خاصرة الخليج.. الأحواز والأمن القومي العربي
يؤرخ البعض لتنامي الخطر الإيراني وتهديده للمنطقة العربية بنجاح ثورة الخميني أواخر سبعينيات القرن الماضي، وبدء حديث ملالي إيران آنذاك عما يُسمى بتصدير الثورة.
كان شعار تصدير الثورة الذي رفعه الخميني يعني بسط نفوذ إيران الشيعية داخل بلدان المنطقة العربية.
يرى مفكرون أيضًا أن أول حرب خاضتها إيران تحت قيادة الخميني، كانت لاستهداف الجارة السنيّة، العراق.
فالخميني خاض حربًا من أطول حروب القرن العشرين ضد العراق، أطلق عليها مسمى ديني وهو “الدفاع المقدس″، وحشد كل جنوده على الجبهة ليخوضوا قتالاً شرسًا بصحبة رجال الدين الشيعي، في مشاهد ذات مغزى حول طبيعة الحرب الدينية الطائفية التي حشدت لها إيران.
إبان الحرب، كان صدام حسين حريصًا على ضرب إستراتيجية إيران في مقتل، عبر أحد أخطر المناطق التي تهدد إيران بشكل حقيقي.. إقليم الأحواز.
في خضم الحرب، نجحت القوات العراقية في إحراز تقدمها الأخطر نحو شمال الأحواز
حيث استطاعت عبور نهر شط العرب والتقدم شرقًا، ثم أكملت عبورها لنهر قارون حتى نجحت في دخول مدينة المُحَمَّرَة عاصمة الأحواز العربية المحتلة.
قلب ذلك التقدم حسابات المعركة لصالح العراق، وتقهقرت القوات الإيرانية لحين تنظيم صفوفها، بعدما أوشكت على خسارة الحرب.
استمرت الحرب بعد ذلك طوال ثماني سنوات، حتى قبل الخميني على مضض وقف إطلاق النار.
لكن واقعة توغل القوات العراقية إلى الأحواز، ظلت درسًا هامًا يتناقله خبراء الإستراتيجية العسكرية في سياق الحديث عن أهمية إقليم الأحواز في تأمين المنطقة العربية ذات الأغلبية السنيّة من التطرف الشيعي القادم من إيران.
واللافت أن أولى محاولات الخميني للتوسع في المنطقة، جاءت بدعم إسرائيلي، فقد دعم الكيان الصهيوني ملالي إيران في الحرب ضد العراق كوسطاء يعقدون الصفقات مع الدول الغربية لإمداد إيران بما تحتاجه من المؤن والعتاد.
ففي عام 1980 باعت تل أبيب لطهران صفقة أسلحة قيمتها 500 مليون دولار، شملت قطع غيار لطائرات الفانتوم، وفي الأعوام التالية تزايدت صفقات البيع بين الطرفين عبر تجّار سلاح صهاينة.
وقالت بعض الأوساط السياسية إن شحنات الأسلحة الإسرائيلية التي تلقتها الجمهورية الإسلامية خلال حربها مع العراق جاءت في إطار صفقة نجحت من خلالها تل أبيب في تهجير حوالي 55 ألف يهودي إيراني إلى إسرائيل.
وحين كُشفت فضيحة تعاون إيران وإسرائيل، ظهر أيضًا تورط إدارة الرئيس الأمريكي آنذاك رونالد ريجان ونائبه جورج بوش الأب.
فقد سهّل سياسيون وعسكريون بارزون في إدارة ريجان عمليات تسليم السلاح الأمريكي إلى إيران عبر إسرائيل، واستمر الدعم العسكري من إسرائيل وأمريكا لإيران في حربها ضد العراق حتى كشفت الصحافة أمر الفضيحة التي عُرفت فيما بعد باسم فضيحة إيران كونترا.
كشف الحرب العراقية الإيرانية وفضيحة إيران كونترا عن تلاقي أطماع إسرائيل في المنطقة مع أطماع إيران، فبينما تمدد الكيان الصهيوني في بلاد الشام وشمال إفريقيا، سعت إيران للتمدد في العراق وملاقاة حليفتها إسرائيل على هضبة الجولان في سوريا وعلى حدود جنوب لبنان.. ما جعل كثيرين لا يفرقون بين مشروع إيران التوسعي ومشروع الكيان الصهيوني المشابه له إلى حد كبير، فكلا المشروعين يستهدفان الأمن القومي العربي.
* * *
كانت الأحواز إمارة عربية تتمتع بحكم مستقل حتى عام 1925 عندما احتلتها إيران.
