فضائيات إيرانية تحريضية بلسان عربي
طوال الأعوام الماضية، دأبنا على التحذير من المشروع الفکري/السياسي لنظام ولاية الفقيه في إيران، والذي يسعى في نهاية المطاف إلى إنشاء إمبراطورية دينية استبدادية تبسط نفوذها على إيران والبلدان العربية بصورة خاصة والإسلامية بصورة عامة.
وشددنا على أن هذا المشروع قد دخل حيز التطبيق، وللأسف البالغ ليس هنالك من مشروع مضاد يقف في وجهه ويحد من خطورته.
والحقيقة المرة -التي يجب أن نعترف بها ونسعى لاستيعابها وتفهمها بصورة منطقية- هي أن أساس تفعيل وتطبيق المشروع الفکري/السياسي لنظام ولاية الفقيه في إيران قد اعتمد على عملية غسل دماغ واسعة النطاق للشيعة العرب في مختلف الدول العربية، وجعلهم حجر الزاوية في تنفيذ المخططات المختلفة التي يتطلبها هذا المشروع الإيراني.
وعندما نقول إن هذا المشروع قد اعتمد على عملية غسل أدمغة الشيعة العرب، فإن ذلك يتجلى ويتجسد -وبأنصع الصور- في المليشيات والجماعات والأحزاب المسلحة والمؤدلجة عقائديا، والتي تعتبر نظام ولاية الفقيه مرجعيتها الوحيدة وتجعل ولاءها له فقط، بينما تضع أوطانها وشعوبها وأمتها والنهج الفکري القويم الذي تربى عليه الآباء والأجداد خلف ظهورها.
إن قادة ومسؤولي نظام ولاية الفقيه تفاخروا خلال الأشهر الماضية کثيرا بأنهم قد نجحوا فيما سموه "تصدير الثورة" إلى السعودية والبحرين وسوريا والعراق ولبنان واليمن، واستنسخوا تجربة الحرس الثوري الإيراني وقوات التعبئة في هذه البلدان.
ولم يأتِ کلام هؤلاء المسؤولين اعتباطا أو مجرد مزاعم لا أساس أو وجود لها على أرض الواقع، بل إنهم يعنون جيدا ما يقولونه، لکن المشکلة للأسف البالغ تكمن في الدول العربية التي لا تدرك ولا تعي لحد هذه اللحظة حجم الخطر والتهديد الکبير المحدق بها.
إن مشروع النظام الإيراني وبعد أن نجح -خلال المرحلة الأولى منه- في وضع أسسه على الأرض عبر تلك التنظيمات والمليشيات المعدة عقائديا وعسکريا، فإن المرحلة الثانية منه قد دخلت عالم التطبيق، وهي تسعى لتعميم عملية غسل الأدمغة حتى تشمل الشعوب العربية في البلدان العربية المختلفة، وفق خطة مرسومة لهذه المرحلة تعتمد على الجانب الإعلامي بشکل خاص.
إذ من أجل أن يوصل نظام ولاية الفقيه أفکاره ومنطقه إلى أقصى نقاط عالمنا العربي، فإنه قام بتأسيس جيش کبير من الکُتاب والإعلاميين "المؤدلَجين مسبقا"، وتم توجيههم لزرع أفکار ورُؤى هذا المشروع في أدمغة عامة الناس بالبلدان العربية.
وقد دخل ضمن اهتمامات تطبيق المرحلة الثانية من المشروع السياسي/الفکري الاعتمادُ على الصحافة الورقية والشبکة العنکبوتية، لکن تم أيضا إيلاء الأهمية القصوى للفضائيات الموجهة لشعوب عربية تحتل أهمية ومکانة خاصة لدى نظام ولاية الفقيه.
وتـُمکننا هنا الإشارة إلى ثلاث قنوات فضائية تبث من بيروت ممولة ومدعومة إيرانيا ضد ثلاث دول عربية, وهي:
1ـ "قناة اللؤلؤة" الموجهة ضد البحرين.
2ـ "قناة المسيرة" الموجهة ضد اليمن.
3ـ "قناة نبأ" الموجهة ضد المملکة العربية السعودية.
وهذه القنوات الثلاث تعتمد على نهج تضليلي هجومي تحريضي يثير الفتنة ويستهدف الشعوب وأنظمة الحکم القائمة في هذه البلدان الثلاثة، مع ملاحظة أن "قناة اللؤلؤة" و"قناة نبأ" و"قناة المسيرة" کلها جاءت نتاجا للحراك في البحرين والسعودية واليمن.
والذي يجمع هذه القنوات الثلاث ويضعها في سلة واحدة هو أنها تعتمد على الفتنة المذهبية، وتوجيه النقد لمختلف الأوضاع القائمة في البحرين واليمن والسعودية، والتشکيك والطعن في نُظُمها السياسية بمختلف الطرق والأساليب والوسائل، وحشو الأذهان بآراء تشوه الحقائق، وتنشر توجهات محددة من أجل خلق وإيجاد توجه جمعي يتلاءم ويتماشى مع المشروع الإيراني، بما يسهل مهمته ويختصر عليه الطريق.
خصوصا أن الخطاب الانتقادي المذهبي والتحريضي -الذي تعتمده هذه القنوات بصورة خاصة- يهدف إلى تهيئة الأرضية المناسبة لنشاط وحرکة جمعيات معادية للنظم السياسية الحاکمة، من أجل شلها أو إسقاطها والمجيء بالبديل المناسب في کل منها.
هذه المرحلة الثانية من المشروع السياسي/الفکري الإيراني ستليها المرحلة الثالثة والنهائية، والتي تصبح فيها البلدان العربية في أوضاع مشابهة لتلك التي في السعودية والبحرين والعراق واليمن ولبنان، وإن المصيبة والکارثة تکمن في أن تقف البلدان العربية في موقف الدفاع السلبي من دون أن تسعى لأخذ زمام المبادرة ورد الصاع صاعين للنظام الإيراني.
وإن خير وسيلة وطريقة هي الهجوم وليس الدفاع کما هو معمول به حاليا، وقد أكدنا -کمجلس إسلامي عربي- أهمية وجود فضائيات موجهة للشيعة العرب والإيرانيين تكون ناطقة باللغتين العربية والفارسية، لکي يتم العمل من أجل مواجهة زخم الهجمة الإعلامية الشرسة ضد بلداننا وسيادة دولنا.
وعلى هذه الفضائيات أن تأخذ على عاتقها مهمة شرح حقيقة وماهية نظام ولاية الفقيه، وتوجيه عقول وأذهان هذه الشعوب إلى ما يقوم به ضد شعوب المنطقة والعالم، وكشف حقيقة مشروعه الذي يسعى لتطبيقه والذي يستهدف الدول العربية بشکل خاص، خصوصا من ناحية استغلاله المشبوه والمغرض للشيعة العرب.
السيد محمد علي الحسيني
المصدر : الجزيرة