مقدمة البحث
في الحديث عن الحركة العمالية في الأحواز ربما لا يتطلب تفكيرا واسعا اذا ما لزم الامر الرجوع الى نظريات علماء الاجتماع. حيث غالبا ما يراى المتابع هذا النوع من المظاهرات أو الحركات الاجتماعية بنهجها التقليدي و على شاكلة أو الهيكلة الماركسية أو الهغلية. الحركة العمالية بما فيها الحراك العمالي في الأحواز (منذ نوفمبر ٢٠١٨) تكلل بصمود و ترك بارقة أمل في الساحة الأحوازية والهم الحركات الاعتراضية الاخرى في اقاليم الشعوب غير الفارسية و ترك اثر ملموسا على مستوى جغرافية ايران من حيث القدرة والثقة بالنفس والصمود امام نظام الفارسي الايراني. اتخذ الحراك العمالي منهج وشعار “الثبات والتاخي والتكاتف” بين المعترضين و المتظاهرين في الصراع القائم بين العمال من جهة و موسسات النظام الاقتصادية من جهة اخرى رغم القوانين القاسية التي انهكت حقوق العامل واستغلت طاقته ونهشت وجوده.
تتناول الدراسة في بداية البحث بشكل وجيز مفهوم تعبئة الموارد في الحراك العمالي المتواجد في الشارع الاحوازي بأبعاده المختلفة سواءً جذور نشأة الحراك العمالي أو وضع النظريات المصاحبة له واستخداماته وتطبيق هذه الاستخدامات على الحراك. من ثم تتطرق الورقة بشكل اوسع إلى جذور الحراك بشكل وسيع على مفهوم وارتباطه بالفكر الماركسي الذي يعتبر الاساس في الحراك العمالي ويحاول البحث جاهدا ان يفسر اسباب هذا الحراك ودلائل حشد الجماهير المساندين له مستغلة في ذلك دعم وتقوية الحس الوطني والهوياتي، وتربط الورقة بين هذا المفهوم ودعم الحراك بشكل عام في الأحواز.
نظريات تعبئة الموارد
ظهر مفهوم التعبئة بشكله السائد مؤخرا في إطار سياق بروز “الحركات الاجتماعية”، حيث تكاد ان تكون “التحشيد والتعبئة” البنية الأساسية وصميم نشاط الحركات الاجتماعية سواءً بما تحمل من تحشيد حراك بشريّ أو ماديّ. وارتبط هذا المفهوم بعمليّات مختلفة في عدة مجتمعات حسب اختلافها ومنها المطالبة بحق تقرير المصير، اسقاط الانظمة المستبدة أو الاحتلال، الانتقال الديمقراطي ولا سيما تلك التي تتعلق بنمط الانتقال الثوري بالإضافة الى حركات اصلاحية وصولا الى الحركات العمالية، الذي تلعب فيه حركة الجماهير دورًا حاسمًا. مثال ذلك، الدور الايجابي للعمال في انحاء مدن الأحواز في إطاحةبنظام الشاه الابن عام ١٩٧٩، بعد صدور فتوى من الشيخ محمد طاهر الخاقاني والذي حرم بموجبها العمل في المنشاة النفطية والغاز في جميع انحاء الأحواز(مصطفى حسين، ٢٠١٧).
الحراك الجماعي العمالي في عموم مدن الأحواز تزامن مع موجات احتجاج واسعة طالت العديد من مدن وشوارع جغرافية إيران. وبتبع ذلك اصبحت شوارع الأحواز ساحة صراع بين النظام الايراني من جهة، والشعب الأحوازي بشكل عام من جهة اخرى وتجلى هذا الصراع في حركات جماهيرية كبيرة ومنها الحراك العمالي ٢٠١٨، وأدى ذلك الى تحول جذري في النظر الى الحركات الاجتماعية في عموم جغرافية إيران.
