إيران وفيلقها الجديد ضد دول الخليج العربي
بحسب بعض التسريبات الإعلامية عن مصادر موثوقة ذات صلة بدائرة صنع القرار داخل المخابرات الإيرانية، إنه تم تشكيل فيلق مسلح جديد على نمط “فيلق بدر” و “فيلق القدس”. وإن عدد هذا الفيلق الجديد يتراوح ما بين 200-250 ألف مقاتل، وسيكون متخصصاً بالتدخل في دول الخليج العربي، وفي مقدمتها السعودية والبحرين. ومن بين أهداف هذا الفيلق تحقيق ما يلي:
أولاً: العمل على إرباك الوضع الأمني في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية، وكذلك بالنسبة إلى مملكة البحرين، لكي يصبح الوضع فيهما مشابهاً للنموذج الحاصل في العراق وسوريا من حيث عدم الإستقرار وإنتشار الفوضى والعنف.
ثانياً: الإنتقال العملي في تطبيق خطة “الطريق إلى مكة” وذلك بشن سلسلة عمليات إرهابية في مناطق مكة المكرمة والمدينة المنورة.
هذا وإن قيادة الفيلق الجديد تحت إشراف العميد في الحرس الثوري الإيراني علي بور مهتديان، الذي يدير نشاطه من جزيرة صلبوخ “مينو” الواقعة في شط العرب، ويتوزع مقاتليه على المعسكرات التالية:
أ- معسكر التوحيد: ويقع في جزيرة صلبوخ “مينو” تحت إشراف العميد حرس أبو باقر الإحسائي، وإن عدد العناصر التي أنهت مراحل تدريباتها بلغت 3000 عنصر، وهؤلاء سيدخلون على شكل مجاميع متفرقة عن طريق جنوب العراق الصحراوي إلى داخل الأراضي السعودية.
ب- معسكر إمام خميني: ويقع داخل مطار بندر عباس، ويتدرب فيه نحو 5000 عنصر تحت إشراف عميد الحرس الثوري زياد فتح الله، وهو من قيادات “حزب الله” اللبناني “قسم عمليات الخارج”. وهؤلاء المتدربين فور إكمال دورتهم سيتم نقلهم مباشرة من مطار بندر عباس إلى مطار النجف وفق دفعات جماعية، ثم يدخلون إلى الأراضي السعودية تدريجياً من صحراء النجف بمساعدة مهربين سعوديين.
ج- معسكر الإمام الحكيم: ويقع في مدينة بوشهر، وهو معسكر قديم كان تابعاً إلى قوات التعبئة الشعبية “الباسيج”، تم تأهيله ليكون معسكراً لتدريب العناصر الميليشية التي تعمل لصالح إيران. ويشرف على هذا المعسكر عميل الحرس الثوري فريد الحصونة المكنى: “أبو فاطمة الحصونة”، وهو عراقي من إعضاء “منظمة بدر”. وداخل هذا المعسكر يتلقى التدريب 7500 عنصراً أغلبهم من منطقة الإحساء، ومن العراقيين (ذوي الأصول الفارسية) المسفرين في عهد النظام الوطني السابق. وهؤلاء مخصصون للذهاب إلى البحرين كمجموعات صغيرة تلتحق بالمجاميع الأخرى التي سبقتها.
إن تسريب هكذا معلومات بالقدر الذي تكشف فيه عن خطط المشروع الصفوي الإيراني داخل البلدان العربية، والذي يتوافق في تطبيقاته مع المخططات الصهيونية، فإنه تسريب مقصود ومدروس لتهيأة الأجواء الأولية عن قدرات إيران بفرض سيطرتها على المنطقة حتى وإن كانت دول الخليج العربي على قدر عالي من الحيطة والحذر تجاه خفايا المخططات السرية لطغمة الملالي الحاكمة في طهران. إن بث هكذا معلومات توحي على التصعيد الإيراني المرتقب ضد المنظومة الخليجية، وبذا يتوجب على دول المجلس أن تكون أكثر حزماً وتصميماً في مجابهة المخطط الإيراني المرسوم ضدها.
