجتماعيًا لا تزال الدولة تعاني من تبعات انتشار المخدرات بشكل واسع بين جميع فئات الشعوب بدعم من نظام الملالي نفسه الذي أراد أن يجعل الشعب طيعًا له فأصبح الكثير منه غائبًا عن الوعي، وبعيدًا عن الإنتاج والنجاح، مما دمر الكثير من الأسر.
وأجبر الكثيرين على الفرار من عوائلهم سواء من الريف إلى المدن أو من المدن إلى مدن أخرى أو خارج جغرافية إيران. لاسيما أصحاب العقول والشهادات العليا والتي اعترفت إيران بأن 130 ألف خريج يهرب سنويًا منها.
أما العاملان الآخران اللذان أثرا على إيران اقتصاديًا فهما الحروب بالوكالة والمباشرة في المنطقة سواء في سوريا أو العراق. حيث اضطرت إيران إلى جباية مليوني ريال من رواتب الحرس الثوري وقطعان البسيج؛ لدعم الحرب في سوريا. وهذا مؤشر خطير لأن هذه الفئة هي المدللة لدى نظام الملالي لأنهم العسكر الذي يحميهم ولكن أن تمتد يد الحكومة لرواتب هؤلاء يبين بشكل لا يدع مجالًا للشك مدى الانهيار الاقتصادي والمالي في جغرافية إيران.
فهذه الحروب في سوريا، والعراق، واليمن، تكلف المليارات سنويًا، وحتى دعم المليشيات التابعة لنظام الملالي، والذين يكلفون خزانة الدولة المليارات من الدولارات سنويًا.
أما العامل الثاني فهو قطع المملكة العربية السعودية لعلاقاتها السياسية والتجارية مع إيران، واتباع بعض الدول العربية الأخرى لذات السياسة، مما أوقف الدعم المالي الضخم الذي كانت تتلقاه إيران من الشيعة في السعودية والبحرين من جراء السياحة الدينية والتبرعات مثل الخُمس والتي كانت تدر أموالًا طائلة على خزينة نظام الملالي.
إضافة لوقف الاستيراد للمنتجات الإيرانية مما أدى لزيادة تعقيد الوضع الداخلي في جغرافية إيران، فضلاً عن الحروب النفسية والارتجالية الفردية وشبه الفردية مع القوميات الناقمة على نظام الملالي في الأحواز، وبلوشستان، وكردستان وحتى القومية الأذرية داخل تلك الجغرافية المتنافرة.
كل ذلك يدل على ما آلت إليه الحالة الاقتصادية لدى نظام الملالي الذي بات يعاني الأمرين سواء من الداخل أو من الخارج؛ بسبب عدوانية النظام الفاشي الحاكم في طهران، وسياساته الهوجاء، وأحلام الخيال في تكوين إمبراطورية هي بالأساس لن تكون أكثر من قصر من الرمال على شاطئ متلاطم الأمواج سيحطمها آجلاً أم عاجلاً.
د.شذى جريسات
المصدر: صحيفة الوئام الالكترونية