مشروعية حق تقرير المصير للشعب الأحوازي، وبطلان فرضية ” عدم تغيير الحدود”
الوضع القانوني في المواثيق الدولية والقانون الدولي
مخطط البحث:
مقدمة
أولاً- الأحواز و مبدأ تقرير المصير:الأساس القانوني لبطلان فكرة ” عدم تغيير الحدود”.
١- الحراك الثوري الأحوازي: الرغبة الجماهيرية، وبطلان مقررات ميثاق الأطلسي.
٢- الحراك السياسي امتداداً للحراك الثوري.
ثانياً- الأحواز و مبدأ تقرير المصير استناداً لقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة:
١- الأحواز و حق الانفصال في إطار العهد الدولي للحقوق السياسية.
٢- الأحواز وحق تقرير المصير الاقتصادي في إطار العهد الدولي للحقوق الاقتصادية.
خاتمة
مقدمة
تأخذ القضية الأحوازية جانباً مهماً في إطار حق الشعب الأحوازي بتقرير المصير، بل وتتأكد هذه المشروعية من خلال المبدأين الأساسيين لهذا الحق، وهما ” الحق بالتحرر من الاستعمار” و” الحق بالانفصال عن الدولة الأم”، اللذين قررتهما المواثيق الدولية و فقه القانون الدولي المعاصر. فقد شكل ” الحق بالتحرر من الاستعمار” حقاً متأصلاً يشرعن الحق في المقاومة بجميع الوسائل استناداً لميثاق الأمم المتحدة. بينما شكل ” الحق بالانفصال” أحد أهم المبادئ الأساسية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي اقترن بمدى مشروعية امتثال الدولة الأم لقرارات الأمم المتحدة المعنية بحفظ السلم والأمن الدوليين.
لقد تضمن ميثاق الأمم المتحدة كما الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين للحقوق الاقتصادية والسياسية؛ نصوصاً صريحة اعتبرت أن حق الدفاع المشروع من أجل التحرر هو حق لا يمكن أن يسقط بالتقادم المكسب للحق، لسبب وحيد مؤداه أن الحق في التحرر يعد من القواعد الملزمة الآمرة في القانون الدولي، بينما يعتبر الحق في الانفصال عن الدولة الأم من الحقوق المكتسبة، التي تعطي مجموعة معينة من السكان في إطار الدولة الأم الحق في الانفصال عن الدولة الأم، لأسباب تتعلق باختلاف وتمايز هذه المجموعة دينياً أو عرقياً أو ثقافياً، وعدم مراعاة الدولة الأم للحقوق السياسية والاقتصادية والثقافية لهذه المجموعة، وقد اعتبر ميثاق الأمم المتحدة أنّ كلا الحقين يشكلان مقدمة فعلية لحفظ السلم والأمن الدوليين.
لقد حالت الكثير من الثغرات القانونية التي تضمنها ميثاق الأمم المتحدة، دون قدرة القانون الدولي بأن يشكل المرجعية القانونية لعودة الحقوق المتأصلة للأفراد والدول والجماعات، بسبب واقعية العلاقات الدولية، التي ربطت تطبيق ميثاق الأمم المتحدة بالمصالح الذاتية لهذه الدول، الأمر الذي انعكس على دور الأمم المتحدة في حفظ السلم والأمن الدوليين، بل وأصبحت هذه الإشكالية مقدمة لصراعات بين الدول الأقوى (الحلفاء دائمي العضوية داخل مجلس الأمن الدولي)، دفعت ثمنه البشرية أكثر مئة حرب منذ تأسيس الأمم المتحدة ١٩٤٥، كما أثبتت عدم قدرة المنظمة الدولية في استعادة الحقوق المشروعة للكثير من الشعوب، التي مازالت تعاني من احتلالات تاريخية، أو تهميش لمكونات بعينها.
