انتهى زمن نسيان الأحواز المحتلّة!
كنّا نتألم كثيراً ولأبعد الحدود، لما نرى الأحوازيين يتوجّعون لمنتهى الوجع بسبب قضية احتلال بلادهم التي صارت منسيّة رغم مرور ما يقارب قرن من الزمن على غزو إيران لهذا البلد العربي.
في المقابل كنّا نأمل كثيراً جدا، أن يهتم المسلمون والعرب بدولة الأحواز المحتلّة، ويدافعوا عنها في كل المحافل الدولية ويدعّموا المقاومة الأحوازية التي تواجه الغزاة الفرس بالمشانق والبنادق.
هذا الاهتمام لا يكون من أجل تصفية الحسابات مع إيران فقط رغم أنها تتمدد في المنطقة وتدمر الأقطار العربية تباعاً، حتى صارت خمسة عواصم عربية تحت سلطة “الولي الفقيه”، وليست أربعة كما نسمع كثيراً من الذين يتجاهلون الأحواز.
بل يجب أن يحدث ذلك، أولا بسبب عدالة القضية، فهي تتعلق بتصفية استعمار حسب الاصطلاحات الأممية التي لم تلتفت بعد إلى دولة الأحواز المحتلة، كما أن ما يجري على أرضها هي مقاومة للاحتلال، وهي حق مشروع للغاية حسب كل الشرائع السماوية والوضعية والقوانين الدولية.
وثانياً أن القضية الأحوازية هي أخطر سلاح يمكن أن يعيد الفرس إلى جحورهم، فالبلد فيها خيرات وثروات كبيرة تبني بها إيران اقتصادها ونفوذها، كما أن الأحوازيين هم أعرف الشعوب بأسباب الضعف والقوة داخل إيران، ولديهم قدرات لإعادتها داخل حدودها الحقيقية ويبعد مخاطر مشروعها التوسعي على المنطقة العربية والخليج العربي بصفة أخص.
لقد زرت الرياض لأول مرة بحياتي، في يناير/كانون الثاني 2013، وبدعوة من قناة وصال الفضائية، وشاء الله في تلك الفترة أن دعاني الإعلامي السعودي عبدالله آل يعن الله الذي يقدم برنامج “الأحواز المنسيّة”، من أجل المشاركة في حلقة حول هذه القضية التي تغرق في دهاليز النسيان، ولقد سعدت كثيراً أن أقدم لأول مرة في حياتي بعض الكلمات عن شعب يرزح تحت نير احتلال همجي وعنصري لا يحترم أدنى القيم الإنسانية.
منذ ذلك الحين إلى يومنا هذا اقتربت كثيرا من القضية وأهلها الكرام، وقد لاحظت مدى تطور شأن الأحواز بطريقة مذهلة وسريعة، بعدما رفعت إيران من سقف أطماعها، وقد شهدت حراكاً ثورياً متصاعداً في الداخل الأحوازي.
كما أنني شخصياً حضرت مؤتمرات لحركة النضال العربي لتحرير الأحواز، وشاركت في مظاهرات صار يشارك فيها الآلاف ليس من الأحوازيين فقط بل من شعوب أخرى بينها تلك الشعوب غير الفارسية التي تحتلها إيران وبلعت جغرافيتها.
لقد صارت قضية الأحواز تتطوّر بصورة عجيبة وملفتة للانتباه، وبعدما كان الكثير من العرب لا يفرّقون بين الأهواز والأحواز، وكثيرهم لا يسمعون بها رغم أن احتلالها حدث قبل احتلال فلسطين بـ 23 عاماً.
وبعدما كان العرب لا يسمعون عن القضية الأحوازية في وسائل إعلامهم الرسمية وحتى المستقلة، هاهي صارت تشغل الكثيرين وتحولت إلى قضية لدى بعض وسائل الإعلام، وفي السعودية صارت الأحواز تكتب بالبنط العريض في الصفحة الأولى، والفضائيات تتحدّث عن شعب محتل يواجه غطرسة احتلال لا يرحم حتى الشيعة الذين يدّعي الدفاع عنهم والوصاية عليهم في كل العالم، ولكن لما يناهضون المشروع الإيراني تجد طهران تتلذّذ بشنقهم على مرأى الأشهاد.