عندما بدأ النظام الإيراني في إعداد “حزب الله” في لبنان عام 1982، كان الهدف المُعلن هو المقاومة الإسلامية في الجنوب لمواجهة إسرائيل. وبعد الدعم المالي والتسليحي والإعلامي تمكن الحزب من ترسيخ أوضاعه المناطقية، فكشف عن أول أوراقه المتوارية بإنه مجرد ذراع مسلح تابع إلى الولي الفقيه الخميني (1902-1989)، حيث أصدر الحزب بياناً في 16-2-1986 يعلن فيه إلتزامه التام “في ولاية الفقيه” المتجسدة بالخميني. ومنذ أن أصبح حسن نصر الله أميناً عاماً في 1992 حتى تجلت أكثر فأكثر الصلة الطائفية المرتبطة بالمشروع الصفوي الإيراني على حساب الهوية الوطنية والقومية. ولقد وصلت قوة وسطوة الحزب في لبنان أن تحول إلى دولة داخل دولة، وبمجرد تفاقم خلاف سياسي مع الأغلبية، سارعت قوات الحزب إلى إحتلال العاصمة بيروت يوم الأربعاء الموافق في 7-5-2008. ورغم أن تلك الساعات الإحتلالية لبيروت قد أثبتت للقاصي والداني حقيقة الدور الذي يؤديه”حزب الله”، لكن مشاركة الآلآف من عناصره بالقتال ضد ثورة الشعب السوري، ومساندة نظام بشار الأسد منذ ربيع 2013، قد فضحت طائفيته الصفوية وإلى الأبد.
وكذلك عندما بدأت إيران بتجنيد وإعداد “منظمة بدر” من العراقيين المسفرين (من أصول فارسية)، ومن التابعين للتشيع الصفوي، وشكلت منهم قوة مسلحة أستخدمتهم بالحرب العراقية الإيرانية 1980-1988، ثم زجت بهم بعد الإحتلال الأمريكي للعراق في 2003 بالعملية السياسية بذريعة تحولهم من تنظيم مسلح إلى حزب سياسي. ولقد قام هذا التنظيم بإرتكاب أبشع الجرائم الطائفية خصوصاً ما بين 2005-2006 سواء عبر “فِرق الموت” أو “الجهاز المركزي” في وزارة الداخلية الذي أسسه رئيس المنظمة هادي العامري؛ مما دفع بالحاكم الأمريكي للعراق بول بريمر أن يذكر في كتابه: “عام قضيته في العراق” إن:على إيران أن تصنع تمثالاً لهادي العامري وتضعه في طهران، نظير خدماته الإجرامية.
إن طرح النموذجين السالفين وما يقدماه من ترسيخ متواصل للمشروع الصفوي الإيراني في البلدان العربية، يعني أن إقدام النظام الإيراني على إنشاء فيلق مسلح جديد متخصص بالتدخل في دول الخليج العربي، يثبت مدى إستفحال وتقدم هذا المشروع الطائفي والعنصري الذي يقوده ملالي إيران. لا سيما وإن الدعم الإيراني المستمر للحوثيين في اليمن، وإلى الإنقلابيين في البحرين سوف تتوسع قاعدته أكثر مع إزدياد تخرج أعداد المتدربين في الفيلق المراد تكوينه في الفترة الزمنية القصيرة القادمة.
التمهيد المسبق
في تقرير نشرته “منظمة الرصد والمعلومات الوطنية” بتاريخ 1 شباط/فبراير 2014 موسوماً: “قيادة الحرس الثوري تطلب من المالكي تنفيذ بناء المعسكرات الخاصة بالحرس الثوري في الصحراء المحاذية للحدود السعودية قاطع محافظة المثنى”، جاء فيه ما يلي:
“وردتنا معلومات من مصادرنا من داخل إيران إن قيادة الحرس الثوري وإستخباراته طلبوا من المالكي مباشرة الشركات التابعة للحرس الثوري ببناء المعسكرات التي تم الإتفاق عليها قرب الحدود السعودية عام 2011″. ويضيف التقرير: لذلك سارع المالكي هذا اليوم (السبت الموافق) 1-2-2014 وأدلى بتصريح مفاده: “سنباشر بالقضاء على التصحر في العراق”.
