إيران دولة مارقة لا تكفّ عن إشعال الحرائق 2-2
أما الاتهامات الشديدة والتصريحات غير المسؤولة التي وجهتها إيران لبلادنا بمسؤوليتها عن الحادث، فتأتي من باب الوقاحة وذر الرماد في العيون للتغطية على إجرامها المعهود، لذلك تكاثرت التصريحات من أعلى قمة الهرم حتى أصغر مسؤول، وكلها تزعم عدم كفاءة بلادنا التي يشهد القاصي والداني بجهودها الكبيرة التي لا تخفى إلا على من في قلبه مرض
أشرت في مختتم مقالي الماضي إلى أن إيران صعّدت بشكل لافت من لهجتها العدائية تجاه بلادنا، حتى بدت في صورة (كاد المريب أن يقول خذوني)! كل الدلائل، وشهادات عدد كبير من الحجاج تؤكد ضلوعها في حادث التدافع، وهو ليس بالأمر الغريب، فهذه الأعمال عقيدة مترسخة في نفوس هذه الزمرة، فمنذ زمن القرامطة كانوا يسعون لتعكير صفو مشاعر الحج، وتهديد أمن الحرم الآمن وحجاج بيت الله، وقد فعلوا الكثير في هذا الصدد، ولكن وتيرة استهدافهم لموسم الحج ولبلادنا ازدادت منذ ثورة الخميني المشؤومة!
بداية نتساءل: هل هي مصادفة أن يكون معظم الضحايا إيرانيين، أم أنّ ما حدث أمر دُبر بليل؟
وما سبب وجود عدد كبير من المسؤولين الإيرانيين ضمن حجاج إيران، دخلوا بغير أسمائهم الحقيقية؟ وماذا يعني وجود عدد من الحرس الثوري الإيراني ضمن الحجاج، إذ تشير كل الدلائل وشهادة بعض الإيرانيين أنفسهم إلى إرسال إيران مئات منهم لتنفيذ الجريمة، وكان ذلك بقرار من خامنئي – حسب دبلوماسي إيراني هو فرزاد فرهكتيان -؟ ولماذا إيران وحدها من حمل راية تسييس الحدث دون غيرها من بلاد العالم الإسلامي منذ اللحظة الأولى؟
ومنذ متى كانت تقام مظاهرات في دول عربية ضد بلادنا، كما حدث في المغرب منذ أيام؟ ألا تقف إيران خلف تلك المظاهرات بأموالها؟
وإذا كان الملالي – قد صور لهم غرورهم ووقاحتهم أنه يمكن لهم طلب المشاركة في التحقيق – فكيف يطلبون ذلك، في الوقت الذي أصدروا حكمهم على الحادث منذ لحظات وقوعه الأولى؟
لا تفتأ إيران بعد كل كارثة تحدثها، تتاجر بدماء ضحاياها، سواء أكان ذلك في مواسم الحج الماضية منذ ثورة المقبور الخميني، أم في بؤر الصراع التي تشعلها في بلاد العرب، عبر عملائها الذين يتآمرون على بلدانهم، كما في لبنان والعراق وسورية والبحرين واليمن.
لهذا فقد شن قادة سياسيون ورجال دين إيرانيون بارزون هجوما على بلادنا بأقذع العبارات التي لا يُتصور صدورها إلا من تلك الحثالة الحاقدة، وممن هم على شاكلتهم من العملاء المحسوبين على أمة العرب، بل غالوا في أحقادهم حتى طالبوا بالوصاية الإسلامية على الحج! وتبعهم في ذلك كل من ظهروا في المظاهرات والقنوات الفضائية والصحف، بأثمان دفعت لهم من أموال الشعب الإيراني المغلوب على أمره، المنهوبة أمواله، حدّ أن تعيش نسبة كبيرة من المواطنين تحت خط الفقر، دفعت بعضهم لبيع أبنائه كي يعيش ويتمكن من الصرف على باقي أسرته، بينما يتمرغ حسن حزب اللات وغيره من العملاء بأموال الشعب المنكوب في حكامه.
