حول الحراك العربي الأحوازي في سماء الشرق..؟
بعد تسعين عاما على سقوط وانتهاء الحكم العربي في الأحواز و انهيار حكم الشيخ خزعل الكعبي في إمارة المحمرة و خضوع كامل إقليم الأحواز العربي لنظام شاهاني فارسي متعصب مارس كل أشكال إلغاء الهوية و اللغة و الثقافة وحتى أسماء المدن والناس ، تدور عجلة الزمن رغم كل محاولات التوطين والاستيطان الديموغرافي لترسم خارطة تحرك شعبية جديدة في الإقليم الذي ترعرعت فيه براعم مؤمنة بعروبتها وأصلها ومرتبطة بانتمائها الحضاري المتجذر عبر التاريخ و الذي فشلت فيه كل صور الإلغاء و الضم وسحق الهوية القومية، فقد تبلورت في الآونة الأخيرة في إقليم الأحواز العربي المحتل ظاهرة الإحتجاجات الشعبية على تدهور الأوضاع العامة و الخراب الكبير الذي أحاق بالبيئة والطبيعة نتيجة لعمليات تجفيف الأنهار العربية أو حرف وتحويل مساراتها إضافة لتوسع السلطات الإيرانية في البحث والتنقيب عن البترول، وإقامة المستوطنات السكانية لتغيير الطبيعة الديموغرافية والسكانية لذلك الإقليم العربي وهي محاولات مستمرة منذ عقود لم تنجح مفرداتها أبدا في تحقيق أهداف السلطات رغم التوسع الكبير و الكارثي في تنفيذ حكام الإعدام شنقا ضد الناشطين الأحوازيين بتهم مفبركة و ملفقة لعل أسوأها على الإطلاق تهمة (الحرابة )! ومحاربة الله ورسوله ، و قوافل الشهداء الأحوازيين تضمنت صورا أسطورية للتحدي والصمود في مقارعة أحكام الظلم و الباطل كما فعل الشهيد ريسان حسن الساري الذي قبل حبل مشنقته قبل تنفيذ الإعدام! وهي صور نضالية جبارة و غير مسبوقة أهملها للأسف الإعلام العربي المغيب و الغائب تماما عن المشهد الأحوازي الساخن والذي بدأ اليوم بالتفاعل والتصاعد مؤذنا بقيام مرحلة حركية جديدة، فالشعب العربي الأحوازي مارس سياسة ضبط النفس و التريث في مقاومة سلطة القمع كما تم التركيز على الأجيال الأحوازية الشابة و المطالبة بمطالب إصلاحية محددة وبسيطة لا تجد أذنا صاغيا من السلطة رغم بساطتها ومشروعيتها و عدالتها و تطابقها مع التوجه الدولي لمراقبة حقوق الإنسان ، الأحوازيون يواجهون أشكالا متعددة من القمع السلطوي الممنهج والمنظم والمتصاعد منذ عام 1979 وخيبة الأمل الكبيرة التي انتابت الأحوازيين وهم يشاركون في إسقاط عرش الطاووس ثم تمت مجازاتهم بجزاء سنمار! ، لقد مارست حكومة الإصلاحي السابق الرئيس محمد خاتمي عام 1998 خطة مركزية لتغيير الجغرافيا والديموغرافيا الأحوازية عرفت بخطة (أبطحي) التي كشفت الوجه الحقيقي لنوايا السلطة تجاه عرب الإقليم.
لقد أثبت الأحوازيون طيلة عقود الحفاظ على الهوية الوطنية والقومية والمتواصلة منذ تسعين عاما بالتمام والكمال عن منهجية قومية مؤمنة بحق تقرير المصير والإرتباط المباشر بمحيطهم العربي والخليجي وحيث تبلغ مساحة الأحواز أكثر من 350 ألف كيلومتر مربع أي أضعاف مساحة فلسطين المحتلة التي لا تتجاوز العشرين ألف كيلومتر!، ومع ذلك فالعالم العربي مغيب للأسف عن تلك القضية التي يكافح أهلها بصمت وشموخ وتضحيات كبرى تدفعها الأجيال الشابة التي لم تستطع سياسة (الفرسنة ) محو اللسان و الفكر العربي بل على العكس تماما فقد نبتت أجيال شابة ترتشف العربية إرتشافا وتعتز بهويتها وانتمائها العربي ، ولا تخاف في رفع راية الحق لومة لائم ، وفي الذكرى التسعين لضياع الأحواز واحتلالها يشهد الشارع العربي الأحوازي حراكا شعبيا لتعزيز الهوية القومية و لمطالبة السلطة الإيرانية باحترام إرادة وطبيعة وشخصية وهوية شعب الإقليم الذي تدهورت أوضاعه بشكل مريع خلال العقد الأخير، سيشكل المشهد الأحوازي صورة جديدة للحراك الشعبي في الشرق القديم، وحيث ستكون القضية الأحوازية واحدة من أهم وأسخن الملفات القادمة بقوة واندفاع بعد إنجلاء غبار المعارك الإقليمية القائمة حاليا، الصوت الأحوازي بات يصدح عاليا في المحافل الدولية والمتغيرات الحاسمة قادمة لا محالة!.
داود البصري
المصدر: صحيفة الشرق القطرية