رفیقة الهوان
ما من إمرئ یقطن منزلاً إلا و تمنی الأفخم و الأبهی. و ما من إمرئ أکل طعاماً إلا و تمنی الأطیب و الأشهی. فماذا لو لم تجد سوی الأرصفة مأوی و لم تذق سوی ما تبقی من الآخرین، عندها ستشعر بما تمر به أم صالح التي اتخذت هذا الرصیف منزلاً بعد أن فشلت کل محاولتها في الحصول علی ملجأ من حرارة تبلغ الخمسین و من غبار لطالما عانق شوارع و أزقة هذه المدینة. ترضی بظل هذه الشجرة سقفا لیقیها من حرارة صیف الأحواز التي تلین الأرض بفعلها و من أمطار تبقی أمواج میاهها تتلاطم في هذه الشوارع لأسابیع في غیاب صرف صحي مناسب. أحواز التي تملك أکثر من 88% من النفط و 100% من الغاز و مشتقاته في جغرافیة ما تسمی بإیران.
تجلس و تغازل الطریق بعیونها بأمل من یمر و یحسن لها تقول في داخلها سأستطیع فکفر الجوع یدفعها إلی الأمام. یمر من جانبها رجل تحاول القیام کي تطلب منه العون ولکن عزة النفس تحول دون ذلك لیبقی الجوع و العناء أهون عندها من الذلة و الخنوع. ففي الثالث بعد الخمسین من عمرها لم تزل تحمل في أعماقها آمالاً یأبی الزمان إلا أن یهدمها کلما شیدت، و حسرات تجعلها تشیب في کل ساعة سنوات.
بهدوء و اطمئنان و قنوط من رحمة الزمان تتخذ زهراء الجدار متکئاً لیکون اکثر وفاءً من أقارب لم یسألوا بها منذ أن عصفت بها ریاح الضعف والهوان. تعود إلی ونیسها مذیاعها الأسود الذي یعطل بین الحین و الآخر فلم یعد کالسابق کأي شيء في عالم صاحبته .
یحیطها ما تبقی من أثاث بیتها الذي طُردت منه بسبب عدم قدرتها علی سداد أجرته، و ذکریات من أیام الخوالي و صور من خلیل تتوق لرؤیته فقد إختار الموتَ رفیقاً بدلاً عنها لتکون الوحدة قدر هذه السیدة التي لولا صورها لظن الکثیر أنها من نسج الخیال. فلیست أم صالح سوی واحدة من الآلاف الذين یصارعون الجوع و الظمأ في الأحواز. فدموع الأبریاء و عویل الأیتام و الفقراء و نحیب الأمهات و أنین الأرامل وأفواه البنادق التي تهمس الموت بصدر الشرفاء ستخط في کل یوم العشرات من قصص الظلم و الطغیان.