وفقاً لـ” اولسون” تعد هذه الحركات الاجتماعية فواعل راشدة ودقيقة المنهج، تواجه بشكل ناعم القبضة الحديدة للنظام لكنها صلبة في مطالباتها. يرى العديد من المتابعين ان هذا الحراك العمالي أصبح بداية لحراك جماعي -غير سياسي في الشاكلة، لكن كما هو معروف ان مثل هذا الحراك طالما كان يعتبر الماكينة المحركة للحركات الاجتماعية – السياسية والتي قدمت منتجاتها الثورية للمجتمع من خلال وفي إطار العمل والنشاط الاجتماعي السلمي. سار الحراك العمالي على نمط وشاكلة الحركات الاجتماعية الاخرى في المجتمع لكنه كما هو معروف، يتميز هذا الحراك من حيث سيطرته على قوة الإنتاج واعتراضه على الوضع الموجود وذلك سوف يقف عجلة الإنتاج ونبض اقتصاد البلاد.
في النظرة الاولى يبدو الهدف من وراء التجمعات العمالية في الأحواز عبارة عن احقاق حقوق العمال والوصول الى اهداف قصيرة المدى يطمح من خلالها العامل اصلاح وضعه المعيشي، لكن واقع الامر يسرد حقائق اخرى. تاريخيا حدثت العديد من التغييرات في المجتمعات بعد ما تحركت اليد العاملة وجابت الشوارع معترضة الوضع الموجود. يرجع اسباب نجاح هذه النوعية من الحراك الى انه لا يمكن تحديدها او تصنيفها ضمن جغرافية أو فترة زمنية محددة. بالعكس، انما مثل هذا الحالة اي “سيولة الحراك العمالي” هي السمة الاجتماعية البنيوية للتعبئة حسب منظري مدرسة “تعبئة الموارد” وتقوي تضامن الجمع وتكاتف أفراد المجتمع وتضع افراد المجتمع في علاقات متواصلة بدلاً من تحطيم القيم واقتلاع العمل الجمعي.
على عكس المنتقدين، في التركيز على نظرية تعبئة الموارد في الحراك الجماعي في الداخل الشارع الأحوازي، فإن معطيات الواقع حسب التعبئة الجماهيرية ونوع مواجهتها من قبل النظام تشير الى ان هذا الحراك لا ينعزل كثيرا عن مشرب العملية السياسية في الأحواز. حيث أن الاختلافات في كمية وأنواع نشاط الحركات الاجتماعية يُفسر بالاختلافات في السياق (المحتوى) الذي تواجهه الحركات بشتى انواعها. وفي هذا الصدد لا يبدو هناك اختلاف في سياق الحركات المختلفة في الأحواز رغم الاختلاف في مشاربها. يرى Eisinger على سبيل المثال أن الحركات الجماعية في المدن تتأرجح وفق هياكل وانفتاح السياسات المحلية (عبدالعال، ٢٠١٧). اذن لا يمكن ان نفرق بين الحراك الهوياتي والثقافي والسياسي في الأحواز عن الحراك العمالي من حيث التحشيد والتعبئة وثم من حيث الأهداف والتأثير في مواجهة سياسة القبضة الحديدية التابعة للنظام الايراني التي يضرب بها الحركات في الأحواز بشكل واحد بمنعزل عن أهدافها ومطالباتها.
فيجتمع أنصار هذا الاتجاه في الأحواز على روية واحدة وهي ان “تغيير الوضع الموجود لا يحصل دون حدوث عملية التحشيد والتعبئة في جميع الحركات وسيما في الحراك العمالي ضد النظام الايراني ومؤسساته الاستثمارية.” ولا يمكن ان تنجح هذه التعبئة في الأحواز في هذا الحراك في ذاتها وتلقائيا الا حين توافر الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية المواتية كتدهور في وضع حياة المواطنين واحوالهم الاقتصادية على سبيل المثال، وهو ما يضمن استجابة أعلى نسبة منالجمهور للاستجابة التعبوية” (عبدالعال، ٢٠١٧).