لقد شاركت في 18 – 19 مايو/أيار الجاري في مؤتمر تضامني مع الشعب الأحوازي، الذي عقدته “حركة النضال العربي لتحرير الأحواز” في لاهاي الهولندية، وأذهلني التطور الكبير الذي يجري مع هذه القضية التي كانت منسيّة وصارت حاضرة بقوة في المخيال العربي والعمل النضالي الدؤوب نحو الاستقلال.
ألقيت كلمة بهذه المؤتمر الذي صادف الذكرى 90 لاحتلال الأحواز، فيها الكثير من النبرات والشذرات الهامة رأيت من الضروري نشرها في هذا المقام الطيب.
في البداية قدمت “شكري الخالص وامتناني الكبير إلى حركة النضال العربي لتحرير الأحواز، على دعوتها الكريمة التي أتاحت لنا شرف المشاركة في مؤتمرها هذا، الذي هو خطوة في سبيل الحرية والاستقلال للشعب الأحوازي.
كما أتقدم بشكري أيضا لكل الحاضرين من مختلف أصقاع العالم العربي والإسلامي، الذين هبّوا لحضور المؤتمر ومشاركة إخوانهم الأحواز في نضالهم الدؤوب حتى تحرير بلادهم التي هي بلادنا جميعاً أيضاً من الاحتلال الإيراني العنصري الاحلالي الغاشم”
كما تحدثت عن تجربتي مع القضية الأحوازية وأعطيت مقاربات ترتبط أساساً مع تجربة الجزائر مع المستعمر الفرنسي:
“لقد شاركت في نشاطات حركة النضال العربي لتحرير الأحواز، من مؤتمرها العام الماضي هنا في لاهاي، إلى مظاهرات في الدنمارك وبروكسل، وهو بلا شك شرف عظيم لي كجزائري أنتمي لبلد المليون ونصف المليون شهيد، أجد نفسي أحد ضيوف حركة تحررية تناضل لتحرير بلد مستعمر منذ 1925، أي بـ 23 عاماً قبل احتلال فلسطين وصناعة كيان عبري صهيوني سموه “إسرائيل”.
لقد علمتنا ثورة التحرير الجزائرية أن الحرية لا تسترد إلا بالقوة والتضحيات الجسام، وعلمتني هذه الثورة التي تعد أبرز ثورة في القرن الماضي، أن الشعوب الحيّة لا تموت أبداً مهما حاول الغزاة عسكرياً وسياسياً وفكرياً وتربوياً واجتماعياً.
فرنسا احتلت الجزائر مدة 132 عاماً من 1830 إلى 1962، منها 125 سنة سبقت اندلاع ثورة نوفمبر 1954 الخالدة، ومارس المستعمر الفرنسي كل أنواع التطهير الفكري والعرقي والديني والسياسي والاجتماعي والجغرافي، وبذل ما في وسعه من أجل محو الهوية الجزائرية من إسلام وعربية وأمازيغية، غير أنه بعد مرور قرن وربع فاجأ الجزائريون الفرنسيين بثورة تجلّت فيها كل قيم الهوية الجزائرية الأصيلة، وثبت للمستعمر أنه لم يفلح أبداً في تحويل الجزائريين إلى فرنسيين رغم سياسة الادماج التي مورست على نطاق واسع.
بل أنه في مجزرة 8 مايو/أيار 1945 حيث أبادت فرنسا حوالي 45 ألف مواطن، تبجّح حينها أحد الجنرالات الفرنسيين، أن الجزائريين لن يتحرّكوا مستقبلا ضد فرنسا، ولكن بعد مرور 9 سنوات فقط اندلعت ثورة أول نوفمبر وبعد سبع سنوات من الكفاح المسلّح أخذت الجزائر استقلالها.
إنها إرادة الشعوب في التحرر التي تفاجئ دائما المحتلين من حيث لا يحتسبون.
