الأحواز المنسية.. تاريخ من النضال ضد التغريب الفارسي
الأحواز أو الأهواز “بحسب ما تنطق بالفارسية” هي السد المنيع والجبهة الأمامية ضد التدخلات الفارسية في المنطقة العربية.
وتعتبر الضفة الشرقية للخليج العربي، وتكمن أهمية القضية الأحوازية في توضيح الأطماع الإيرانية في العالم العربي، ومن ثم فهي تشكِّل ورقة ضغط على إيران، وخاصة فيما يتعلق بتدخلاتها في الشأن العربي الداخلي.
جغرافية الأحواز
يبلغ تعداد سكان الأحواز 5 ملايين شخص من العرب الأصليين في وطن تبلغ مساحته 528 ألف كيلومتر مربع، يمتد من مضيق باب السلام أو ما يسمى هرمز إلى العراق.
عروبة “الأحواز” لم تكن وليدة ظرف تاريخي معين، بل ترجع في أصولها إلى الفترة “العيلامية”، التي كانت أول حضارة نشأت في هذه البقعة بعد حضارة بلاد الرافدين بنحو مئتي سنة، وفيه استقرت قبائل عربية جاءت في هجرات متتالية قبل الإسلام وبعده.
لقد أطلقت الدولة الصفوية على إقليم الأحواز قبل 5 قرون اسم “عربستان”، غير أن السلطات غيرت الاسم إلى خوزستان، كما غيرت الأسماء العربية لمدن الإقليم إلى أخرى فارسية منذ عام 1936 في عهد الشاه رضا بهلوي، الذي خلع حاكمه، الشيخ خزعل الكعبي، وفرض السيطرة الإيرانية على الإقليم منذ عام 1925.
وقد وردت لفظة الأهواز في أشعار العرب فنجد جريراً يقول في أحد الأبيات:
سيروا بني العم فالأهواز منزلكم *** ونهر “تيري” ولم تعرفكم العرب
– تفريس الإقليم
وتبقى الأحواز اسماً عربياً لهذا القطر حتى عهد “إسماعيل الصفوي”، وربما في عهد ابنه “طهماسب” حين أطلق الفرس عليه “عربستان” ويعني ذلك إقليم العرب؛ لأن كلمة “ستان” تعني بالفارسية “القطر” أو “الإقليم”.
ومهما اختلفت الآراء في هذه التسميات فهي تشير إلى أصل الإقليم وسكانه العرب الذين يكونون الأغلبية، وهو دليل اعتراف من الفرس أنفسهم بعروبة هذه المنطقة وعدم تبعيتها لدولتهم.
ورغم محاولات الفرس للحيلولة دون إظهار الروابط المشتركة بين سكان ضفتي شط العرب، فإنهم أخفقوا أمام وحدة التاريخ والوحدة الجغرافية وكذلك وحدة اللغة؛ وهناك العديد من الكتب التاريخية استخدم كتابها الفرس أو الإيرانيون التسمية الحقيقية للإقليم، وهي “عربستان” مثل: حبيب السير لـ”خواند مير”، وتذكرة شوشتر لـ”القاضي نور الدين شوشتري”، وسفرنامه لـ”نجم الملك”، وغيرها الكثير من المصادر التاريخية وكتب الرحالة.
أما “خوزستان” فهو الاسم الذي أطلقه الفرس على الإقليم، وهو يعني بلاد القلاع والحصون تلك التي بناها العرب المسلمون بعد معركة القادسية، وسمي به الإقليم مرة أخرى بعد الاحتلال الفارسي بأمر من رضا شاه عام 1925م.
– سايكس بيكو .. اتفاق تمزيق العالم الإسلامي
اتسمت السياسة البريطانية، ومن بعدها الأمريكية، بتنشيط إيران وتقويتها في مواجهة المد الثوري العربي؛ فمنحتها بريطانيا صلاحيات للتدخل غير المباشر في شؤون بعض الدول العربية؛ خوفاً من تحالف إيراني روسي عقب نجاح الثورة البلشفية في روسيا، فتنازلت عن الأحواز لمصلحة الفرس عقب اتفاقية سايكس بيكو، وبذلك أظهر الإنجليز غدراً بتعهداتهم الكثيرة بحماية الأحواز.
– محو الهوية العربية
المنظمة الإسلامية السنية الأحوازية حذرت، مراراً، من أن السلطات الإيرانية تعمل على دعم الاستيطان الإيراني وتشجيعه في الأحواز، بل تعمل على تهجير أبناء الشعب الأحوازي إلى العمق الإيراني بحجج شتى منها الاقتصادية.