الحراك العمالية ونظرية ماركس
اذا اعتبرنا كارل ماركس المنظر الاول في اعادة النظم للمجتمعات وسيما في البحث حول الحراك العمالي فمن الاجدر ان نبداء بنظرية “ألاغتراب والطبقة الاجتماعية” حيث قسم ماركس المجتمع الى الرأسماليين والعمال واعتبر الاثنين يعانون من نفس القدر من الاغتراب، ولكن كل جهة تمارس الاغتراب في شكل مختلف (ماركس، ١٨٤٥).
تطبيقا لهذه النظرية تعتبر الموسسات التابعة للنظام الايراني و الحرس الثوري والمخابرات ومقاوليها والمستوطنين الفرس المنتفعين ممثلين بارزين لسلطات النظام الاحتلال الايراني على اراضي اقليم الأحواز، بينما يمثل العامل الأحوازي (بما فيه الموظف – الأدراي ذو السترات السوداء) الجهة العاملة المتواضعة التي يتم استغلالها من قبل النظام و عملاءه. في هذا البين كلتا الجهتين – النظام الفارسي والاحوازيين – يمثلان الاغتراب الإنساني نفسه. ولكن الطبقة الأولى الحاكمة والتابعة لنظام ولي الفقية تجد في ذلك الاغتراب الذاتي ثباتها وازدهارها وقوتها ورقيها كما تجد فيه مظهرا للوجود الإنساني وتبذل الجهد في سبيل تطوير ذاتها من خلال ذخر الاموال في البنوك، الاستثمار، بناء وشراء العقارات والاراضي، بعث اولادهم وبناتهم في بعثات دراسية في موسسات عالمية كبري للدراسة و كسب المعرفة. وفي المقابل من الجهة اخرى يقف الانسان الأحوازي وبشكل خاص العامل الأحوازي والذي يشكل كتلة بشرية غير مرغوب بها وتجد في ذلك الاغتراب الذاتي حرمانها واستغلالها ومعاناتها من قبل رجال النظام الإيراني وسيما الفئة المقابلة. هذا الواقع يجعل العامل ان يشعر بالانسحاق في اغترابه الذاتي، وإن مثل هذه الكتلة البشرية ترى في هذا الاغتراب ايضا الاضطهاد، الظلم، الضعف، اللاعدالة و حقيقة الوجود اللاإنساني.
متفقا، تعتبر فئة العمالية في اراء الفيلسوف الكبير هيغل، “هي في المذلة ثورة على هذه المذلة يدفعها إليها التناقض بين طبيعتها الإنسانية وظروف حياتها التي هي نفي شامل وحاسم وفوري لتلك الطبيعة وفي هذا الطباق يمثل المالك الخاص [موسسات الاقتصادية التابعة للنظام و الحرس الثوري الايراني] الجانب المحافظ، ويمثل العمال [الموظفين الأحوازيين] الجانب الهدام. وبينما يقوم الأول بالمحافظة على الطباق، يقوم الثاني بسحقه” (ماركس وانجلز، ٢٠٠٢).
قبل الخوض في الحديث عن الحراك العمالي في الأحواز وصراعها مع موسسات الاستثمارية التابعة لاحتلال النظام الايراني لابد من ايضاح موضوعا هاما جدا. في الحديث حولإسهامات الموظفين – الاداريين في دراسة “عامل الترف”، يصنف العديد من المفكرين، “الموظف الإداري- ذو سترات السود” في مستوى وسطي افضل من العامل اليدوي (العامل في المؤسسات والشركات الانتاجية) اقتصاديا واجتماعيا أي خارجدائرة ونطاق مجموعة العمال، وفي نفس الوقت عزل المفكرون، هذه الفئة من “العمال -الإداريين ذوي سترات السود” عن الطبقة الحاكمة أو الاستثمارية (رؤساء الشركات والمسؤولين الكبار والمستثمرين من ذوي روس المال). حينئذ بناء على ما اسلفناه إذا أردنا تطبيق هذه النظرية في محيط الأحواز سوف يراها القارئ تختلف تماما، حيث نجد أن معظم الموظفين -الإداريين ذو السترات السود لا يعتبرون أنفسهم مختلفين عن العمال اليدويين اجتماعيا واقتصاديا. هذا التقارب بين العامل والموظف في الاحواز يمكن ان نلاحظه في اراء البعض من الفلاسفة أو المفكرين من امثال لوكود. اعتبر “لوكود” وضع الترف لدى الموظفين والعمال ذو السترات السوداء الداكنة نوعا من الشعور أو الوعي الزائف حيث يعتقد أن فئة الموظفين جزء من الطبقة العمالية الكبرى. وان معظم العمال من هذه الفئة ايضا لا ينظرون الى أنفسهم باعتبارهم شيء مختلف تماما (عبد الله، ٢٠٠٥).