قبل احتلال الأحواز، لم يكن لإيران منفذ على الخليج العربي، لكن بعد الاحتلال أصبحت إيران تطلق على الخليج العربي مسمى “الخليج الفارسي”.
ورغم أن ضفتي الخليج العربي يقطنها العرب منذ قديم الأزل، إلا أن الدولة الإيرانية تصر على تسميته بالخليج الفارسي وهذا يعني بمفهوم آخر حق إيران التاريخي في الخليج العربي ودوله.. بالتالي كانت تلك أولى الضربات التي تلقتها دول المنطقة جراء احتلال إيران لإقليم الأحواز.
لم تطلق إيران على الخليج اسمًا فارسيًا إلا بعدما عمدت لتنفيذ سياسة تفريس واسعة لإقليم الأحواز العربي، شملت الثقافة والهوية وأسماء المواليد ومناهج التعليم بل وحتى أسماء المحلات التجارية.
* * *
بنظرة سريعة على خريطة إيران، يمكن ملاحظة سلسلة جبال زاكروس التي تفصل بحدود طبيعية واضحة بين الوطن العربي وبلاد فارس.
وبالتالي كان احتلال الأحواز، يعني فصلها عن محيطها العربي من قِبل الاحتلال الإيراني، وهو ما يعني وفق المتخصصون أن نظرية الأمن القومي العربي قد تعرضت لأكبر تهديد بضياع الأحواز، فهي تمثل ثغر الأمة العربية وبوابتها الشرقية، ولا يمكن أن يتحقق الأمن العربي من خلال بوابة منتهكة ومحتلة، فجبال زاكروس الوعرة مثلت عبر التاريخ سدًا طبيعيًا منيعًا ضد أي اختراق يحدث من الشرق، وكان التهديد الإيراني حبيسًا خلف سلسلة جبال زاكروس، لكن باحتلال الأحواز، فُتحت بوابة العرب الشرقية أمام الملالي المتطرفين الذين سيطروا عبرها على مجمل الجهة الشرقية للخليج العربي، ثم أصبحت منطلقًا يهدد العراق حتى نجح الغرب بالتعاون مع إيران في احتلال العراق، فكان الأحواز الثغرة التي دخل منها الخطر الإيراني إلى العراق وتمدد إلى بلدان الخليج العربي، حتى وصل إلى حدود السعودية.
وتسبب صمت العرب على احتلال الأحواز في تبجح إيران ومطالبتها بمملكة البحرين، بعدما احتلت جزر الإمارات الثلاث وأصبحت قادرة على تهديد دولة الإمارات بشكل دائم.
كان الأحواز هو الجزء المكمل للهلال الخصيب العربي، وبضياعه، فُتحت ثغرة تسلل منها الإيرانيين إلى باقي البلدان العربي، ما ضرب نظرية الأمن القومي العربي في صميم قوتها.
* * *
منذ اكتشاف النفط في الأحواز عام 1908م ، وبعد ذلك اكتشافه في العراق وبعض دول الخليج، حاولت بريطانيا الانفراد بتلك الثروة الهائلة من خلال سيطرتها على المنطقة بكاملها، ثم تطور الصراع بدخول أطراف عدة لمحاولة حجز حصتها من الثروة النفطية.
لم تكن إيران غائبة عن هذا الصراع بل كانت ولازالت أحد اللاعبين الأساسيين فيه، فعرضت خدماتها لمن يريد السيطرة على المنطقة بشرط السماح لها بالمشاركة ونيل حصتها.. وتقاسمت إيران في عهد الشاه ثروات الأحواز النفطية مع الاحتلال البريطاني، كما ساعدت الولايات المتحدة وحلفائها في احتلال العراق عام 2003 ، ثم شاركت الاحتلال في نهب ثروات العراقيين، ووصل الأمر إلى احتلال القوات الإيرانية آبار نفطية في العراق مثل واقعة حقل الفكّة الشهيرة.
وظل النفط في بقية دول الخليج العربي محط أطماع إيران، فسعت لتشديد قبضتها على مضيق هرمز الإستراتيجي، المنفذ البحري الوحيد لدول الخليج العربي، وأكملت سيطرتها عليه باحتلال جزر الإمارات الثلاث، وصار ورقة ضغط في يدها لابتزاز دول المنطقة.
وهددت إيران مرات عديدة بإغلاق مضيق هرمز، وهذا التهديد يعني أن أكثر من 90% من صادرات نفط الخليج التي تنقل على ظهر ناقلات البترول ستتوقف، ما يعني أن أكثر من 55% من تجارة البترول سوف تتجمد في العالم لو نفذت إيران تهديدها بإغلاق المضيق، الذي دأبت على إجراء مناورات عسكرية فيه كنوع من استعراض القوة وإثبات قدرتها على تنفيذ تهديداتها.