في قمة الألفية المُنعقدة في الأمم المتحدة في سبتمبر / أيلول عام ٢٠٠٠ ، اعترفت الدول في هذه القمة بحقوق الإنسان، كأساس لا يمكن استثناؤه لإيجاد عالم يسودهُ السلام والعدل، مؤكدين مسؤوليتهم المشتركة في دعم حقوق الإنسان على المستوى العالمي والمحافظة على نصوصها من التهميش والضياع، وخلق مستقبل مُشترك لجميع شعوب الأرض، وأيضاً احترام الالتزامات الناشئة عن المعاهدات وغيرها من مصادر القانون الدولي.
ووفقاً للمبادئ المُعلنة في ميثاق الأمم المتحدة الذي صدر بمدينة سان فرانسيسكو في ٢٦/ حزيران/١٩٤٥، شكل الإقرار لجميع الشعوب بحق تقرير مصيرها، وحقها الطبيعي المتأصل بالكرامة والحقوق الثابتة والمتساوية، على أساس الحرية والعدل والمساواة والسلام في العالم، لتحقيق سُبل جديدة تُحدد فيها كيف تكون شعوبًا مُوحدةٌ ومُتماسكة حتى وإن كانت مُنقسمة في العادات والتقاليد والمعتقدات والمصالح. وأيضا لتحقيق المثل الأسمّى والمشترك الذي ينبغي أن تبلغهُ كافة الشعوب، والمُتمثل في إن يكون جميع البشر أحراراً ومُتساوين في الكرامة والحقوق وفقاً للإعلان العالمي لحقوق الإنسان ١٩٤٨.
أولاً- الأحواز و مبدأ تقرير المصير:الأساس القانوني لبطلان فكرة ” عدم تغيير الحدود”.
لم يجد مبدأ تقرير المصير تطبيقهُ الفعلي إلا في بيان الاستقلال الأمريكي المُعلن في ٤/تموز/١٧٧٦، وبعدها أقرت به الثورة الفرنسية في ١٧٨٩ م، كما ضمنهُ الرئيس الأمريكي ولسن (Wilson) في نقاطه الـ ١٤ التي أعلنها بعد الحرب العالمية الأولى، وقد لعب هذا المبدأ دوراً مُهمًا في تاريخ القانون الدولي. وقد عرّف فقهاء القانون الدولي حق تقرير المصير بأنهُ: ” حق أي شعب في أنْ يختار شكل الحكم الذي يرغب العيش في ظله والسيادة التي يريد الانتماء إليها”. باعتبار أن السيادة ركن أساسي من أركان تقرير المصير.
أخذ مبدأ حق تقرير المصير مكانة مهمة في معاهدات الصلح التي عقدت بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى ١٩١٩؛ لكنهُ لم يكتسب القاعدة القانونية الإلزامية في القانون الدولي بدليل التقرير الذي قدمتهُ لجنة الفقهاء بتاريخ ٥/ أيلول/١٩٢٠، بشأن جزر الآند، حيث تضمن:” إقرار هذا المبدأ في عدّة معاهدات دولية لا يكفي لاعتباره من قواعد القانون الدولي الوضعي”، وهو الوضع القانوني ذاته الي انسحب على أمارة الأحواز أبان تلك المرحلة، ما أعطى لبريطانيا التجرأ على إعطاء الأحواز لإيران في إطار التحالفات الدولية أبان تلك المرحلة.
