الأحواز: الساحة الداخلية وتنشيط العمل الثقافي
الأحواز في مر العقود المنصرمة، شهدت أقسى الظروف جراء الواقع المرير المسيطر عليها بفعل الاحتلال الإيراني وسلطاتها الحاكمة وأدواتها المادية، وهناك صراع يدور بين قوى التغيير التي عملت وتعمل لصالح قضية الشعب العربي في الأحواز، وعوامل السلطة الحاكمة التي تعمل لصالح النظام في إيران. هذا الصراع بين القوى التغيرية والآخر المتماهي بثقافة المسيطر، تدور رحاه في المجتمع المدني، حيث الميدان الأساس الذي تتم فيه هذه المعارك بغية الهيمنة على الرأي العام. هنا تتبين ماهية الأطراف التي تقوم بالعمل ضمن هذه المعركة المصيرية، كما من المعروف أن النشاطات التي تدور في المجتمع المدني ماهيتها الأساسية هي الاستقلالية عن السلطة الحاكمة، لذا ترمي هذه المشاريع إلى تحقيق الأهداف والأغراض المرسومة سياسيا وثقافيا. ما يهمنا بالتحديد هنا الأغراض الثقافية التي نشهدها في الساحة الداخلية بين المؤسسات الثقافية في عموم الوطن، وبما أن الاهتمام الحالي يدور في فلك الاهتمام بالقضايا ذات الصلة بالحريات وحقوق الإنسان والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، على ضوء المقاييس العالمية، فإن الحراك بالداخل جزء منه يهتم بهذه الشؤون.
مفهوم الهيمنة الثقافية أَسس لها من قبل كبير منظري الماركسية، وهو غرامشي الإيطالي، حيث يقول “إن الهيمنة الرأسمالية لا تنبني على القوة والمال والسلطة فحسب، بل على عامل القبول الذي تكوِّنه ثقافة الطبقة الحاكمة في أذهان الناس”. عامل القبول يتم العمل له في المجتمع المدني، حيث تقوم المجموعات المرتبطة بالسلطة المسيطرة على إقناع الناس وكسب رضاهم، أو حرف مسار القضية لقضايا جانبية، فالعمل ضمن المجتمع المدني لهو المجال الحيوي للسلطة عبر ممثليها، لتقوية نفوذها ودعم شرعيتها.
المجموعات الثقافية على مستوى ضعفها أو قوتها في الساحة الأحوازية (الداخل) تاريخيا، قامت بالعمل الجاد لبورة مفاهيم جديدة، مساهمة عبرها في خلق مناخ عروبي في الوطن، وبما أن المؤسسات التعليمية من مدرسة وجامعة، والجرائد وكل وسائل الاعلام هي في خدمة الترويج للسلطة المسيطرة، يبقى المجال مفتوحا في جوانب أخرى، مثل المناسبات الوطنية، المظاهرات، الاحتفالات، وحتى المضيف (الديوانية) هي تشكل جزءا من هذا الحراك. والمساحة الهامة التي يتم بها العمل لصالح الشعب العربي في الأحواز هو الساحة اليومية المعيشية، السوق، الشارع، مع تواجد مؤسسات ثقاقية تعمل ضمن إطار خاص لا يخرج عن الخطوط المرسومة لها سلفا من قبل الجهات الأمنية.
هذه المفاهيم التي أشرنا عليها تتضمن مضامين تتعلق بهوية الوطن العربي، تاريخه، حقوق الإنسان والحياة الكريمة. كما الجانب الاقتصادي لهو الأهم في هذه المعمعة، وما رأينا من حراك حول قضية تجفيف نهر كارون وتباعاتها البيئية والاقتصادية قبل سنة ونيف، والجموع التي تحركت، لهو دليل دامغ على بلورة مفهوم الرأسمال الرمزي حيث يرى بورديو “أن رأس المال الرمزي هو مثل أي ملكية او أي نوع من رأس المال -طبيعي، اقتصادي، ثقافي، اجتماعي- يكون مدركاً من جانب فاعلين اجتماعيين، تسمح لهم مقولات إدراكهم بمعرفتها والإقرار بها ومنحها قيمة“. الفاعلون الإجتماعيون الذين قاموا بالعمل ضمن مجموعات ثقافية أو بصورة مستقلة، كان عملهم ومازال يرمي إلى الهيمنة على الرأي العام في الشارع الأحوازي، ولإعطاء قيمة للوطن والإنسان على ضوء مشاريعهم الثقافية، وفي المقابل تقوم مجموعات أخرى عربية هجينة، بالتزامن بمشاريع تصب في خانة سلطة الأمر الواقع.
هنا تتبين الخطوط التي رسمها غرامشي في المعركة التي سماها (حرب المواقع)، هذه الحرب يقوم بها المثقف الذي يحمل هموم شعبه محاولا التغيير في هذا الوضع المزري، هذا المثقف سماه غرامشي بالمثقف العضوي، فهو يقوم بدور إقناع وتثقيف الجماهير بأحقية حقوقهم المغتصبة، ويحاول قدر الإمكان إقناع الإنسان في هذا الوطنوعبر عمل منظم للخروج والمطالبة بحقوقهم، أو في أقل تقدير، القيام بحراك يحافظ على عناصر البقاء على قيد الحياة. وبالمقابل تقوم مجموعات أخرى بمشاريع تصب في عمق الاستراتيجية الإيرانية في المنطقة العربية، وتدعمها طائفيا، وتتناسى الاضطهاد الواقع عليها (معرض الأهواز بوابة التشيع أنموذجا).
المثقف العضوي في الاحواز نستطيع أن نميزه بواسطة العمل الذي يقوم به في حرب المواقع بينه وبين المجموعات التي تسعى لخدمة سيدها المسيطر، فالهيمنة هنا تأخذ منحى صدامي بين الاتجاهين، كل يسعى للحصول على رأسمال بشري يدعم اتجاهاته بها. الدولة الإيرانية ومن خلال السيطرة على الجانب الأمني، والشرطة، والجيش، والاستخبارات، تحتاج أيضا مجموعات ثقافية عربية لتواجه قوى التغيير في الوطن، هذه المجموعات المرتهنة للسلطة القمعية تأخذ من الفلكلور الشعبي والثقافة العربية في: المهرجانات، قرقيعان، القهوة والفنجان، والقمقم والدلة، والهوسات والرقصات الشعبية، التي خرجت من وظيفتها الفلكلورية ووقعت في شبك قناة الأهواز الطائفية. انحراف القضية نحو قضايا جانبية، درعا لتموه عملها الذي يصب لصالح مشروع النظام الإيراني.
المثقف العضوي الذي تكلم عنه غرامشي دائما يسعى الى التغيير، يبحث عن مشاريع تكون بصميمها في تضاد مع المجموعات التي تروج للسلطة المسيطرة، المثقف العضوي يزرع البذور التي تهدف الى الهيمنة على المجتمع المدني كمرحلة سابقة للوصول الى الاهداف السياسة والسلطة أو السيادة المغيبة.
وبالأخير، وفي ظل الوضع الدولي الذي يهمين فيه منطق القوة والمصالح بين الدول، والتي تغيّب قضايا الشعوب المضطهدة. وفي أقل تقدير، على المجموعات الأحوازية العمل الجاد على بسط الهيمنة الثقافية على الشارع، وعدم إعطاء الفرصة للتنفس للمجموعات المرتبطة بالسلطة، وتشديد حرب المواقع عبر كل آليات العمل المتوفرة.
عادل عبد الرحيم
المصدر: مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث