علي..لجوء بطلب من القبيلة
لم يكن قرار اللجوء بالنسبة لعلي حيدري فردياً، بل كان إجماعاً من عشيرته وأقربائه الذين رأوا في خروجه من إقليم الأحواز الواقع على شط العرب جنوبي إيران فرصة لإيصال صوتهم إلى العالم الخارجي، في ظل التعتيم على الانتهاكات التي ترتكبها السلطات الإيرانية بحقهم، منذ احتلال الإقليم وضمّه إلى المملكة الفارسية عام 1925.
علي حيدري، شاب ينحدر من قبيلة عربية، كان يحلم بدراسة الطب، لكنه اصطدم بسياسة التمييز التي تنتهجها وزارة التربية والتعليم الإيرانية، التي تفرض شروطا تعجيزية على الطلاب الأحوازيين، مما يجعل فرص قبولهم في الجامعات والمؤسسات التعليمية بإيران شبه مستحيلة.
الحرس الثوري
بعد أن تلاشى حلمه بالدراسة وجد نفسه مطلوباً للخدمة في الحرس الثوري الإيراني، وكان عمره في ذلك الوقت 18 عاما. لم يشأ علي أن يكون أداة في يد النظام، فتجاهل القرار، وقضى شبابه هاربا من أجهزة الأمن، إلى أن تمكن في منتصف العام الحالي، بمساعدة أحد المهربين، من الوصول برا إلى الأراضي التركية، حيث مكث هناك ثلاثة أيام، قبل أن يستقل برفقة مجموعة من الشباب، أحد قوارب الموت المتجهة إلى اليونان، ومن الأراضي اليونانية، تمكن عبر المرور بعدة عواصم أوروبية، من الوصول إلى السويد.
عن تجربة اللجوء، يتكلم علي -وهو شاب في عشرينياته- بحماس، عن رغبته في التواصل مع أكبر عدد من الوكالات الإعلامية، للحديث عن مأساة شعبه العربي، الذي يموت بصمت تحت ما أسماها آلة القمع الإيرانية.
تحدث علي عن أبناء عمومته الثلاثة، الذين أعدمتهم السلطات الإيرانية عام 2012، بعد إدانتهم بتهمة "محاربة الله، والإفساد في الأرض"، وهي التهمة التي يُحاكم عليها الأحوازيون حتى هذا اليوم، استنادا إلى المادة 186 الملغاة أصلاً من قانون العقوبات الإيراني. وأوضح علي أنه لا تهمة لأبناء عمومته سوى أنهم عرب، طالبوا بحقوقهم القومية، التي سلبت منهم، منذ احتلال أرضهم ووطنهم، قبل تسعين عاما.
حملات يومية
وأضاف أن أجهزة الاستخبارات الإيرانية تشن حملات اعتقال يومية بحق الشباب والنشطاء والنخب المثقفة في الأحواز. وأن هذه الحملات تمتد وتتوسع، لتشمل معظم المدن العربية في الإقليم، خصوصاً تلك التي شهدت حراكا شعبيا في أثناء ثورات الربيع العربي عام 2011.
في حديثه عن كارثة الأمطار الحمضية التي حلت بالأحوازيين، في 30 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وأدت إلى وفاة أكثر من 3000 شخص نتيجة استنشاق الغازات السامة، أكد علي مسؤولية السلطات الإيرانية عن هذه الكارثة، مشيرا إلى أن الحكومات المتعاقبة في إيران عملت في السنوات الماضية على نقل مياه الأحواز، وجرّها إلى المحافظات الوسطى، وهذا ما أدى إلى حالة الجفاف والتصحّر التي يعاني منها الإقليم، والتي اعتبرت أحد المسببات الأساسية في انتشار الغازات الحمضية السامة في سماء الأحواز.
في السياق، يستحضر علي قصّة جدّه "الشيخ خليفة"، الذي اضطر تحت تهديد السلاح، أن يشتري أرضه التي ورثها عن آبائه وأجداده، من إيراني يُدعى "سيد علي نور بخش"، وكان ذلك في زمن الشاه محمد رضا بهلوي عام 1970. وبلغت قيمة الأرض آنذاك 8.250.000 ريال إيراني، ولم يكن جدّ علي، المزارع الفقير، يملك هذا المبلغ، فاضطر أن يقسّطه على دفعات شهرية، وبلغت قيمة القسط الواحد 550 ألف ريال إيراني.كما أشار علي إلى سياسة التذويب و"التفريس" وتغيير أسماء المدن والقرى، ومنع العقال العربي، وحظر اللغة العربية، التي بقيت في حدود المحادثات الشفهية.
بمزيج من المرارة والألم، تحدث علي عن الظهور الباهت لقضية الأحواز في الإعلام العربي، التي عادة تحضر -حسب قوله- في إطار المناكفة مع إيران، وليس إيمانا أو انتصارا للهوية العربية.
وتمنى أن تكون هناك وقفة جادة للعرب تجاه سياسة إيران التوسعية، التي لم تكتف -على حد قوله- بالاستفراد بإقليم الأحواز، بل طالت أيضا عدة دول عربية، مثل العراق، ولبنان، وسوريا، واليمن.
وأضاف "آمل أن يأتي اليوم الذي تصبح فيه قضية الأحواز قضية أساسية إلى جانب القضايا العربية، وأن يصبح مطلب الاستقلال عن إيران، مطلبا عربيا.
علي أبو مريحيل – ستوكهولم
المصدر : الجزيرة.نت