بعد هذا التاريخ حدث تغييراً آخراً في النظام الدولي، انعكس سلباً مرة أخرى على أمارة الأحواز، فقد نص ميثاق الأطلسي المعقود بين الحكومتين الأمريكية والانكليزية الموقع بين الرئيس الأمريكي روزفلت ورئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل في ١٤/ آب/١٩٤١، على حق تقرير المصير، وانضم إليه بعد ذلك الاتحاد السوفيتي في أيلول عام ١٩٤١. وقد نصت المادة الثانية من الميثاق على إن:” الحكومتين لا ترغبان في أي تعديل إقليمي لا يتفق مع الرغبة التي يعربُ عنها السكان المعنيون بحرية تامة”. كما نصت المادة الثالثة منه:” باحترام حق جميع الشعوب في اختيار شكل الحكومة التي تريد أن تعيش في ظلها”. ثم جرى تأكيد هذا المبدأ في تصريح الأمم المتحدة الصادر في ١/كانون الثاني/١٩٤٢، وتصريح يالطا الصادر في ١١/شباط/١٩٤٥، دون الأخذ بعين الاعتبار لبند ” الرغبة التي يعرب عنها السكان المعنيون”، حيث تجاهلت القوتين العظميين الثورات الأحوازية، التي لم تنقطع منذ الأيام الأولى للاحتلال، بل وتجاهل الانكليز ماكانوا شهود عيان عليه، عندما وقف جنود الامير خزعل وحرسه الخاص، الذين كانوا يسمون الغلمان، بوجه سياسة التفريس، وقاموا بثورة سميت باسمهم ” ثورة الغلمان” في ٢٢ يوليو ١٩٢٥ بقيادة شلش، وسلطان، وكانت كرد فعل بسبب أسر الأمير الشيخ خزغل، حيث سيطر الثوار على مدينة المحمرة عاصمة الأحواز آنذاك لعدة أيام، ثم قصفتهم مدفعية الجيش الفارسي بعد أن دمروا الحامية الفارسية في المدينة (1). كما قاد بعدها الشيخ عبد المحسن الخاقاني مع نفر من رفاقه انتفاضة أخرى في المحمرة، شملت مدن أقليم الأحواز الأخرى مطالبين بإرجاع الأمير الشيخ خزعل، الذي أقتيد إلى السجن أثر مؤامرة فارسية.
١- الحراك الثوري الأحوازي: الرغبة الجماهيرية، وبطلان مقررات ميثاق الأطلسي: شكلت الثورات والانتفاضات الأحوازية – التي لم تنقطع – دليلاً قانونياً قاطعاً على مشروعية الحق الأحوازي في حق تقرير المصير، و بطلاناً لمقررات ميثاق الأطلسي، الذي استند على الرغبة الجماهيرية في تقرير هذا الحق، الأمر الذي يؤكد أنّ احتلال الأحواز جاء في إطار المصالح والصفقات السياسية في نأي واضح عن التوصيف القانوني، الذي يشير إلى تأكيد فكرة ” الاحتلال الإيراني” و يتجاهل حق الأحوازيين في تحرير بلادهم، كحق متأصل في فقه القانون الدولي، الأمر الذي يؤكد عدم مشروعية الأساس القانوني لفكرة ” عدم تغيير الحدود التي اتفقت عليها القوى العظمى حينذاك. وتدليلاً على ذلك يمكننا أن نعدد البعض من ثورات الشعب الأحوازي:
– ثورة الحويزة في عام ١٩٢٨: بقيادة الشهيد محي الدين الزئبق، والذي شكل حكومة دامت ستة أشهر، وقـد شاركت في هذه الثورة جميع شرائح الشعب الأحوازي بما فيها النساء، وقد حاصر الجيش الإيراني مدينة الحويزة، ومنع وصول المؤن إليها ثم هاجمها وأخمد تلك الثورة.
– ثورة بني طرف عام ١٩٣٦: أعلنت قـبائل بني طرف الثورة على الحكومة الفارسية، فاستغل رضا شاه هذه الفرصة، ليقوم بتسير جيشاً كبيراً إلى مدينة الخفاجية وأطرافها، وقضى على الثورة، ثم جمع ستة عشر رئيساً من رؤساء القبائل وأمر بدفـنهم أحياء، ليكونوا عـبرة لمن يعارض نظامه.
– ثورة حيدر بن طلال عام ١٩٤٠: قامت عشائر بني كعب وعشائر كنانة وعشائر الخزرج في الأحواز بثورتها بقيادة الشيخ حيدر بن طلال الكعبي، يعاونه الشيخ كوكز بن زامل المحيسن الكناني والشيخ إبريج الخزرجي، وذلك في منطقة الميناو على نهر دبيس، وتمكنت من ازالة الحاميات الفارسية والسيطرة على ثكناتها في المنطقة، ولم تتمكن السلطات الإيرانية من القضاء عليها إلا بعد القاء القبض على الشيخ حيدر الكعبي ورفاقه وهم : كوكز بن زامل بن ضمد المحيسن من بني كنانة، الشيخ بريج من الخزرج، مهدي بن علي، داود الحمود، وأعـدمتهم جميعا في قلعة سهر الشهداء.