هذه النظرية والآراء التي ظهرت في الماركسية يبدو تطابق الواقع الموجود في الأحواز تماما وتكاد تكون نظريات مسجلة خصيصا للأحداث في هذا الاقليم إذا اخذناها مع تعديل طفيف في معنى الصراع الذي كان يقصد به ماركس “انقلاب الطبقة الكادحة” على أرباب العمل واصحاب السلطة وعملنا تطبيقا على انقلاب الحراك العمالي في الأحواز في مواجهة مؤسسات النظام والحرس الثوري الايراني الذين يمتلكون وسائل الإنتاج ويراسونها من اجل مصالحهم مهملين الطرف الثاني من المعادلة.
هنا تطرح فكرة لا يقصد من خلالها استغلال الحراك العمالي حيث هذه الحركة ليست منعزلة عن الواقع الاجتماعي-السياسي- الاقتصادي في الاقليم وانما تعتبر احدى اشكال الحراك الاجتماعي في جميع المجتمعات مع اختلاف انتماءاتها، اذن تدور الفكرة عن كيفية ادارة هذا الحراك ودعمه ليكون اوسع نطاقا ولا يكتفي بالمطالبة بتحسين الوضع الاقتصادي والمعيشي.
الوقائع الأساسية في حراك العمالي في الأحواز
الواقع الأول: قاعدة الصراع
ان هذا الحراك العمالي لا يمكن ان ينجح طالما لا يتخذ من الصراع القائم مدخلا وظيفيا لمواجهة العديد من الظواهر الاجتماعية والثقافية والهوياتية السلبية في المجتمع الأحوازي مع احتساب تردى الاوضاع الاقتصادية المتغيرة.حيث تبنى “قاعدة الصراع ” ضمن هذه المواجهة بين الشعب الأحوازي من جهة والنظام الايراني من جهة أخرى وبناء على الصراع القائم بين طبقة الحاكمة (سلطات الاحتلال الايراني المتمثلة بمؤسساتها الاستثمارية ورجالها) وطبقة المحكومة (الشعب الأحوازي وسيما العمال). وحسب هذا الواقع يتطلب ان لا يصنف هذه الصراع على اساس مطالب فصلية او بالأحرى لا يبهر بالحراك من اجل تغييرات مقطعية لاجل تغيير الوضع المعيشي الموجود فحسب وانما لابد ان يعتري هذا الصراع كأداة للتغير والتحديث وتطوير الانسان في الأحواز.
تكمن عوامل واسباب واتجاهات كثيرة وراء مطالب العمال تودي الى نجاحات واسعة ومن اهمها ” اتجاه الطبيعي” حسب الروية الماركسية أي يسعى العامل الأحوازي لتفسير الصراع من خلال الاهتمام بالأسباب الاجتماعية والثقافية والهوياتية الكامنة التي بسببها يظهر الصراع الدائم بين سلطات الاحتلال ومؤسساتها الاستثمارية في اقليم الأحواز من جهة والانسان الأحوازي من جهة اخرى وليس من زاوية الاقتصادية أو الوضع المعيشي فحسب. رغم ان هذا العامل الاقتصادي يعتبر بنية اساسية في الصراعات بين المجتمعات والانسان.
