شاب يعشق التراث العربي الاصيل
توجه من الفلاحية لمدينة "خورموسى"، ليحقق طموحه المتمثل في انعاش ثقافة العرب وتقاليدهم على نطاق واسع لدى الجيل اليافع وإضفاء الاستمرارية والتألق على تراث الاجداد في مدينة ذات نسيج فسيفسائي، غالبية سكانها من قبائل أحوازية شتى، يتواجد بينهم وافدون كثر من قوميات اخرى.
في قضاء "الخروسي" حيث النخيل الشاهقة، يتجلى الصمود من هاماتها، في بيئة توحي باندماج تراث الماضي العريق مع الحداثة العصرية، نشأ "سلمان امصيبح ابريسم" المعروف بـ"ابوداوود" حتى أصبح شابا متيما بالتراث، فانطلق نحو "خورموسى" لغاية نبيلة، الا وهي العمل على نشر التراث الأحوازي الاصيل مستغلا موهبته وذوقه الرفيع في انتاج الازياء العربية الرجالية وتقديم كل مايحمل عبق الماضي.
يقع قضاء "الخروسي" (الخنافرة) جنوب الفلاحية وملاصقا لها، هناك حيث البيوت تصطف على ضفاف "الجراحي" وهو النهر ذات الأفرع الملتوية، التي تمنح الحياة في فترات متباعدة لغابات النخيل التي تغزو الارض في كل الاتجاهات، محافظة على صلابتها وتأبى الخنوع رغم شبح الجفاف الذي لايفارقها والتقلص الحاد للمياه الذي تسببت به السدود الجائرة.
في مستهل لقاء جمعني بـ"ابوداوود" – وهو شاب في الـ34 من العمر- في معرضه الخاص ببيع الازياء العربية الرجالية في سوق"صدوقي" بمدينة "خورموسى" أشار الى تسمية "الخروسي" موضحا؛ انها اقتبست من "الخرس"، وهو وعاء يستخدم في انتاج الدبس، إذ تكثر المدابس في منطقة "الخروسي" التي يعيش سكانها أعلى مستويات التسامح والتآخي والاحترام المتبادل وحسن الضيافة، اضافة الى الاصرار على التحلي بالطابع التقليدي.
كما اوضح انه يسعى جاهدا لانشاء ورشة لصناعة دلال القهوة ومرشات ماء الورد والمباخر والمحاميس في مدينة "خورموسى"، نظرا الى ان منطقة الأحواز برمتها تفتقر بشدة لهذه الصنعة التي تزايد الاقبال على منتوجاتها بشدة خلال الاعوام الماضية في ظل الوعي المتنامي لدى اجيال الحاضر والذي تحقق نتيجة لازدياد شبكات التواصل الاجتماعي والفضائيات واتساع عالم النت والتقدم الدراسي.
حول العباءة العربية الرجالية قال "ابوداوود": "ان المدن التي تحتضن حياكة العباءة هي "الفلاحية" و"بهبهان (أرجان)" و"الأحواز المدينة"، الا ان الفلاحية انفردت بجودتها في انتاج العباءة وذلك ناتج عن نوعية الصوف والمهارة العالية التي تميزت بها الطواقم العاملة في انتاج الغزل في هذه المدينة التي اشتهرت بهذه الصنعة منذ القدم".
وأوضح ان هناك ثلاثة اشخاص فقط يتقنون حياكة العباءة الرجالية في الفلاحية، وهم "ملا رحيم زنبوري" و"كاظم ابن ملا مهدي الكاظمي" و"حبيب عساكرة" وأشاد بالجهد الذي بذله الاستاذ كاظم ابن ملا مهدي – وهو معلم متقاعد – إذ تمرس في صناعة العباءة وواصل العمل في هذه الحرفة الرائعة رغم التزامه بمهنة التدريس كونه ينتمي لدائرة التربية والتعليم.
واشار الى اقبال التجار العراقيين على شراء الغزل الذي ينتج في منطقة الأحواز، ما رفع أسعار العباءة العربية الرجالية الى ضعف السعر السابق، وشرح ان "الغزل" هو عبارة عن خيوط رفيعة جاهزة تستخدم لحياكة العباءة ويتم اعدادها في عملية يبرم خلالها الصوف عبر مغازل خاصة ويقوم بهذه المهمة حرفيين- من كلا الجنسين، الإناث والذكور- يتمتعون بمهارات عالية وادوات خاصة.
وأعرب عن استيائه لعدم وجود اقبال على تعلم حياكة العباءة الرجالية لدى الجيل الشاب في منطقة الأحواز، الامر الذي يشكل تهديدا لهذه الحرفة التراثية التي تدر بالمال الكثير على من يتقنها، خاصة اذا تم توظيفها في مشاريع واسعة تهدف الى تصدير هذا المنتج الى بلدان اخرى.
انطلاقا من ايمانه الراسخ بأهمية الزي التقليدي، باعتباره مكون رئيسي لهوية أي شعب افتتح "سلمان امصيبح" في مدينة "خورموسى" منذ سنوات معرضه الخاص ببيع الازياء العربية الرجالية، مثل: الدشداشة والكوفية والعقال والعباءة والصاية والشطفة، فضلا عن البخور والعطور ودلال القهوة بتصاميها المتنوعة واحجامها المختلفة ومنتوجات اخرى كثيرة جدا، ولتطوير هذا المشروع، أسس ورشة لخياطة الدشاديش في حي "زمينا" السكني الواقع في المدينة ذاتها حيث تعمل 12 سيدة في كافة مراحل الانتاج، من قياسات وتفصيل وخياطة وكبس ازرار وعملية كي للدشاديش.
وأكد "سلمان امصيبح" في ختام حديثه الشيق، ان الزي العربي يزيد من مهابة الرجل و إتزانه، وان الالتزام بالطابع التراثي يتطلب اتقان اصول كثيرة يصعب على الشخص مراعاتها ما لم يتدرب عليها وان احترام هذه القواعد يعتبر من مؤشرات الاصالة والاعتزاز بالقيم التاريخية.
توفيق فلاحية
المصدر: بروال
يذكر تم استخدام التسمية الصحيحة لوطننا الأحواز بدلا من الاسم المزور(ا ل ا ه و ا ز)