– ثورة الغجرية عام ١٩٤٣: تزعم هذه الثورة الشيخ جاسب بن الشيخ خزعل، حيث قام بها ضد نظام الشاه، حين دخل الأمارة بعد اتفاقه مع بعض رؤساء العشائر الأحوازية على الثورة، وقـد تمكن الثوار من قـتل العـديد من جنود وضباط نظام الشاه، وتمكنوا من إسقاط طائرة حـربية، وقـد كان محي الدين آل ناصر رئيس ” اللجنة القومية العليا لتحرير عربستان”، الذي أعدمته سلطات النظام الإيراني في ١٣/٦/١٩٦٤ مع آخرين ممن كان قد شارك في هذه الثورة.
– حركة الشيخ عبد الله بن الشيخ خزعل عام ١٩٤٤: اتفق الشيخ عبد الله مع القبائل الأحوازية على القيام بثورة، ولكن لم تنجح هذه الثورة.
– ثورة بني طرف وبني كنانة عام ١٩٤٥: امتدت شرارات هذه الثورة إلى العديد من القبائل العربية، ولا سيما بنو سالة، وبنو لام، والشرفة، والمحيسن الكنانيين، وسيطرت القبائل الثائرة على جميع القرى والمخافر والمدن المنتشرة في هذه المناطق، ودامت الثورة بضعة أشهر، فسيرت لها الحكومة الفارسية جيشاً كبيراً حشدته في مختلف الثكنات العسكرية، وقد صادف الجيش الإيراني صعوبات كبيرة في اجتياز المناطق الثائرة نظراً لتحصينات الثوار وطبيعة الأرض، التي تكثر فيها الأنهار والمستنقعات وبساتين النخيل، مما تعذر على جيش نظام الشاه أن يحرك آلياته، فأرسلت الحكومة الإيرانية طائرات مقاتلة قامت بقصف القرى وتجمعات العشائر وبحرق البيوت وإبادة المزارع، فكانت مجزرة راح ضحيتها آلاف الأبرياء من النساء والأطفال والشيوخ، بسبب عدم التكافؤ في القوة العسكرية. وعـند تغلب الشاه على الثوار من أبناء الأحواز رحل منهم المئات- وكانوا حوالي ١٥٠٠ شخصاً- إلى شمال فارس مشياً على الأقدام، مجتازين بهم الجبال الوعرة والوديان العميقة، فمات أكثرهم في الطريق جوعاً وتعباً وبرداً، ولم يصل منهم إلى طهران سوى حوالي الأربعين شخصاً، وزعـتهم السلطات الإيرانية على القرى النائية.
– ثورة الشيخ مذخور الكعبي عام ١٩٤٦: ثار الشيخ مذخور الكعبي عام ١٩٤٦ على أثر المجزرة التي ارتكبتها قوات الشاه، والتي ذهب ضحيتها عشرات من الأحوازيين الأبرياء منهم زعيم حزب السعادة الشهيد حداد، الذي أحرقه نظام الشاه مع زوجته وأطفاله، وأزاء هذه المجزرة ثار الشيخ مذخور الكعبي في منطقة عبادان، وهاجم الحامية الإيرانية فتم قمع ثورة.
– ثورة عشيرة النصار١٩٤٦: استطاع الجيش الإيراني، بدعم عسكري بريطاني من إخماد هذه الثورة التي كانت تستهدف التخلص من الاحتلال الإيراني.