ولقد كشفت المنظمة في تقرير سابق لها بتاريخ 3 حزيران/يونيو 2011 عن: مخطط أعده الحرس الثوري لإستهداف السعودية بالتعاون مع رئيس حكومة الإحتلال نوري المالكي، ووزير النقل هادي العامري. ويرتكز هذا التعاون على إنجاز المحوريين التاليين:
الأول: إبرام عقود مع الشركات الإيرانية تحت ذريعة معالجة “التصحر” في العراق. ولقد حصلوا من خلال المالكي على عقد إستثمار مدته ثلاث سنوات، وتحت هذا الغطاء ستقوم هذه الشركات التابعة للحرس الثوري بإنشاء معسكر متكامل في صحراء “السماوة” بمحافظة المثنى، وهي منطقة قريبة جداً من حدود المملكة العربية السعودية، ليكون منطلقاً لإستهداف الشمال السعودي.
الثاني: المماطلة في عدم إسناد وزارة الدفاع لأي مُرشح من القائمة العراقية، وإبقاء الوزارة تحت إشراف المالكي أو إسنادها إلى سعدون الدليمي (الذي كان وزيراً للدفاع ما بين 2005-2006)، وهو موالي لإيران.
كانت الغاية من إبقاء وزارة الدفاع تحت هيمنة المالكي ليتمكن الحرس الثوري بنقل الأسلحة والآليات الثقيلة إلى المعسكر على أساس إنها عقود قديمة تعاقدت عليها وزارة الدفاع لكي لا تثير دخولها الشُبهات أو متابعة قوات الإحتلال الأمريكي.
إن عملية نقل الأسلحة الإيرانية إلى داخل العراق يشرف على نقلها شخصياً وزير المواصلات هادي العامري الذي يحمل رتبة عميد في “فيلق القدس”، ورئيس “منظمة بدر” الجناح العسكري للمجلس الأعلى الإسلامي. وإن إسنادة وزارة النقل له كانت بأوآمر إيرانية وضمن صفقة مع المالكي لتنفيذ المخطط.
إن الحجة في العمل على مكافحة التصحر في العراق والتعاقد مباشرة مع الشركات الإيرانية التابعة للحرس الثوري والتي تعاقد معها المالكي على إنها شركات متخصصة في معالجة التصحر عام 2011، ثم تم تأجيل العمل، لأن تلك الشركات مختصة في بناء المعسكرات وتجهيزها بالمعدات ولا علاقة لها بشؤون التصحر وكيفية مواجهته. كما وأن المكان الذي تم إختياره لبناء معسكرات للحرس الثوري في المنطقة الصحراوية العائدة إلى محافظة المثنى والقريبة من الحدود السعودية، يكشف علناً عن خفايا المخطط الإيراني المُراد تنفيذه. خصوصاً وإن هذا المخطط سيتكامل مع مخطط شبيه له بدأه المالكي مطلع هذا العام في حربه على محافظة الأنبار، بغية السيطرة العسكرية عليها كلياً، وسيكون إنشاء معسكرات الحرس الثوري في صحراء الأنبار وصولاً إلى صحراء النخيب القريبة من حدود المملكة العربية السعودية.