لم يتوقف خطر إيران عند هذا الحد، حيث قامت بدعم ميليشيات شيعية سعت للسيطرة على مضيق باب المندب الإستراتيجي لتهديد أمن مصر القومي، ودعمت بعض العناصر في المنطقة الشرقية بالسعودية الغنية بالنفط.
وبحصول إيران على كل تلك الأوراق الهامة، لم يجد معممو الشيعة حرجًا من تهديد البلدان العربية بشكل واضح وصريح.
في خضم تلك التهديدات المباشرة، افتقرت الدول العربية لرؤية إستراتيجية تتيح لها تحجيم الخطر الإيراني، الذي أطل على المنطقة بعد احتلال الفرس للأحواز العربية، وتسلل إلى داخل المنطقة، وهيمن على أجزاء حيوية منها.
* * *
بعد احتلال الأحواز، باتت الخليج العربي من جهة الشرق خاضعًا لهيمنة إيران، وأصبح اقتصاد دول الخليج مهددًا بشكل مستمر، الأمر الذي حدا بكثير من الخبراء العسكريين للحديث عن ضرورة إخراج إيران من المعادلة السياسية في المنطقة، من خلال دعم الثوار داخل الأحواز المحتلة، كخطوة شديدة الأهمية على طريق مكافحة الخطر الشيعي في المنطقة وإرجاع إيران إلى داخل حدودها التاريخية.
فإيران لم تكتفي بالتحكم في حركة التجارة بين دول الخليج والعالم، بل تهدد جيرانه جراء طموحاتها التوسعية، فالخليج العربي مسطح مائي صغير نسبيًا لا يسمح ببناء مفاعلات نووية على سواحله، ما يجعل مفاعلات إيران النووية في بوشهر مصدر تهديد مباشر لأمن الشعوب العربية القاطنة على ضفتي الخليج.
لكن الخطر النووي ليس التهديد الوحيد القادم من إيران، بل هناك تهديدًا يطال الأمن الغذائي لدول الخليج أيضًا.
نظرًا لثرواته المائية الكبيرة، فإن المساحة الصالحة للزراعة في الأحواز تبلغ أكثر من 90% من إجمالي أراضي الإقليم.
وتمتد في الأحواز عددًا من الأنهار التي تنبع من جبال زاكروس، فلا تواجه الأحواز أي مشكلة من ناحية الأمن المائي الذي يهدد عددًا من الدول العربية بما فيها مصر وسوريا والعراق.
وبالمقابل فإن الدول العربية على ضفة الخليج الغربية تعاني من مشكلة في المياه ومن قلة المحاصيل الزراعية بسبب عدم صلاحية التربة، وبالتالي ولسهولة النقل فإن الأحواز جغرافيًا هو سلة غذاء الشعب العربي في منطقة الخليج العربي.
وبحسب خبراء الأمن الغذائي فإن ترك الأحواز تحت الاحتلال الفارسي يجعل مستقبل الأجيال القادمة في دول الخليج مهددة، ولا تملك إلا الاعتماد على إيران في سد حاجاتها الغذائية، ما يضمن لإيران مزيدًا من الهيمنة على دول المنطقة.
* * *
ولا يقتصر التهديد الإيراني على التحكم في غذاء دول الخليج وتجارتهم ومناخهم، بل يمتد ليطال التركيبة السكانية أيضًا.
فنسبة المقيمين الفرس والتابعين للمرجعية الفارسية من العرب في دول الخليج العربي أصبحت أكثر بكثير من نسبة العرب السنّة.
يتضح ذلك في عدة دول مثل الإمارات العربية والكويت والسعودية.. أما العراق فقد حصل أكثر من مليوني فارسي على الجنسية العراقية بعد الاحتلال الأمريكي مباشرة.
كما أن إيران تستقطب العرب السنة في دول مثل سوريا التي أصبحت وكأنها محافظة إيرانية بعد اجتياح المليشيات الشيعية للبلاد في أعقاب ثورة الشعب السوري ضد نظام بشار الأسد الموالي لإيران.
كما نجحت إيران في إحكام السيطرة على غالبية الشيعة في لبنان، وشكلت كتلة حرجة تأتمر بأوامر المرشد في إيران.
في مقابل هذا التمدد الواسع للثقافة الفارسية في المنطقة، فقد تناست الحكومات العربية أن هناك أكثر من ستة ملايين عربي أحوازي تحاصرهم إيران وتعمل على تفريسهم وطمس هويتهم بشكل ممنهج، كي تستخدمهم في تحقيق أطماعها وإنشاء خط من الموالي لها على طول ساحل الخليج، بدلاً من أن تسعى الحكومات العربية لدعم قضيتهم، والاستفادة من الكتلة الأحوازية العربية التي تشكل حزام سكاني آمن لحماية حدود الأمة العربية الشرقية.