– ثورة الشيخ يونس العاصي عام ١٩٤٩: ثار الشيخ يونس العاصي في منطقة البسيتين والخفاجية، وفيها انفصلت عن السيطرة الإيرانية واستطاع جباية الضرائب باسمه وكان يسعى إلى تكوين مملكة تسمى – مملكة عرب الشرق – لكن حكومة الشاة أجهضت هذه الثورة، مما دعى الشيخ يونس العاصي أن يلجأ إلى العراق حتى توفي هناك.
بالاضافة الى الانتفاضات والثورات المستمرة المتتالية في الأحواز منذ عام ٢٠٠٥ والتي اخذت طابعا تصاعديا في الساحتيين الداخلية والخارجية. وهذا يعتبر دلالة واضحة على الرفض الشعبي من الأحوازيين للاحتلال الايراني والرغبة الجماهيرية في تقرير المصير، وبطلانا لمقررات ميثاق الأطلسي الذي استند على الرغبة الجماهيرية في تقرير هذا الحق.
٢- الحراك السياسي امتداداً للحراك الثوري: استمرت وتنوعت مقاومة الشعب الأحوازي بين السلمي والعسكري. إذ شكل هذا الحركات الثورية تبلوراً استطاع أن يختزل تاريخ المقاومة الأحوازية كجناح سياسي، يعمل على تحرير الأحواز عبر الحشد السياسي والإعلامي الدبلوماسي، وإخراج العمل الثوري الأحوازي من دائرة التجاذبات المحلية والإقليمية إلى الحيز الأوروبي والعالمي، في عملية مؤسساتية تحاول أن تكون مؤطرة بالمشروعية الدولية وقواعد القانون الدولي، كعملية مفتوحة على جميع الاحتمالات، وذلك باستعمال جميع أشكال المقاومة من أجل التحرير واستعادة الدولة السليبة.
ثانياً- الأحواز و مبدأ تقرير المصير استناداً لقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة:
لجميع الشعوب الحق في تقرير مصيرها بحرية وإرادة واستقلال وفقاً لما تريدهُ، بعيداً عن أية قوة أو تدخل أجنبي. ففي قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم ٤٢١ الصادر في ٤/ كانون الأول/١٩٥٠ طلبت الجمعية العامة من لجنة حقوق الإنسان، أن تضع توصيات حول الطرق والوسائل التي تضمن حق تقرير المصير للشعوب (2)، كما نصت في قرارها رقم ٥٤٥ الصادر في ٥/ شباط/١٩٥٢، على ضرورة تضمين الاتفاقية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية والاتفاقية الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (3) مادة خاصة تكفل حق الشعوب في تقرير مصيرها. ثم أصدرتْ قرارها رقم ٦٣٧ في ١٦/كانون الثاني/١٩٥٢ (4)، الذي جعلت بمقتضاه حق الشعوب في تقرير مصيرها، شرطاً ضروريًا للتمتع بالحقوق الأساسية جميعها، وأنهُ يتوجب على كل عضو في الأمم المتحدة الاحترام والمحافظة على حق تقرير المصير للأمم الأخـرى.
وعلى هذاالأساس، وبمقتضى هذا الحق يتحدد المركز القانوني لدولة الأحواز المنشودة، بحقها السياسي، كما حقها في نموها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، استناداً لمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وخاصة المادة /١/ المُتمثلة بمقاصد الأمم المتحدة، والمادة ٥٥ اللتان تؤكدان على حق الشعوب في تقرير مصيرها، وعلى ضرورة قيام علاقات سلمّية وودّية بين الأمم(5).