وفي بيان سابق لها، حذرت من تغيير الطبيعة الديموغرافية للخليج العربي بشكل عام، والأحواز بشكل خاص لمصلحة إيران، قائلةً إن الحكومة الإيرانية هجرت ما يزيد على 35 عائلة أحوازية من بيوتهم في مدينة المحمرة قسراً، وشرعت في بناء أكبر مصنع لإنتاج الصلب والحديد بتكلفة 808 ملايين دولار أمريكي على مرحلتين، كما شرعت في جلب 5000 مستوطن إيراني للعمل في المصنع.
– الأهمية الاقتصادية
يضم إقليم الأحواز نحو 85% من النفط والغاز الإيراني، و35% من المياه في إيران، كما تعد أراضيه من أخصب الأراضي الزراعية في الشرق الأوسط، حيث تجري هناك 3 أنهار كبيرة هي كارون والكرخة والجراحي.
وتتهم المعارضة العربية الأحوازية حكومة طهران بحرمان السكان العرب من هذه الخيرات الطبيعية؛ مما يجعل البعض يصف الشعب الأحوازي بأنه أفقر شعب يسكن أغنى أرض خصوبة وخيراً.
– التعتيم على القضية
رغم نضال امتد لأكثر من تسعة عقود، لا تزال الحكومات الإيرانية تمارس أعتى ألوان القمع ضد الشعب الأحوازي، فوصل القمع من تجفيف الروافد العلمية وغلق المراكز الثقافية وعدم تدريس اللغة العربية، حتى الإعدام للنشطاء.
وشهدت الأحواز عمليات تغيير وتغريب لطابعها العراقي العربي، ومن أهم العوامل تحريم التحدث باللغة العربية في الأماكن العامة، واستعمال اللغة الفارسية، وأن تكون مناهج الدراسة في المدارس باللغة الفارسية فقط ولا يجوز التحدث بأي لغة أخرى، ومنع قراءة القرآن الكريم، ومنع تسمية المواليد بأسماء عربية، ومنع ارتداء الزي العربي، وفرض التجنيس والتجنيد الإجباري، واستبعادهم من المناصب الرفيعة في الدولة، ثم وصل الأمر إلى التهجير الجماعي واغتصاب الأراضي العربية وزرعها بمستوطنات فارسية.
– تحركات لخلق جبهة ضد إيران
يقول حبيب أسيود؛ أمين سر حركة النضال العربي لتحرير الأحواز، إن الأحواز وبحكم ارتباطها الثقافي والتاريخي والمصير المشترك الذي يربطها بالمنطقة العربية، فإنها تتأثر بكل ما يجري فيه، حيث شهدنا تأثير الربيع العربي على نضال شعبنا الأحوازي وتصاعده ضد الاحتلال خلال السنوات الماضية؛ لذا فإن هذا التصعيد يأتي نتيجة استمرار نضال الشعب العربي الأحوازي ضد دولة “الاحتلال الفارسي”، بحسب تعبيره، لنيل حريته واسترجاع سيادته من الهيمنة الفارسية.
ويضيف أسيود أن الثورة السورية والعراقية والأحداث في اليمن والبحرين كشفت أبعاد المشروع التوسعي الفارسي ضد العرب، وساعد هذا الأمر على انفتاح العرب على القضية الأحوازية إعلامياً وسياسياً.
ويسعى الأحواز، في الفترة القادمة، إلى التنسيق أكثر مع باقي الشعوب غير الفارسية وتوسيع العمل المشترك مع أحزاب تلك الشعوب لخلق جبهة موحدة ضد الاحتلال الفارسي، فضلاً عن السعي لكسب المزيد من الدعم السياسي والإعلامي العربي لقضيتنا العادلة، بحسب ما قال أسيود.
– الأحواز وعاصفة الحزم
وشهدت الأيام الماضية مظاهرات شارك فيها عدد كبير من المعلمين في منطقة الأحواز، رغم التنكيل والتهديد الذي وجهت به من قبل الحكومة الإيرانية في طهران؛ احتجاجاً على تردي أوضاعهم المعيشية.
وسعى الأحوازيون إلى ربط احتجاجاتهم ضد ممارسات النظام الإيراني بالأحداث الجارية في المنطقة، فيقول الناشط الأحوازي، هادي محمد جواد، الذي قضى عدة سنوات في سجون النظام الإيراني، ويقيم في أوروبا حالياً، في تصريح خاص لموقع “الخليج أونلاين”، لقد “زادت عملية عاصفة الحزم العربية مؤخراً من وتيرة الاحتجاجات التي تعود جذورها إلى ثمانينات القرن الماضي، كنتيجةٍ للتأثير المباشر للعملية على الشارع الأحوازي الذي ما يزال ينتظر دعم إخوانه”.
ويطالب الأحواز حالياً الإعلام العربي بالاهتمام بقضيته، وفتح قنوات اتصال لتعريف العالم العربي والإسلامي بأهميتها، فضلاً عن كون القضية الأحوازية يمكن استخدامها ورقة ضغط قوية ضد إيران.
محمد عبود
المصدر: الخليج اونلاين