الواقع الثاني، الحاكم والمحكوم يشكل الاختلاف الطبقي في الأحواز
برزا مؤخرا في المجتمع الأحوازي نموا في الحراك الاجتماعي بين مختلف المهن الاجتماعية على شاكلة حاكم ومحكوم (مستثمر وعامل) نتيجة تزايد “التعليم والتغيرات الاجتماعية” متأثرة بالوضع المعيشي الصعب. ركزت هذه الحركات على المطالبة بنمو المساواة الاجتماعية والاقتصادية، تحقيق معدلات الحد الأدنى للمستوى المعيشي للمواطن الأحوازي بالإضافة الى ارتفاع نسبة الوعي في المجتمع من خلال دعم التعليم بلغة الام، السعي وراء الحافظ على الهوية وصولا الى مواجه النظام الايراني بشكل غير مباشر.
في هذا البين، إذا اخذنا افكار فرانـك باركــن حول “القيم والصراع” في المجتمعات الحديثة يبدو جليا ان الحراك العمالي الأحوازي برز في شكل متطور فكريا ونظريا وهذا الامر بارقة خير يمكن استثمارها ايجابيا لتعبئة الشارع العام وتطويرها بشكل اوسع. الحديث عن العمال وبعد عدة اسابيع من المظاهرات دون انقطاع لا يمكن تفسيره وتأويله الى مجرد مطالبة بتحسين الوضع المعيشي فحسب وانما للمتابع من السهل ان يرى ويسمع النداءات التي تحمل شعار “اللامساواة واللاعدالة والنظام السياسي والتدرج الاجتماعي” نتيجة صراع بين طبقة الحاكمة المتمثلة في المواطن الايراني – الفارسي من جهة وفي المقابل طبقة المضطهدة المتمثلة في المواطن الأحوازي. هذه المقولات لا يمكن للفرد المرور منها بسهولة لأنها تحمل في طياتها “مستوى الوعي والتغييرات الاجتماعية” كما حدث الحراك العمالي في مدينة عبادان في الاحواز أبان الثورة عام ١٩٧٩.
مفهوم الطبقي في الأحواز
يتقسم البشر في المجتمعات في جغرافية إيران وكما هو سائد في العديد من البلدان الأخرى الى طبقتين. في البحث عن دراسة المجتمع الأحوازي ايضا ينقسم المجتمع الى جهتين مختلفتين تماما يصنف بالتوالي كالتالي: ايراني وأحوازي، محتل ومقاوم، حاكم ومحكوم، ظالم ومظلوم، سلطة وتابع، رئيس ومرؤوس، غني وفقير، ازدهار وانبهار، نحن وغير، مواطن درجة اولى ومواطن درجة ثانية. هذه التركيبة تلخص الواقع وتوجه الاسباب الرئيسية في الصراع القائم ولا يمكن ان نختزل مقاومة العمال في الأحواز في الوضع المعيشي المتردي، رغم ان الوضع الاقتصادي المتردي يعتبر عاملا بنيويا في الصراع القائم، الا ان هناك عوامل اخرى عديدة تكمن وراء هذا الاختلاف والحراك العمالي الحالي.
كان قد اتخذ النظام الايراني محاولات عديدة مستفيدا من تجارب ثورة ١٩٧٩، حين حاول ان يدعم ظهور طيف او جهة خاصة وسطية (الموظفين الاداريين ذو سترات السوداء) في المجتمع على حساب الطبقة التحتية (غالبية الشعب ومنها العمال) وشق صفوفها ليس في الأحواز فحسب بل في جميع جغرافية إيران. لكن يبدو فشل هذا المخطط كسابقاته وبرزت ملامح انهياره مبكرا بعد ما ملئ الموظفون الشوارع سجلوا المئات من الاعتراضات والمظاهرات طوال العقد الماضي. ذلك الفشل جعل ان لانفرق اليوم بين الوضع الاقتصادي والمعيشي في الوهلة الاولى في المجتمع الأحوازي بين عمال المصانع من جهة والموظفين في الدوائر وغيرهما من مختلف اطياف الشعب من جهة أخرى الا نسبة مئوية ضئيلة جدا تنتمي الى النظام من مسؤولي مكاتب النظام واقتصاديين تابعين الى النظام. والجدير بالذكر ان مثل تلك “اللاعدالة المتساوية” في جميع المستويات ساعدت في رص الصفوف بين جميع الحراك في الأحواز.
