ستُهزَمُ موسكو كما هُزِمَت طهرانُ
يُشكل التدخل العسكري الروسي لإنقاذ نظام بشار الأسد مغامرةً خاطئةً ستقودُ إلى تغيرات جذريةٍ في خريطة الحرب السورية وفي مستقبل الحل فيها ولم يكن الرئيس الروسي ( فلاديمير بوتين ) بحاجة إلى التورط في تلك المجازفة لو أن اعتماد الأسد على مدى السنوات الأربع الماضية، على الدعم الفارسي الإيراني قد حقق الغاية المرجوَّة ، وسقوط نظام الأسد كان سيؤدِّي إلى خسارة عظمى لموسكو لنظام حليف في المنطقة العربية، ألقت بثقلها السياسي عليه، وأنقذته من ضغوط القرارات الدولية باستخدام الفيتو في مجلس الأمن أكثر من مرة لحمايته، وكانت تتوقع، كما توقع كثيرون، أن تكون أموال إيران وميليشياتها وأسلحتها، فضلاً عن دخول ( حزب اللات ! ) مباشرة في الحرب، كافية لحمايته عسكرياً.
ولم تنجح المهمة الفارسية الإيرانية في حماية النظام في وجه معارضيه. وكان اعتراف بشار الأسد بذلك جلياً واضحاً عندما أعلن أن جيشه بات عاجزاً عن حماية كل الأراضي السورية، وهو ما يعني من الناحية العملية، العجز عن استعادة المناطق التي خسرها بعد سيطرة التنظيمات المعارضة، على اختلاف اتجاهاتها، عليها، والتي أصبحت تمتد على مساحة ثلثي الأراضي السورية.
ويتوقف الكثيرون عند البحث في أسباب فشل بلاد فارس ( إيران ) في حماية نظام الأسد وما سيرتبه ذلك على المستقبل السياسي للنظام السوري وللبلد. وتشمل هذه الأسباب العقبات المذهبية التي ظلت قائمة في وجه التدخل الفارسي الإيراني، الذي بقي غريباً عن انتماء ومشاعر الأكثرية السورية، في الجيش ، والحملة الإقليمية الواسعة على مسعى طهران لـ ( احتلال! ) بلد هو في قلب المنطقة العربية ويشكل جزءاً أساسياً من تاريخها. وفي داخل سورية، كما في خارجها، ينظر كثيرون بإيجابية إلى الفشل الفارسي الإيراني، الذي دفع النظام إلى الاستعانة بالدعم الروسي. وتسود قناعة في أجهزة الحكم السورية، بأن الاعتماد على الدعم الروسي أمر طبيعي نظراً للموقع الاستراتيجي للنظام وتحالفاته التقليدية وهوية سلاح الجيش السوري والخبرات والتدريبات التي يخضع لها ضباطه وجنوده. فبالمقارنة مع السطوة الفارسية الإيرانية على عاصمة الأمويين، يبدو التدخل الروسي أهون الشرين والأقل ضرراً، خصوصاً أنه يأتي في السياق التقليدي للعلاقات التي أقامها نظام البعث النصيري مع موسكو، بدءاً من حافظ الأسد إلى اليوم.
غير أن التدخل الروسي، بعيداً عمّا يمكن أن يقال فيه من( إيجابيات ! ) ولا سيَّما من جانب المدافعين عنه من داخل النظام، يبقى هيمنة خارجية على القرار السوري، تذكّر بتجارب مريرة للاتحاد السوفياتي لدعم عملائه من الحكام الغابرين في دول أوروبا الشرقية. وغزو بودابست وفتك الدبابات السوفياتية ب ( ربيع براغ ) كما في دول أخرى ضمن منظومتها آنذاك لا تزال في الذاكرة وسيبقى التدخل الروسي تدخلاً إلى جانب طرف في النزاع ضد أطراف أخرى تمثل أكثرية الشعب السوري وتمثل الشرعية السورية .
عبدالله الهدلق
المصدر: جريدة الوطن الكويتية