* * *
كان وجود إقليم الأحواز في قلب منظومة الأمن القومي العربي، داعيًا لبعض الحركات أن تثير تلك القضية مرارًا.
في منتصف شهر يونيو عام 2014 ، عقدت حركة النضال العربي لتحرير الأحواز، مؤتمر هام، لفت النظر لقضية الأحواز وارتباطها بالأمن القومي العربي.
شهد المؤتمر مشاركة كبيرة من وفود تضم شخصيات عربية وأحوازية بارزة، وتحدث المجتمعون حول دور إقليم الأحواز المحتل في الدفاع عن المنطقة العربية وحماية أمنها القومي.
سلط المؤتمر الضوء على أهمية الدور الأحوازي في مواجهة الخطر الفارسي المتربص بالمنطقة والساعي لتنفيذ مشروع توسعي يمثل خطر داهم على البلدان العربية.
قدّم المؤتمر آنذاك قراءات للوضع الأحوازي ومن ثم التوصيات اللازمة لمنع إيران من طمس الملامح العربية لمنطقة الأحواز وتحويل هذه المنطقة الاستراتيجية المطلة على ساحل الخليج إلى منطقة فارسية في إطار المخطّط الإيراني الذي يستهدف الأمن القومي الخليجي العربي.
وطالب المؤتمر في توصياته بدعم الثورة الأحوازية ومواجهة المشروع الفارسي العدواني الذي يهدف إلى زعزعة استقرار وأمن المنطقة العربية، والتركيز على دور الإعلام كسلاح هام في دعم القضية، جنبًا إلى جنب مع الكتّاب والمثقّفين العرب لإبراز أهمية الأحواز للأمن القومي العربي المهدد من الدولة الفارسية.
كما طالب المجتمعون بضرورة توفير فرص الدراسة لأبناء الأحواز في المعاهد والجامعات العربية لمواجهة سياسة التجهيل التي يمارسها المحتل الإيراني ضدهم، هادفًا إلى طمس الهوية العربية في الأحواز.
كما دعا المجتمعون لتبني القضية الأحوازية في المحافل الدولية وفي أوساط المنظمات المهتمة بحقوق الإنسان في العالم، بالإضافة إلى تشكيل لجنة عربية تنشط في دعم القضية الأحوازية ومتابعة مستجداتها.
كما طالب المؤتمر بالعمل على تبني مشروع قومي عربي إسلامي لمواجهة المشروع الفارسي الصفوي.
ولم يكن هذا المؤتمر هو الوحيد الذي شدد على أهمية الأحواز للأمن القومي العربي.
ففي مطلع يناير عام 2011 ، عُقِد في العاصمة المصرية القاهرة مؤتمرًا حاشدًا لنصرة الشعب الأحوازي، نظمته هيئات وأحزاب إسلامية من مصر وخارجها بمشاركة شخصيات من مختلف البلدان العربية، وبحضور رسمي تمثل في وجود نائب الرئيس المصري آنذاك.
آنذاك، أكد المؤتمر على ضرورة دعم الشعب الأحوازي، كجزء لا يتجزأ من دعم القضايا العرب ككل، وكان الحضور الرسمي دليلاً على وعي بعض الحكومات العربية بضرورة الاهتمام بقضية الأحواز في إطار منظومة الأمن القومي.
* * *
بدأ الخطر الإيراني من احتلال الأحواز، وبتحريرها تتراجع الأطماع الإيرانية في المنطقة، هذا هو جوهر قضية الأمن القومي وارتباطها بالأحواز وفق خبراء.
وتبدو تلك قضية هامة طالما أصر عليها الناشطين الأحوازيين والسياسيين العرب كلما اجتمعوا لمناقشة القضية الأحوازية.. فالأحواز يرتبط تاريخيًا وجغرافيًا بالمنطقة العربية، والدفاع عنه والمطالبة بتحريره من الاحتلال قضية لا تقل في أهميتها ولا محوريتها عن القضية الفلسطينية.
أحمد شعبان
المصدر : موقع مركز الأئمة
تذكير قام موقع أحوازنا بتصحيح بعض المعلومات أو الأسماء غير الصحيحة التي جائت في التقرير وهي:
1-تم تغيير”خوزستان” إلى شمال الأحواز
2- تم تغيير مصطلح الحكم الذاتي إلى حكم مستقل
كذلك لابد من الإشارة إلى أن عدد سكان الأحواز يبلغ 12 مليون نسمة