مقتطفات من مذكراتي في السجن
إذا أردت البحث عن الثقافة والأصالة والتقاليد العربية بكلّ إيجابياتها وسلبياتها في الأحواز، فالخيار الأفضل أمامك هو الذهاب إلى مدينة الفلاحيّة (الدورق)، عاصمة إمارة بني كعب الأحوازية، لتجدها هناك بحذافيرها. وحين تقرأ مقدمة ” ابن خلدون ” أو كتب تاريخ العرب مثل كتابي ” غوستاف لوبون ” أو ” فيليب حتّي ” وتسمع عن شجاعة العرب، كرمهم، صراحتهم وحتّى عصبيتهم القبليّة، فتجدها في الفلاحيّة التي تعدّ من أكثر المدن الأحوازيّة التي تقاوم الإحتلال الفارسي، وخاصّة من الناحية الثقافيّة.
كتبت هذه المقدمة لكي اختصر في تعريف الشهداء ” عبد الرضا الشيخ يونس أمير خنافرة ” مواليد ١٩٨٧م و ” غازي احمد العبّاسي” مواليد ١٩٨٢م و ” عبدالأمير هليل المُجدّمي ” مواليد ١٩٨٠م و “جاسم سعيد مقدّم پيام ” مواليد ١٩٨٥م. نعم انهم يحملون ثقافة فلاحيّة الأحواز بكل معانيها وتفاصيلها وجزئياتها. دخلوا معي سجن كارون في سنة ٢٠٠٩ م بمعيّة رفاقهم ” سامي عزيز جدماوی نژاد ” مواليد ١٩٨١م ” هادي عبدالخضر آلبوخنفر نژاد ” و ” شهاب أحمد العباسي ” مواليد ١٩٨٦م الذي نقل إلى سجن سبيدار بمدينة الأحواز. كانت مهنتهم الزراعة ويتغزلون بالقهوة العربيّة ويعتبرون النخلة أمّهم. و كنت أشاهد البريق في أعينهم عندما يذكرون النخلة. و كان قدوتهم عمهم المرحوم الشاعر ايوب الشيخ جهاد أمير خنافرة الذي قتل في حادث سير مشكوك بعد خروجه من السجن، و كانوا يذكرونه في كل جلسة ويرووا شجاعته و يرددوا أشعاره التي يعكس فيها معاناة شعبه.
لم أعرف الكثير عن تفاصيل ملفهم ومن عادة القسم السياسي في السجن عدم الفضول والتطفّل والتدخل في ملفات الآخرين. كانوا بعضهم حوالي ١١ شهراً تحت التعذيب القاسي في معتقل السري للاستخبارات في مدينة الأحواز العاصمة لأخذ الإعترافات الإجبارية و اعتقل في نفس الملف الشيخ يونس بن الشيخ جهاد أمير خنافرة و كان معلم و من وجهاء مدينة الفلاحية و كانوا يعذبوا ابنه الشهيد عبدالرضا امام عينيه و يعذبوه امام ابنه للتحقير والتنكيل به. مكثت هذه المجموعة في السجن ٣ سنوات دون محاكمة بسبب عدم وجود اي دليل يثبت التهم الموجهة إليهم، إلى أن صدر حكم الإعدام بحقهم في محكمة الثورة شعبة الأولى من قبل القاضي ” علي فرهادوند ” في عام ٢٠١٢ في جلسة واحدة لم تتجاوز الساعتين و نصف و كالعادة اتهموا بتشكيل كتيبة سميت ” كتيبة الأحرار” دون وجود أي اعتراف بهذا الشأن و كما قلت سابقاً تكرر هذا الأسلوب باتهام مجموعة من المواطنين الأحوازيين المعتقلين بتشكل كتيبة. وحسب تقرير خبير السلاح تبين أن سلاح الصيد الذي كشف بحوزتهم لم يستخدم من قبل. وهكذا تأييد الحكم في شعبة ٢٣ في الديوان في عام ٢٠١٣ م ونفذ في نهاية نفس السنة حيث ابلغوا أهلهم وذويهم في تاريخ ٤ ديسمبر ٢٠١٣ عن تنفيذ حكم الإعدام دون أن يرى جسداً أو قبراً أو ورقة من المحكمة او الطب الشرعي وحدث هذا ايام قبل نقلي مجدداً من سجن عادل آباد في شيراز إلى سجن كارون في الأحواز. كما توفي الشيخ يونس الشيخ جهاد متأثراً بالتعذيب القاسي والتحقير والإهانة الذي لاقاه من احقر وارذل الناس في معتقل الاستخبارات خلال ٦ أشهر وبعد ما سمع صدور اوامر بنفيذ حكم الإعدام على ابنه البكر ورفاقه إثر نوبة قلبية. وحكم على سامي جدماوي نژاد و هادی البوخنفر نژاد و شهاب عباسي ثلاث سنوات حبس مع النفي الى سجن مدينة اردبيل في شمال غرب إيران.
