مؤتمر جهاد العشائر وأهداف الاحتلال
يعتبر الجهل في الجانب الديني والخلافات القبلية والعشائرية عند الأحوازيين، من أهم الأسباب التي مكنت العدو الفارسي من احتلال الأحواز. وبعد القضاء على السيادة العربية في الأحواز، عمد العدو على تكريس وترسيخ المفاهيم الخاطئة، فكريا وسياسيا وثقافيا في مخيلة الأحوازيين، من أجل فرض سيطرته بشكل كامل. كما أنه حارب أي جهد أحوازي يسعى لبلورة الروح الوطنية. وهو مستمر في طريقته هذه إلى يومنا هذا حتى بعد مضي ما يقارب القرن على احتلاله للأحواز حيث أعلن الاحتلال مؤخراً عن عزمه إقامة مؤتمر دولي لإحياء الذكرى المئوية لما يسمى بجهاد العشائر ضد بريطانيا في عام 1915. ويقال أن هذا المؤتمر سيختلف عن المؤتمرات السابقة، كون ستحضره شخصيات دولية. لهذا إطلاق تسمية المؤتمر الدولي عليه لم يأت من فراغ.
وبعيداً عن الخوض في الجوانب التاريخية لهذا الحدث، فأهميته تكمن في النقطتين التاليتين ودورهما في احتلال الأحواز، الأولى: هذا الحدث التاريخي يعتبر أول اختراق فارسي للجسد الأحوازي في القرن العشرين من خلال استغلال بساطة الأحوازيين في حبهم لأهل البيت واحترام رجال الدين. وأيضا استغلال العلاقات المتأزمة بين أمير الأحواز الشيخ خزعل بن جابر مع بعض القبائل، مما جعل الفرس ينتهزون الفرصة ويؤلبوا جزءا كبيرا من الشعب الأحوازي ضد الأمير.
الثانية: أظهر هذا الحدث الضعف الكبير في بنية الدولة الأحوازية آنذاك وسلطة أميرها، من خلال وضعه في موقف محرج أمام شعبه باعتباره وقف مع الكفار ضد المسلمين. وأصبح الأمير خزعل في وضع لا يحسد عليه أمام حلفائه البريطانيين إذ تبين أنه لا يملك السيطرة الكاملة على تراب دولته، ولا يمكنه الحفاظ على المصالح البريطانية.
ولم تكشف هاتان النقطتان ضعف الدولة الأحوازية فقط بل ساهمتا في ذات الوقت في إقناع البريطانيين على التعاون مع الفرس من أجل احتلال الأحواز لرعاية مصالحهم الاستراتيجية فيها. لذلك تخلى البريطانيون عن الأمير خزعل ونكثوا بالعهود التي أبرموها سابقا معه. لا تقف أهمية هذا الحدث عند هذا الحد، باعتبار أن الفرس حصدوا ثمار جهدهم الخبيث باحتلال الأحواز، بل استثمروه لاحقاً من أجل فرض سيطرتهم التامة وقمع أي فعل أحوازي، مقاوم لوجودهم غير الشرعي.
لذلك مؤتمر جهاد العشائر الذي دعا له الاحتلال يدخل ضمن الخطط الرامية إلى تكريس المفاهيم الخاطئة ونشرها بين الشعب الأحوازي. وهذا ما يمكن لمسه عبر الاهتمام الفارسي المضاعف بهذا المؤتمر على حساب فعاليات وظواهر أخرى تستحق المزيد من الاهتمام والتركيز. وتأتي إقامة هذا المؤتمر من أجل الأهداف التالية:
1 – استهداف الهوية الوطنية الأحوازية عبر الترويج لمفهوم أن في الأحواز لا يوجد شعب عربي بل مجموعة من القبائل والعشائر. وهذا المفهوم يمكن إدراكه عبر تصريحات المسؤولين الفرس ومخاطبتهم للشعب الأحوازي بالعشائر.
2 – نشر التفرقة والفتن بين القبائل العربية بوصف البعض منها موالية ومحبة لأهل البيت، وأخرى عميلة للأجنبي والكفار.
3 – توجيه رسالة إلى التنظيمات الأحوازية والدول العربية، على أن ما يقال عن وجود حالة من الرفض الشعبي للاحتلال الفارسي في الأحواز لا صحة لها، والأحوازيون ممثلين بالعشائر مازال ولائهم للدولة الفارسية.
4 – محاولة لشحذ الهمم في مواجهة الأوضاع الصعبة والخطيرة التي تمر بها الدولة الفارسية، بعد ما أتضح إجرام الدولة الفارسية بحق العرب والمسلمين واكتشفت نواياها التوسعية على حساب الأمة العربية.
محمد حطاب شنان