المعلومات المسربة تقول: "إن اندفاع حملات حجاج ضخمة للإيرانيين عبر طريق سوق العرب، هو السبب في الحادث، وإنها وراء التكدس الشديد لباقي الحجاج، وإن الحجاج الإيرانيين رفضوا العودة، قبل حدوث الكارثة!" وتؤكد هذه التسريبات أن "الحجاج الإيرانيين أفهموا ولُقنوا في إيران عبر تدريب سريع وتلقيني صرف، أن السعوديين لن يسمحوا للحجاج الإيرانيين بالحج دون إعاقتهم عن الوصول إلى وجهتهم ومبتغاهم، نكاية بإيران والشيعه عمومًا، وللحيلولة دون تحقيق السعودية أهدافها، أفهم الملالي الحجاجَ الإيرانيين أنّ عليهم اتباع أحد القادة وهو السفير السابق في لبنان، مع مجموعة من القادة الميدانيين وأفراد من الحرس الثوري، الذين سيوجهونهم إلى الطريقة الصحيحة للتغلب على المعوقات التي ستصادفهم في المشاعر".
"… وبعد أن درس قادة الحج الإيرانيون تحرك سير البعثة النيجيرية والباكستانية لرمي الجمرات، وعند رجوعها أمر القادة الميدانيون الحجاج الإيرانيين بالتقدم إلى الأمام، وبالقوة لكسر شوكة الإعاقة السعودية (المتخيلة) لهم، وهناك حصل التصادم المروع والمميت"! وهذا سبب كثرة القتلى منهم.
لا تتوانى إيران عن التضحية بآلاف الحجاج وبعض القادة من مواطنيها؛ لإحراج بلادنا وتعكير صفو الحجيج، فهذه الدولة لا قيم لديها لتحترمها، وليس لديها شرف لتحافظ عليه، ولا تملك احترامًا لنفسها كي تلتزم بالعهود والمواثيق الدولية، فمن كانت هذه صفاته لن يبالي بقتل آلاف الضحايا من مواطنيه، ناهيك عن غيرهم.
أما فيما يخص القادة وبعض أفراد الحرس الثوري المشاركين في بعثة الحج، فقد كشفت مصادر عن أن مسؤولين في مكتب المرشد الإيراني، وقادة في الحرس الثوري الإيراني، دخلوا السعودية ضمن قائمة الحجاج الإيرانيين، وما زالوا في عداد المفقودين في حادثة التدافع في منى، ومن بين أسماء المفقودين التي نشرتها وكالة "تسنيم" المقربة من الحرس الثوري الإيراني، بالإضافة إلى السفير الإيراني السابق في لبنان غضنفر ركن آبادي – وهو أحد الشخصيات المهمة في مكتب المرشد – كل من: علي أصغر فولادغر الذي يشغل منصب مدير مكتب الدراسات الإستراتيجية في الحرس الثوري، وضباط آخرين مثل حسن دانش وفؤاد مشغلي وعمار مير أنصاري وحسن حسني، وهم ضمن بعثة الحج الإيرانية التابعة لمكتب المرشد!