قبل تنفيذ الإعدام ارسل الشهداء وأهلهم نداءات استغاثة برسائل الى كل المنظمات الدولية لإنقاذ ارواحهم وإيصال مظلوميتهم ومنها العفو الدولية ومجلس حقوق الإنسان واحمد شهيد المقرر الخاص لحقوق الانسان في ايران و مرصد حقوق الإنسان.
كنت أتذكر “عبد الأمير المجدّمي” يمزح ويقول ” إذا أعدموني يوماً ما، فأعدّوا لي تمثالاً وأنا أرفع يداي في ميدان الـيَـفّـال بمدخل الفلاحيّة، حتى يراني أبناء عمومتي وأقاربي، ويعلموا بأن ابنهم ضحّى من أجل الأحواز”. كان يردّدُ ذلك من باب المزاح وربّما الجدّ، ولم نكن نتصوّر بأن يحكم عليه بالإعدام.
عندما كنا في سجن شيبان قسم ٥ كان لا يوجد مطبخ في القسم و كان الشهيد امير مجدمي مسؤول سخان الماء الكبير (سماور) الذي كان يعمل بواسطة قنينة غاز في غرفة صغيرة في الساحة وفي يومٍ من الأيام أعلن شباب الفلاحية دعوة الأسرى الأحوازيين لشرب القهوة و لكنهم لم يتمكنوا من إيصال الدلة إلى شعلة السخان لتخدير القهوة ، لهذا غيروا الخطة وبدأوا بتجميع الخشب و كل ما يمكن حرقه لإشعال النار في زاوية من ساحة القسم و لكن السجانين انتبهوا و هددوهم بعقوبة صارمة واخذوا منهم كل ما أجمعوا من وقود ، كنا نمزح معهم و نسأل شباب الفلاحية متى تجهزوا القهوة و كنا نراهم يتحركون يميناً و شمالاً ليجدوا وسيلة يجهزوا القهوة وكنا بالفعل نتفهم صعوبة تخدير القهوة في تلك الظروف ، إلا انهم لم يستسلموا وكانوا مازالوا مصرين في استضافة الشباب بالقهوة . واخيراً حصلوا على قنينة بخاخ معطر الجسم وأشعلوا فيها النار في الغرفة بعيداً عن أعين السجانين وخدروا القهوة وأكرموا بها جميع الأسرى الأحوازيين.
كان هذه الذكرى المختصرة حول مجموعة الفلاحية وكانت هذه المجموعة الثانية بعد مجموعة الملاشية التي شهدت على إختفائها قسراً بعد تنفيذ الإعدام الجائر بحق هولاء المناضلين على يد الجلاد الذي لا يعرف ولا يحترم أدنى المعايير الأخلاقيّة والإنسانيّة، فلا دليل مادّي يثبت إعدام هؤلاء لحد الآن.
الاسير المحرر المهندس غازي مزهر
المصدر : مركز دراسات دورانتاش