١- الأحواز في إطار حق الانفصال في إطار العهد الدولي للحقوق السياسية:
استرشاداً بأحكام العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المؤرخان في ١٦/ كانون الأول/١٩٦٦ واللذان أعدتهما لجنة حقوق الإنسان، فقد ذكر كلا العهدين حق تقرير المصير بنص موحد في مادتهِ الأولى بأنه:” لجميع الشعوب حق تقرير مصيرها بنفسها، وهي بمقتضى هذا الحق حرةٌ في تقرير مركزها السياسي وحرةٌ في السعي لتحقيق نمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي(6)”. واستناداً لذلك يتحدد المركز القانوني للشعب الأحوازي كشعب يمتلك الحق أيضاً بالانفصال عن إيران، بالرغم من أن تكييف المركز القانوني الفعلي لدولة الأحواز، إنما يضعها ف خانة الحق في التحرر من الاستعمار، استناداً للوقائع التاريخية والقانونية، التي تؤيدها أحكام إعلان وبرنامج عمل فينا،اللذين اعتمدهما المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان في حزيران ١٩٩٣، وبالتحديد الفقرتين (٢،٣) من الجزء الأول المتعلقتين بحق الشعوب في تقرير المصير(7)، وخصوصًا الشعوب التي تخضع للاحتلال الأجنبي، وقد تأيد مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها بصورة ثابتة في القرارات العديدة التي اتخذتها الجمعية العامة للأمم المتحدة. نذكر منها قرارها رقم ١٥١٤ (د- ١٥) في الفقرة الثانية من إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة، المؤرخ في ١٤/ كانون الأول/ ١٩٦٠ (8). وهو القرار المعروف بتصفية الاستعمار، ووضع حدّ عاجل وغير مشروط للاستعمار في جميع إشكالهِ ومظاهـره من دون أي تمييز. ولقد كان لهذا القرار أهمية خاصة، لأنهُ اتخذ أساسًا استندتْ عليه القرارات اللاحقة الصادرة عن الأمم المتحدة جميعها الخاصة بتقرير المصير.
٢-الأحواز وحق تقرير المصير الاقتصادي في إطار العهد الدولي للحقوق الاقتصادية: يتأكد حق الأحوازيين في تقرير مصيرهم و استقلالهم السياسي– حسب المواثيق الدولية- بسبب استمرار إيران في نهج سيطرتها على الثروات والموارد الاقتصادية للأحوازيين، الذين مازالوا يعانونه من تهميش اقتصادي وثقافي ممنهج من قبل سلطات الاحتلال الإيراني، الأمر الذي يتناقض مع فكرة ” السيادة على الموارد الطبيعية وحق تقرير المصير الاقتصادي”(9)، التي تضمنها مبدأ حق تقرير المصير في شقه الاقتصادي والاجتماعي، الذي تضمن حق مجموعة معينة من السكان الذين يتميزون بلغة ودين وثقافة تتمايز وتختلف عن الدول الأم. إذ يشكل هذا المبدأ مشروعية أخرى لتأكيد أحقية الشعب الأحوازي في تقرير مصيره، حتى في حال تطبيق ميثاق الأطلسي ١٤ /آب/ ١٩٤١، الذي نص على مبدأ ” عدم تغيير الحدود”. ويعود ذلك للتطورات المعاصرة لحق تقرير المصير، الذي أعطى مجموعة معينة من السكان الحق في الانفصال في حال عدم رغبتهم الانضمام إلى الدولة الأم، بسبب تهميشهم واختلافهم العرقي أو الثقافي، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ إيران لم ولن تكون يوماً ” دولة أم” للأحوازيين.
لقد اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في هذا الخصوص، قرارها المرقم ٢٦٢٥ الصادر في ٢٤/تشرين الأول/١٩٧٠، مُتضمناً تصريحًا خاصًا بالعلاقات الودّية والتعاون بين الدول وفقاً لميثاق الأمم المتحدة، وعلى أساس مبدأي المساواة وحق الشعوب والأمم في تقرير المصير، اللذان هما من مبادئ القانون الدولي ، جاء فيه:” بموجب مبدأ التسوية في الحقوق وتقرير المصير للشعوب المُعلنين في ميثاق الأمم المتحدة، لكل الشعوب الحق في أن تقرر دون تدخل أجنبي، مركزها السياسي، كما يحق لها أنّ تحدد أيضاً مصيرها الاقتصادي، وأن تسعّى لتأمين نموها الاجتماعي والثقافي والاقتصادي، وعلى كل دولة واجب احترام هذا الحق وفق نصوص الميثاق”(10).