وكانت مصادر سعودية رسمية أكدت وفقا لموقع "العربية نت" عدم تسجيل اسم "غضنفر آبادي"، سفير إيران السابق في لبنان، على منافذ المملكة، ضمن القادمين خلال موسم الحج الحالي وعدم تسجيل هذا الاسم ضمن قوائم الحجاج، ليأتي بعد ذلك اعتراف وزارة الخارجية الإيرانية بأن سفيرها المختفي قد دخل السعودية لأداء مناسك الحج بجواز سفر غير دبلوماسي، إلا أنها تجنبت الإشارة إلى النقطة الأساسية، وهي هل دخل باسمه الحقيقي أم باسم آخر؟
وأحقاد متأصلة. فذلك الهجوم حسب مراقبين تولاه "كبار القادة السياسيين، ورجال دين بارزون، بأقذع العبارات التي تجاوز حدود اللياقة، كما تجاوز مجرد التعبير عن الألم لمقتل عدد كبير من الإيرانيين، إلى موقف استغل الحادثة لتصفية حسابات سياسية أعمّ وأشمل ضد السعودية، ذلك أن البلدين يتقاطعان إقليميا بشكل حاد، حيث يعتبران عملياً في حالة حرب غير مباشرة في أكثر من جبهة عربية، خاصة في الساحتين اليمنية والسورية، اللتين تقف فيهما السعودية سداً منيعاً ضد طموحات إيران التوسعية في المنطقة العربية"!
وقال محللون: "إن المواقف المتشنجة الصادرة من طهران ضد ما حدث في منى تؤكد أن إيران تتاجر بدماء القتلى لأسباب أبعد من مجرد التباكي على الضحايا، وأشار مسؤولون في طهران إلى أن الرياض غير قادرة على إدارة الحج"!
واقترح خطيب الجمعة في طهران "على البلدان الإسلامية أن تلجأ إلى منظمة التعاون الإسلامي لتحديد مصير الحج، لأن الحج ليس حكرًا على السعودية، بل هو متعلق بجميع الدول الإسلامية"! لكن الملالي لن يتجرؤوا على طلب ذلك من الدول الإسلامية، لأنها جميعاً تدرك أن ذلك حق سيادي لبلادنا، وليس من حق أحد المطالبة به، علاوة على أنهم يفهمون مرامي إيران، وأن بلادنا لا يمكن لعاقل أن يشكك في جهودها، وما تبذله لخدمة الحجاج والمشاعر المقدسة.
علاوة على أن إيران تعاني من أزمة علاقات مع الغالبية المطلقة للدول الإسلامية؛ بسبب ما يعتبرونه مواقف مخزية، تقوم بها في دعم أنظمة دكتاتورية كما يحدث في سورية، ودعم حكومات طائفية كما في العراق، وتأسيس ودعم ميليشيات حزبية وانقلابات طائفية، كما في لبنان والبحرين واليمن. وهي في مشاركتها المباشرة في تأجيج الحروب الطائفية، أزهقت مئات الآلاف من الأرواح في العراق وسورية واليمن، تاريخ إيران ليس ناصعاً لتتصدر المطالبة بحماية المشاعر المقدسة، ومواكب الحجيج!
تحاول إيران إبعاد التهمة عنها بكثرة صراخها ولطمها، فقد صرح خامنئي أن "سوء الإدارة وإجراءات غير ملائمة كانت وراء الحادث"، وقال مساعد مدير مكتب روحاني: "عدم كفاءة الحكومة السعودية في هذه الحادثة واضحة"، وقال مساعد وزير الخارجية الإيراني: إن "إهمال الرياض لا يغتفر"، وقال روحاني في بيان نشرته وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية: "أطالب الحكومة السعودية بتحمل مسؤولية هذه الكارثة والالتزام بواجباتها القانونية والإسلامية"، ثم قال بما يكشف عن جهله بطبيعة إدارة الحج في بلادنا: "إن الكارثة ربما نجمت عن نقل السعودية قوات مدربة إلى اليمن لقتال الحوثيين"! وكأن الذي يتولى أمور الحج أفراد الجيش والقوات المسلحة!
أخيرا طلبت إيران عبر أكثر من مسؤول إشراكها في التحقيق حول الحادث، لكن دولة مثلها صاحبة تاريخ أسود في مواسم الحج، وذات أيد ملوثة بدماء الأبرياء في حروبها الطائفية، لا يشفع لها هذا التاريخ أن تلمح مجرد تلميح بطلب المشاركة في التحقيقات!
د. حسناء عبد العزيز القنيعير
المصدر: جريدة الرياض