يبدو ان الحراك العمالي القائم لا يعتمد اليوم على المطالبة بتحسين الوضع الاقتصادي فحسب وانما من خلال تحليل المصادر الاجتماعية في المظاهرات الاخيرة في المجتمع الأحوازي يمكن ان ناول الحراك والصراع الى الامتيازات التي يتمتع بها رجال النظام و الشركات التابعة للحرس الثوري ومالكيها والمستوطنين الفرس على حساب العامل والموظف الأحوازي المضطهد اولا، ثم الاختلافات في القيم بين الحاكم و المحكوم حيث كل جهة منهما يمثل ثقافة مختلفة تماما عن غيرها، بالإضافة الى الوعي المتزايد بين المجتمع الأحوازي وسيما العامل اليدوي وهذا ما ساعد في ان يولد حراكا اجتماعيا شعبيا واسعا.
انتزاع الانسانية من العامل في الأحواز
يذكر الفيلسوف جون ميل في كتابه مبادئ الاقتصاد السياسي” (١٨٤٤)، ان العامل يفقد او بالأحرى تتنزع منه انسانيته ويواجه هذا الانسان الاغتراب من إنسانيته لأن الفرد لا يمثل نفسه في العمل ويفقد القدرة على التعبير من خلال العمل في ظل نظام إنتاج صناعي بملكية خاصة يكون فيه كل عامل أداة، غرضا، وليس شخصا” (ميل، ١٨٤٤). يذكر ماركس معنى الاغتراب انه حين يتمتع أو يستخدم المواطنون في المجتمع منتجات العامل، سوف يجعل هذا الاستخدام العامل ان يشعر بمتعة مباشرة لإدراكه بأنه أشبعت حاجته إنسانية من خلال عمله وخدمته للمجتمع، أي أنه جسد طبيعة الإنسان الأساسية، وقام بخلق موضوع من أجل حاجة مردها طبيعة أساسية لإنسان آخر… حيث تصبح منتجات العامل صورة واضحة عن طبيعته الأساسية وانعكاس لإنسانيته (ماركس، ١٨٤٤).
اذن، نصيب في الصميم اذما بذلنا جهدا نحاول من خلاله تطبيق افكار ماركس حول الحراك العمالي في اقليم الأحواز. من خلال متابعة الامور يمكن تحديد اربعة زاويا حادة جدا في الحراك العمالي في الأحواز من خلال الرجوع الى دراسة كارل ماركس حول فهم موقف العمال في كتاباته تحت عنوان “المخطوطات الاقتصادية والفلسفية “(١٨٤٤ – ١٩٢٧ (، وحول علاقة العمال في شركات الانتاج فيما بينهم وعلاقتهم مع الشركات نفسها وملاكها(Dictionary of Philosophy, 1984).
بناء على ما اسلفناه، يمكن للمتابع ان يرى العديد من الحقائق حول وضع العامل الأحوازي على ارضه ووطنه في ظل الوضع الانتاجي التابع لسلطات الاحتلال الايرانية.