كما أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في ١٥/ كانون الأول/١٩٧٠، قرارها الذي أكدتْ فيهِ على حق الشعوب في تقرير مصيرها وضرورة الإسراع في منح الاستقلال للشعوب والبلاد المُستعمرة وعلى” شرعية نضال الشعوب الخاضعة للسيطرة الاستعمارية والأجنبية المُعترف بحقها في تقرير المصير لكي تستعيد ذلك الحق بأية وسيلة في متناولها”. ونلاحظ في هذا القرار أن الجمعية لم تكتف فقط بإقرار المصير ومطالبتهِ للشعوب، بل أكدتْ أيضا على شرعية النضال والكفاح والاستقلال للشعوب الخاضعة لسيطرة الاستعمار بأية وسيلة للوصول إلى حقهم. وقد ورد
هذا التأكيد في القـرار المهم رقم ٢٩٥٥ الصادر عن الجمعية العامة (11) في ١٢/كانون الأول/١٩٧٢.
وفي قرارها رقم ٣٠٧٠ الصادر في ٣٠/ تشرين الثاني/ ١٩٧٣ طلبت الجمعية العامة من جميع الدول الأعضاء الاعتراف بحق الشعوب في تقرير مصيرها واستقلالها وتقديم الدعم المادي والمعنوي وكافة أنواع المساعدات للشعوب التي تناضل من أجل هذا الهدف.
منذ ذلك الحين، والجمعية العامة للأمم المتحدة تؤكد على هذه المبادئ في جميع قراراتها المُعنونة تحت الإعلان العالمي لحق الشعوب في تقرير مصيرها، ومنح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة والاحترام العالمي لحقوق الإنسان. وفي غضون ذلك وقعت ٣٣ دولة أوروبية في ١ / آب/١٩٧٥ بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية في هلسنكي، الاتفاقية النهائية التي أسفر عنها مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا. وقد تضمن القسم الأول منها إعلاناً عن المبادئ التي ينبغي أن توجه علاقات الدول المشتركة، فدعي إلى الأخذ بــ ١٠ مبادئ توجيهية وصفتْ بأنها:” غاية في الأهمية وأن الواجب يقضي تطبيقها بلا تحفظ”. وقد نص المبدأ الثامن منها على حق تقرير المصير، ثم بعد ذلك اقترحت لجنة حقوق الإنسان عام ١٩٥٤ على الجمعية العامة إنشاء لجنة خاصة لدراسة حق الشعوب في السيادة على ثرواتها ومواردها الطبيعية. وحقها في التصرف الحُر فيها وفقاً لمصالحها الوطنية، ودونما إخلال بأية التزامات مُنبثقة عن مقتضيات التعاون الاقتصادي الدولي القائم على مبدأ المنفعة المتبادلة، إذ لا يجوز في أية حال من الأحوال حرمان أي شعب من أسباب عيشهِ الخاصة، وهو ما تضمنته الفقرة ٢ من المادة الأولى من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ١٩٦٦ (12)، كما تضمنه قـرار الجمعية العامة رقم ١٥١٥ المؤرخ في ١٥/كانون الأول/١٩٦٠، الذي أوصت فيهِ باحترام الحق المُطلق لكل دولة في التصرف بثرواتها ومواردها الطبيعية (13). وهذا ما أكدهُ أيضا القرار رقم ١٨٠٣ /د- ١٧/، الذي أصدرتهُ الجمعية العامة في ١٤/ كانون الأول/١٩٦٢، تحت عنوان ” السيادة الدائمة على الموارد الطبيعية” وأعلنت في فقرتهِ الأولى:” يتوجب أن تتم مُمارسة حق الشعوب والأمم في السيادة الدائمة على ثرواتها ومواردها الطبيعية، وفقاً لمصلحة تنميتها القومية ورفاه شعب الدولة المعنية”(14).