شخصياً أرى أن ذلك يتكرّر في الأحواز العربية المحتلّة، حيث أن الاحتلال الإيراني الفارسي البغيض، منذ تسعين عاماً، وهو يعمل على محو الهوية العربية عند الأحوازيين، وذلك بتحويلهم إلى فرس في لغتهم وشيعة صفوية في دينهم، غير أنه لم يفلح بل زاد الأحوازيين اصراراً على الكفاح لتحرير أرضهم وعرضهم.
لقد كنت أعتقد أن الأحوازيين فقدوا لسانهم العربي المبين، ولما شاركتهم في نشاطاتهم لتحرير البلاد تفاجأت من لغتهم العربية التي هي أفضل من شعوب أخرى لم ترضخ للاستعمار الأجنبي بالصيغة التي عانى منها الأحوازيون.
أما على مستوى دينهم فقد حافظوا على إسلامهم ولم تفلح إيران حتى في احتواء كل الشيعة الأحوازيين بحكم وصاية ما تسميه “الولي الفقيه”، وطالما وصلتنا تقارير عن الشيعة الأحوازيين الذين يعلقهم المحتل الفارسي في المشانق ويتلذّذ بإعدامهم أكثر ما يفعل مع غيرهم.
نعم.. لقد حافظ الأحوازيون على لغتهم ودينهم وإيمانهم العميق بأن بلادهم محتلة، وأن الإيراني هو مجرد غازٍ لأرضهم وسوف يطرد يوماً مهما طال الظلم وجثم ظلام المحتل على رقاب الأحرار وسرق منهم أشعة الشمس في رابعة النهار”.
كما أضفت قائلا:
“نحن نعيش مرحلة حاسمة من عمر الأمة العربية والإسلامية، حيث صرنا نشهد ثورات تشتعل هنا وهناك ضد الطغاة الفاسدين، وضد البغاة من تنظيمات فاسدة فكرياً ومنهجياً، وميليشيات إيرانية تعمل على تدمير الوطن العربي، وتمزيقه بحروب طائفية نجسة.
لقد ظنّت إيران أن الأرض العربية قد بسطت لحوافر ميليشياتها في العراق وسورية ولبنان واليمن والأحواز، حتى بدأت فعلياً تتبختر بما تراها عودة لإمبراطورية الفرس والمجوس التي محاها من الوجود الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
نعم.. ظنّت إيران أن محافظاتها لم تعد تلك التي على “جغرافيتها”، بل أنها بعد احتلال الأحواز وبلوشستان، تمكّنت من دمشق عبر نظام نصيري تحوّل إلى مجرد محافظ إيراني عليها.
وتمكّنت من بيروت بتنظيم ما يسمى “حزب الله” الإرهابي.
وتمكّنت من بغداد من خلال مواليها من شيعة العراق الذين فقدوا عروبتهم وهويتهم العراقية وارتموا بكل عمالة في أحضان الفرس المنتقمين.
وتمكّنت من صنعاء عبر ميليشيات الحوثيين الذين سيطروا على عاصمة اليمن السعيد واعتقدوا أن الحكم بسط لهم بما لا خيار سوى الرضوخ والاستسلام، وأن دولة اليمن صارت تحت حوافرهم ودخلت ضمن أطر ولاية الفقيه خامنئي.
بل أن إيران نسيت نفسها تماماً في ظل غرورها ونرجسيتها المستمدة من عقد قومية وتاريخية ودينية وسياسية وجغرافية مما أعماها عن الحقيقة، ولم تعد تعير اهتماماً للشعوب غير الفارسية التي ترضخ تحت احتلال إيراني، وبلغ بها ظنّها الفاسد حتى صارت تتمدّد في دول المغرب العربي الكبير، وتنصب حوزاتها بين الجاليات العربية والإسلامية في أوروبا وأمريكا وبقية القارات الأخرى.
كل ذلك كان مجرد سحابة دخان عابرة، فقد ثار الشعب السوري ضد نظام إيران النصيري، وثار العراقيون ضد عملاء طهران، وثار اليمنيون ضد عصابات الحوثيين، واللبنانيون بدورهم في طريق ثورتهم ضد عصابات حسن نصرالله ومرتزقته.