اولا، استغلال العامل
يفقد العامل الأحوازي دوره في الشركات التابعة للاحتلال الايراني ويعتبر أداة تستغل الشركات الايرانية امكانياته اليدوية والعقلية من اجل كسب الاموال المطلوبة التي تساعد في ربح تلك الشريكات وملاكها من القيادات النظام والحرس الثوري. ويعني ذلك ان شركات النظام والحرس الثوري تحاول الربح من وراء العمال في الأحواز دون ان يعيروا اي اهتمام للإنسان والبيئة في الأحواز. في هذا النوع من العمل يدفع للعامل مقابله أجرا – في أدنى سعر ممكن- للحفاظ على أقصى عائدات ممكنة للشركات ورؤساءها من الفرس. استغلال عائدات العمال كان قد حصل منذ عقود وكان يصنف العامل الشكل الأفضل من حيث الوضع المعيشي في الأحواز في ظل سلطة الاحتلال الإيراني، لكن أصبح وضع العامل (والموظف) في الأحواز كارثيا حيث يستغل العامل استغلالا مطلقا. وبرزت هذه الحالة بشكل ملموسا عندما تركت الشركات الايرانية العامل الأحوازي من دون اجور لفترة تتراوح بين ستة شهور وعامين مع احتساب رواتب قليلة جدا. بالإضافة إلى ذلك، في نظام إنتاج الصناعي في إيران فإن الربح العام يدخل جيوب رجالات النظام الايراني وقيادات الحرس الثوري ويستخدم البعض من هذا الربح لتطوير المدنفي المحافظات الفارسية، والتي كان من الممكن أن يدفع إلى العمال الأحوازيين أو يستخدم في تطوير الاحياء والمدن العمالية أو الأحوازية عامة.
ثانيا، اغتراب العامل عن العمل والإنتاج،
ينتقد العديد من مدافعي حقوق العمال، الرأسمالية لأنها تحرم العامل من الحق في ممارسة الرقابة على قيمة وآثار عمله، مما يسلب من العامل من قدرة شراء (استهلاك) السلع والخدمات، أو الحصول على القيمة الكاملة من بيع المنتج. بينما الوضع في الأحواز لا يمكن مقارنته بوضع العمال في الدول الرأسمالية لا بل هي أصبحت اعلى طموح العمال ليس في الأحواز فحسب بل حتى في جميع انحاء إيران. على سبيل المثال العامل في الأحواز اليوم لا يتمنى ولا يطالب بهذا القدر من الحقوق كما هي في الدول الرأسمالية بل كانت مطالبته في بداية الامر لا تتعدى أمورا بسيطة مثل دفع الرواتب الشهرية في الموعد المقرر فحسب. لكن تطور الامر في الشارع الاحوازي وبات مطالبا بتغيير الوضع الموجود. كما يمكن للمتابع ان يرى ان مثل هذا الوضع أصبح سائدا في جميع انجاء المدن والمحافظات في جغرافية إيران. حيث بات يشعر العامل بالاغتراب أكثرا وبات الوضع كارثيا لان تحول العمال الى ادوات تعمل دون رواتب ودون مراعاة أدني مستوى حقوقه من قبل شركات التابعة للنظام الايراني.
الموضع الثالث، اغتراب العامل من جوهر العمل
حسب الفكر الماركسي هو اغتراب العامل من جوهر الأنواع ويعني ذلك لكل عامل أو انسان احساس ورغبة فى المشاركة في الاعمال والأنشطة اي خلق منتجات تساعد على الاكتفاء الذاتي التي تدعم الانسانية والمجتمع. تدعم هذه الرغبة، الحالة النفسية للعامل بواسطة صلاته العاطفية مع افراد المجتمع. خلافا لذلك،يعمل المواطن الأحوازي في شركات انتاجية لا تشكل اي نسبة من الاكتفاء الذاتي في دعم المجتمع. علي سبيل المثال شركات البتروكيمياويات أو قصب السكر التي سلبت مئات الالاف من الهكتارات من الاراضي الزراعية من المواطنين الأحوازيين بحجة تطوير مشروع قصب السكر في الاقليم أو المشاريع الاقتصادية اخرى، ليس فقط انها لم تشارك في دعم الاكتفاء الذاتي لا بل ادت الى تدمير الوضع الاقتصادي و الزراعي، ارتفاع ملوحة الاراضي وتلوث المياه في الانهر الاحوازية، بالإضافة الى غياب انتاج العمال و ثمراتهم جعلت من العامل الأحوازي حلقة مفقودة في المجتمع يشعر بالضياع من حيث الغاية واهمية عمله ووجوده الانساني.