خاتمة
إنّ تاريخية النضال الأحوازي منذ انطلاق الثورات المناهضة للاحتلال الإيراني وفي أيامه الأولى، واستمرارية المقاومة والتاريخ الثوري والسياسي للأحوازيين، يؤكد الحقوق السياسية للأحوازيين في استعادة دولتهم السليبة استناداً لحقهم الأصيل في التحرر من الاستعمار، كما أنّ تهميشهم وعدم قدرتهم من التمتع بحقوقهم الثقافية والاقتصادية، يفتح لهم الباب من جديد لطرق باب ” الانفصال (الاستقلال) عن إيران” كمشروعية تقوم على فكرة ” السيادة الاقتصادية والاجتماعية” التي وضع قواعدها القانون الدولي المعاصر والعهديين الدوليين للحقوق السياسية والاقتصادية، و كأساس قانوني لشكل آخر من حق تقرير المصير للأحوازيين، وشرعة حقوق الإنسان.
لقد أثيرتْ أمام لجنة حقوق الإنسانفكرة السيادة الاقتصادية، وحق الدول في تأميم ثرواتها من يد المُستعمر، وأنهُ لا جدوّى من حرية تقرير مصير الشعوب، ما لمْ تمتلك حرية التصرف في ثرواتها الاقتصادية والثقافية، مع التأكيد أن التكييف القانوني للحالة الأحوازية استناداً لمبادئ وقواعد القانون الدولي العام، إنما تصب في خانة الاحتلال الموصوف، والمُجرم في المواثيق الدولية.
مما تقدم نستنتج، إن القضية الأحوازية أصبحت اليوم من أهم قضايا حق تقرير المصير في العالم، فإيران اليوم هي الدولة الوحيدة المقلقة والغريبة عن بنية النظام الدولي، بل وأصبحت الدولة الأولى الراعية للإرهاب باعتراف غالبية دول العالم، من خلال نزعتها الاحتلالية التي تقوم على ما يُعرف بمبدأ ” تصدير الثورة” في العالم، ما يعني أنها دولة تتأسس على خرق ” مبدأ عدم التدخل في القانون الدولي”، الذي يعتبر أهم مبادئ ميثاق الأمم المتحدة، كما خرقها لمبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها واستقلالها وحريتها، كحق متأصل في العديد من القرارات التي أصدرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي أصبحت أهم الحقوق التي تقررها مبادئ القانون الدولي المُعاصر.
الهوامش: __________________________________
1. انظر: Wayback Machine : أرشيف رقمي للإنترنت، سان فرانسيسكو، كاليفورنيا، الولايات المتحدة، الموقع التوثيقي .
2. انظر : قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 421 الصادر في 4/ كانون الأول/1950.
3. انظر :قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 545 الصادر في 5/ شباط/1952، المتضمن الاتفاقية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية والاتفاقية الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
4. انظر: قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 637 في 16/كانون الثاني/1952 – انظر :
5. انظر المادة 55 من ميثاق الأمم المتحدة.
6. انظر:أحكام العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المؤرخان في 16/ كانون الأول/1966 واللذان أعدتهما لجنة حقوق الإنسان.
7. انظر:الفقرتين 2،3 من إعلان عمل فينا، اللذين اعتمدهما المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان في حزيران 1993 المتعلقتين بحق الشعوب في تقرير المصير.
8. انظر :الفقرة 2 من قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 1514 / د- 15/، الذي تضمنت ” إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة”، 14/ كانون الأول/1960 .
9. انظر: قرار الجمعية العامة رقم 626 في 21/كانون الأول/1952 .
10. انظر: قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2625 الصادر في 24/تشرين الأول/1970- انظر:
11. انظر :القـرار الشهير للجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2955 تاريخ 12/كانون الأول/1972
12. انظر:الفقرة 2 من المادة الأولى من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية 1966
13. انظر:قـرار الجمعية العامة رقم 1515 المؤرخ في 15/كانون الأول/1960
14. انظر: قرار الجمعية العامة رقم 1803 /د- 17/ تاريخ 14/ كانون الأول/1962، تحت عنوان ” السيادة الدائمة على الموارد الطبيعية” .
المصدر : مركز دراسات دورانتاش