استعراض قوة إيراني وخط أحمر 40 كم داخل العراق!!
في تصريح لافت تناقلته معظم وسائل الإعلام الرئيسة؛ حذّر قائد القوات البرية للجيش الإيراني، العميد أحمد رضا بوردستان، تنظيم الدولة الإسلامية من الاقتراب من الحدود الإيرانية مسافة 40 كم. وقال في تصريح لوكالة الأنباء الرسمية الإيرانية «إيرنا» إن «حدودنا بعمق 40 كم داخل الأراضي العراقية تعدّ خطا أحمر، لذا حذّرنا تنظيم داعش من عبور هذا الخط». يأتي التصريح المشار إليه بعد تصريح لمسؤول آخر عن وجود جيوش لإيران أكبر من حزب الله في سوريا والعراق واليمن، كما يأتي في ظل موجة لافتة من التصريحات التي يطلقها مسؤولون في القوى الشيعية العراقية عن الدور الذي لعبته وتلعبه إيران في الدفاع عن العراق، وفي حماية بغداد من تقدم مقاتلي الدولة الإسلامية (أحدهم قال إنه لولا إيران وسليماني لما كانت هناك حكومة -شيعية طبعا- في العراق). وجاء كثير من تلك التصريحات على خلفية مقتل قائد كبير في الحرس الثوري (حميد تقوي) في سامراء (حسب الرواية الإيرانية، ربما لتبرير القول إنه كان يدافع عن العتبات المقدسة).
وفي حين يجري إغداق الثناء اليومي على إيران وبطولاتها في الدفاع عن العراق من قبل القوى الشيعية؛ نسمع يوميا موجة من التشكيك بالأميركان وبالتحالف الذي يحارب تنظيم الدولة، بل إن تصريحات لا تكاد تحصى تتجاوز التشكيك إلى التصريح بدعم التحالف المباشر للدولة الإسلامية بالسلاح، وهو أمر يثير السخرية في واقع الحال؛ إذ لماذا لا يطالب رئيس الحكومة العراقية بوقف نشاط التحالف في العراق إذا كان يشكل عونا للدولة الإسلامية ولا يحاربها؟! في أي حال، فإن التصريح الأول يُعد سافرا وينطوي على قدر من الوقاحة في التعاطي مع بلد عربي مستقل، وهو يأتي ضمن حشد من التصريحات التي تتعامل مع العراق وسوريا واليمن ولبنان كولايات تابعة للسيد الإيراني، حتى وصل الحال بعلي شمخاني حد القول إن لولا دماء «الشهداء» التي تبذل في العراق لأصبحت التفجيرات في طهران والمدن الإيرانية الأخرى (الولايات هوامش وطهران المركز!!).
والحال أن الخط الأحمر الذي رسمه الجنرال الإيراني هو حقيقة واقعة، ومن يقاتل في الشمال الكردي لا يضع مسافة 40كم كخط أحمر له، لكن الخط المذكور هو المتعلق بالحدود الإيرانية الممتدة في محافظة ديالى، والتي شهدت تركيزا من قبل القوات الإيرانية بما فيها الطيران، كما شهدت أعمال عنف هستيرية، وعمليات تطهير عرقي ضد السنّة في تلك المنطقة التي يراد لها أن تغدو شيعية لحماية الحدود الإيرانية، مع أن عمليات التطهير ما زالت تركز على بغداد أيضا، والتي يُراد لها أن تتحول إلى مدينة شيعية، ربما تحسبا لمخطط تقسيم يفرض نفسه على نحو من الأنحاء.
على أن ما تتجاهله إيران (فضلا عن قدرتها على تحمل الاستنزاف طويلا) هو أن هناك نوعا من العنف العابر للحدود، والذي لا يمكن التصدي له عبر الطيران والجيوش، وإذا كان تنظيم الدولة الإسلامية يريد دولة ويعمل على الحفاظ عليها، فإن ثمة قوى كثيرة لا تريد ذلك، وهي ستكتفي بالضرب في العمق الإيراني بكل وسيلة ممكنة، وأعمالها بدأت بالفعل. والنتيجة أن هذا الاستعراض اليومي للقوة الإيرانية إنما يعبر عن أزمة حقيقية أكثر مما يعبر عن شعور بالقوة، فإيران اليوم تنزف على كل صعيد، وهي بعد تدهور أسعار النفط تعيش وضعا بالغ السوء، فيما يقاتل المحافظون في الداخل من أجل منع الاتفاق النووي، ما يضطر روحاني إلى تلويح باستفتاء شعبي عليه، الأمر الذي اعتبروه بمثابة إعلان حرب، وبالطبع لأنهم يدركون حقيقة الموقف الشعبي الرافض لكل تلك المغامرات المدمرة.
إيران اليوم مثل المقامر المدمن الذي يخسر؛ لكنه يزداد تشبثا بالطاولة، وهي ستدرك يوما عبثية ما تفعله، لاسيَّما أن موجة العداء لها في أوساط غالبية الأمة قد أخذت تتجاوز كل الحدود، ولن تسعفها تلك المؤتمرات البائسة التي تعقدها بعنوان الوحدة الإسلامية. تلك الوحدة التي ترفعها شعارا بالكلام حينا، فيما تدوسها بأحذيتها العسكرية في العراق وسوريا واليمن أحيانا.
ياسر الزعاترة
المصدر: العرب القطرية