الحالة الرابعة، اغتراب العامل عن العمال الآخرين
الحالة الأخيرة التي استغلتها مؤسسات الاقتصادية التابعة النظام الايراني في معاملة العمال في الأحواز تسمى “اغتراب العامل عن العمال الآخرين”. اي العمل على ترويج العمل والوضع التنافسي السلبي بين العمال (Marx, 2002). ولعل هذا الامر لا يثير استغراب المطلع على الوضع في الأحواز حيث عملت سلطات الاحتلال الايرانية جاهدة ان لا يحصل مجهود جماعي مشترك يهدف الى مواجهتها ومواجهة مشاريعها الاستثمارية الهدامة في الاقليم. بناء على هذا الاساس اثارت الحكومة الفارسية الكثير من النزاعات بين العوائل الأحوازية في سوق عمل تنافسي سلبي حول استخدام العمال في قطاع النفط في قسم الحراسة أو التوظيف في اعمال يدوية في بعض الشركات وأدى ذلك الى اقتتال داخليا بين ابناء الشعب بسبب فرص العمل. كما تحاول ان تفرق بين عمال قطاع محدد مثل شركة النفط عن عمال قطاع اخر حيث يستلم عمال شركات النفط والبتروكيمياويات رواتب عالية مقارنة بعمال قصب السكر على سبيل المثال. والهدف من وراء ذلك استبعاد احتمال حصول مجهود جماعي يناهض مؤسساتها في إقليم الاحواز.
المحصلة
نضالات العمالية مستمرة حتى يومنا هذا في إقليم الأحواز، رغم سياسات القمع والإرهاب التي تنتهجها الثورة الخمينية ورجالاتها لصد الحراك وكبت الافواه، وتبرهن على أن العمال وحراكهم ليس بموجة عرضية، ويمكن ان نعتبرها ذات إمكانيات ثورية تجعلها مؤهلة للعب الدور الرئيسي في مواجهة مؤسسات التابعة النظام الفارسي الإيراني. الكل يعرف ان الثورة تحتاج إلى مركزية توحد هذه النضالات في المواقع المختلفة، وربما تكون الطبقة العمالية في إقليم الاحواز ذات مؤهلات واسعة لإدارة هذه الحركات الاجتماعية.
مصطفى حته
المصادر العربية
١) مصطفى حسين، (٢٠١٧)، لماذا قتل الخميني هذا الشيخ، مثقف الجديد، الرابط
https://www.al-muthaqaf.net/?p=59967
٢) عبدالعال، محمود. (٢٠١٧). التعبئة السياسيّة: السياق، المفهوم، والتأثير. المركز الديمقراطي العربي. الرابط https://democraticac.de/?p=43992
٣) ماركس، كارل. (١٨٤٥). العائلة المقدسة. الفصل ٤.
٤) ماركس، كارل؛ إنجلز ،فريدريك. (٢٠٠٢). العائلة المقدسة أو نقد النقد النقدي. دمشق: دار دمشق. صفحة ٤٠-٤١.
٥) عبد االله، عبد الرحمان. (٢٠٠٥). النظرية في علم الاجتماع ، ج٢ ، ،الاسكندرية : دار المعرفة الجامعية،الاسكندرية : دار المعرفة الجامعية ، ص .ص ٨٧-٩٠.
٦) جون استيوارت ميل، (١٨٤٤)، مبادئ الاقتصاد السياسي، لندن.
المصادر الانجليزية
(1
Marx, Karl. “Comment on James Mill,” Economic and Philosophical Manuscripts of 1844: 1844.
(2
Alienation. A Dictionary of Philosophy: Revised Second Edition (1984), p. 10
(3
MarxK karl. (2002, 30 September). Marx on Alienation. From http://uregina.ca/~gingrich/s3002.htm
المصدر : مركز دراسات دورانتاش