لم يتوقّف الأمر عند ثورات الشعوب بل أن الدول العربية بدورها بدأت تجمع شتاتها وتتجاوز صمتها وخذلانها تجاه خطر إيراني فارسي دهم على المنطقة بما يدمر ويخرّب الأوطان العربية ويسقط عواصمها تباعاً، وكلما سقطت عاصمة إلا واقترب العدو الصفوي من الحرمين الشريفين في المملكة العربية السعودية.
لقد جاءت “عاصفة الحزم” في وقتها، وهاهي تعيد الحوثيين إلى جحورهم، وتبدأ في تقوية شوكة الشعب اليمني الذي يرفض أن يتحوّل إلى مجرد خدم لدى سدنة وكهنة طهران.
لقد أعادت “عاصفة الحزم” حمرة الخجل إلى وجوه الحكومات العربية والإسلامية، التي جعلت اليأس يتسلل إلى الشعوب، وصار الكثير منهم ينتظرون قدرهم أما غول إيراني تجاوز وحشية المغول وصار لا يرحم من يخالفه في مشروعه الصفوي ولو كان شيعياً من آل البيت رضوان الله تعالى عليهم.
يجب أن تتمدّد عاصفة الحزم وتتعدّد وتتجدّد ولا يتردّد صداها لتشمل كل من سورية والعراق ولبنان والأحواز أيضاً، وتكون تباعاً لتحرير الوطن العربي والإسلامي من مشروع إيران التدميري”.
وأيضا قلت:
“إن كانت سورية هي مقبرة غزاة وبغاة إيران، فإن الأحواز هي المشنقة لدولة الفرس العنصرية، ولذلك إن أراد العرب مواجهة ملالي طهران وتحطيم مشروعهم عليهم بدعم ثورة الأحواز التحررية والعادلة حسب كل الشرائع السماوية والبشرية والقوانين الوضعية والمواثيق الدولية.
إن كان الحوثيون هم مجرد ذراع من أذرع الأخطبوط الإيراني الجاثم على المنطقة، فإن رأسه هو في الأحواز. وإن تمّ بتر ذراع الحوثيين في اليمن من دون ذراع النصيريين في سورية والإثنا عشريين في العراق ولبنان، فلا بد من ضرب عنقه في الأحواز حتى ينتهي هذا الأخطبوط، ودون ذلك سيلملم نفسه بل سيزداد وحشية بسبب جرحه الغائر”
وأيضا ذكرت الحضور الكرام:
“يجب علينا أن نقف وقفة رجل واحد مع كل من يواجهون إيران سواء في الأحواز أو سورية أو العراق أو لبنان أو اليمن، فالقضية واحدة والعدو واحد والغاية بلا شك هي نفسها، فالتحرر لا يقبل التجزئة وإن كان يحتاج إلى مرحلية وتدرج في معالجة هذا السرطان الخبيث الذي ينتشر في جسد العرب والمسلمين، وما يخدم غير كيان آخر يحلم بدولة تمتد من الفرات إلى النيل وسيتحقق له ما يريد إن سكت العالم العربي عن مشروع إيران التخريبي”.
وفي الأخير خاطبت الحاضرين من مختلف الجنسيات الذين غصّت بهم القاعة فقلت لهم:
“أعتذر على الإطالة بعض الشيء، فالوجع عميق والخطر أعمق مما نتصوره، ولكن يبقى أملنا في الله سبحانه أولا ثم في الشعوب الحيّة الحرّة التي ستبقى تناضل حتى تتحرر من الطغاة والبغاة والغزاة.
وما يسعني في الأخير إلا أن أطمئن أهلنا في الأحواز الذين يواجهون وحشية المحتل الإيراني بعزم وحزم، بأننا معهم إلى آخر رمق من أعمارنا، فقضيتهم قضيتنا، وقضية كل الأمم التواقة للعدالة الإنسانية وحق تقرير المصير، وسنبقى نذود عن حماها بكل ما أوتينا من قوة.
بوركتم أيها الحضور الكرام وبوركت مساعيكم وبورك ممشاكم وتبوأتم من الأحواز الحرة المستقلة مقعدا، عاجل غير آجل بإذن الله تعالى”.
وللحديث بقية.
أنور مالك
المصدر: الخليج اونلاين