أبو شكر: إفشال أطروحة الحكم الذاتي -الأربعاء السوداء روايات ورويات دون تحليل للفهم (القسم الأول)
كيف تنوب العاطفة عن الفكر وتنوب الفوضى عن النظم وينوب الزمن المتواصل عن التاريخ وينوب غيرنا عنا نحن في فهم الأحداث رغم أن الدار دارنا ونحن الضحية والأدوات؟
إن أسوأ ما يلحق تاريخ شعب ومجتمع ما هو عند ما لا يستطيع أبنائه تعريف أسباب نشوء الأحداث المهمة ولا فهم نتائجها، فتبقى الأحداث تنوب عنها العاطفة رواية وكتابة بدل الفكر ويكون الزمن متواصلاً تنوب عنه الروايات دون أن يكون تاريخاً، وإن هذا يؤدي إلى أن تحل الفوضى ويسكن اللافهم ليس فقط داخل الوعي الجماعي بل ينال التاريخ الذي يكتبه غيرنا بالنيابة عنا رغم إننا نحن الأدوات والضحايا وجغرافيتنا هي دار كل الأحداث وما أصعب الفصل بينها جميعاً. و إن هذا هو حال وضعنا الأحوازي و النماذج كثيرة و نبدأ بالأربعاء السوداء ،حيث إن كل ما قرأناه و سمعنا من روايات عن أحداث تلك الأيام من عام 1979م و ما حصل بمدينة المحمرة من الأحوازيين الذين قدموا روايات وفق أسلوب ( أنا و أنا تختزل الأحداث بالشخص و تلغي المجتمع و العوامل الكبرى )، أو الذين قد كتبوا لا ذاك ولا هذا لم يتجاوز ذكر أسماء وجرد أحداث إضافة إلى الإتيان بكلام عن ما ارتكبه الجنرال الإيراني أحمد مدني من ( جريمة ) قتل بحق أهل مدينة المحمرة الأحوازية ،و إبراز مجموعة وثائق مصدرها الأكبر إيران ، صحيح أنها بمثابة مواد جاهزة داعمة لبناء الرؤية و كتابة التاريخ لا يمكن التقليل من شأنها ،و لكنها لا تنوب عن الرؤية التي يقوم بها الفكر، وإن مجرد عرضها هكذا لا تقدم لنا فهما عن أصل وعمق المشكلة بقدر ما تقدم لنا شحنة لا يتجاوز مفعولها في النفوس أيام ذكر يوم الأربعاء السوداء و الأحداث ما قبلها و ما بعدها بنفس المدينة و لفترة تتجاوز العام و شهور حتى نشوب الحرب الإيرانية العراقية ماذا حصل من أحداث؟ نعم إن الاختزال يغلق الباب عن فتح أفق التاريخ وهكذا يزودنا الوعي وأقصد وعي الروايات والكتابة على أن الأربعاء السوداء هي جزيرة منفصلة عن كل تاريخنا المعاصر وليس الأربعاء السوداء وحدها، إنما كل أحداث تاريخنا الأحوازي المعاصر تشكله جزر منفصلة وروايات كما تقدمه لنا الكتابة الأحوازي.
فالكتابة الأحوازية إجمالا في تناول قضايانا في الأمس واليوم هي تعتمد روايات شفوية وطبيعة الروايات ينالها النقص والزيادة مع التضخيم والنسيان فلا ترتقي إلى مستوى النصوص التي تحمل فهم وتحليل وإن مخيالنا الجماعي ينظر إلى الأحداث وفق ما تشكله الروايات لنا لا ما يزودنا به تحليل الفكر الذي يضع السببية من مقومات التحليل كما لا يستبعد العوامل المجتمعية والاقتصادية والوعي الوطني والمستوى السياسي التنظيمي بدل الأنا الفاعل الذي ينوب عن الجماعة المجتمع. وهكذا أمر الوثائق مصدرها دائماً من ناحية التوثيق غيرنا كوننا لا نسجل الأحداث ونوثقها داخل رؤية كي تكون خطاباً رغم وجودنا البشري المكثف كشواهد على الأحداث نفسها ومنها أحداث أطروحة الحكم الذاتي.