رغم أن العراق يعاني من التصحر المتصاعد بسبب الإهمال المتعمد من قِبل المحتل الأمريكي وحكوماته المتعاقبة، لكن موضوع التصحر هو غطاء لبناء معسكرات تابعة للحرس الثوري الإيراني على الحدود المتاخمة للسعودية لزعزعة الإستقرار فيها من جهة، ودعم الخلايا النائمة من جهة أخرى. وإذا تم تأجيل هذا المخطط سابقاً، الآن طلبت إيران من المالكي تنفيذه، مثلما طُلب منه شن الحرب على الأنبار. إن بناء هذه المعسكرات تكتسب أهمية قصوى للحرس الثوري، لذا تم الإيعاز إلى سعدون الدليمي وكيل وزارة الدفاع، وهادي العامري وزير المواصلات لتسهيل دخول المعدات والشركات الإيرانية التي تم التعاقد معها على أساس إنها متخصصة في مكافحة التصحر في العراق.
وبما أن ثوار العشائر العربية في محافظة الأنبار قد تصدت بشدة وحزم لقوات المالكي الطائفية وكبدتها خسائر فادحة بالأرواح والمعدات، فضلاً عن بقية العشائر في المحافظات الست الثائرة، حيث أثبتت قدرتها بالتمسك بالأرض والدفاع عن العرض عبر عزيمة وإرادة المقاتل الذي يؤمن بتحقيق إحدى الحسنيين: إما النصر أو الشهادة؛ وفضحت حقيقة جيش المالكي المهلهل بعناصر الدمج، ومرتزقته من ميليشيات طائفية وصحوات مادية؛ لذا على الأنظمة الخليجية، لا سيما السعودية، أن تسارع في دعم وإسناد هذه العشائر في ثورتهم المسلحة. إذ أن إنتصار العشائر العربية الثائرة يعني تفكيك مباشر إلى المخطط الإيراني الصفوي، وتحطيم كبير إلى مستقبلية إتمام الفيلق الجديد المزمع تكوينه وتوجيهه ضد دول الخليج العربي. وإذا لا سامح الله قد حدث العكس، فعلى الأنظمة الخليجية أن تتوقع قٌرب المخاطر الجسيمة التي ستطرق أبوابها وتداهم مجتمعاتها، وما أحداث البحرين عنها ببعيد.
إن الإعداد لفيلق إيراني جديد وتحشيد أعداد هائلة له، وما يتطلبه من مال وسلاح وتجهيزات ومعدات قتالية، يعني أن خطة “الطريق إلى مكة” التي وضعها دهاقنة الصفوية الإيرانية في دهاليزهم المظلمة، بدأت حكومة خامنئي المباشرة في تنفيذها واقعياً. وإذا كان هدف هذا الفيلق القادم سيتجه نحو السعودية والبحرين في أولى تحركاته التنفيذية، فإنها ستكون البداية الخليجية التي سوف تعم وتطغو على بقية دول المجلس الخليجي دون إستثناء.
إن الإقلال من شأن تشكيل هذا الفيلق المسلح، أو التخفيف من حدة خطورته، أو الظن بأنها تدخل ضمن دائرة حرب الأعصاب والتشويش الإعلامي والإرباك الإستخباري أو غيرها من التحليلات والتفسيرات، فإنه سيمنح المشروع الصفوي الإيراني فرصة سهلة تمكنه أكثر من التربص فينا، وعلينا أن لا نركن للتبسيط ثم نعض أصابع الندم مستقبلاً.
فيكفي أن ننظر إلى السيطرة والهيمنة الإيرانية على المشهد السياسي العراقي، وإلى دور إيران السلبي والشرير في سوريا ولبنان واليمن والبحرين، والأخيرة لولا التدخل العسكري الخليجي في السرعة المناسبة لها، لأبتلعتها إيران عبر الإنقلاب الطائفي الذي خططت له مسبقاً وتباكت عليه لاحقاً. ناهيك بذكر خلية التجسس الإيرانية التي كشف عنها في الكويت، أو إتباع سياسة التقارب مع عُمان أو قطر بغية زرع الإنشاق والتصدع داخل دول المجلس، فهذه وغيرها من السلبيات الكثيرة إن هي إلا تمهيدات ومجسات تعمل لصالح إتمام ذلك الفيلق الإيراني القادم ضد أنظمة دول الخليج العربي.
د. عماد الدين الجبوري
كاتب وباحث عراقي
خاص بمركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث