الأحواز العربي وتحديات المستقبل الخليجي
التعاون في الخليج العربي 1970، لم تشهد هذه المنظومة توترا سياسيا مع الجوار الإقليمي في إيران مثل ما عليه الحال اليوم.
والواقع أنه لم يعد توترا فحسب، بل انتقل إلى مستوى كبير من الاختراق الإيراني لدول المجلس، في ظل اختلاف مواقفهم بشأن تقدير خطر المشروع الإيراني ببنائه السياسي أو بتدخله الطائفي الواسع في أربع من دول المجلس بسبب وجود تنوع طائفي سني وشيعي فيها.
وهو تأثيرٌ لم يتوقف، ولا يزال يتفاعل، رغم مواجهته في اليمن، لكون مساره السياسي والأيديولوجي قد باشرته إيران منذ أكثر من ثلاثة عقود دون عائق، وبالتالي يصعب وقفها اليوم، قبل اكتمال برنامج تحالفي ضدها من داخل الشرق الإسلامي، وليس عبر أطراف دولية غربية وخاصة واشنطن التي ترتبط معها اليوم بصفقة لها حسابات معقدة لا يهمها خواطر حكومات الخليج، بل قياساتها الإستراتيجية المرحلية مع إيران كطرف إقليمي قوي، قررت احتواءه بصفقة مصالح تخرج بها من الحرب الباردة في الإقليم.
هذا الملف زاد من الضغط كثيرا على بناء مجلس تعاون الخليجي، وعزز حالة الانقسام إثر رغبة دول خليجية في السير بمحاذاة الصفقة الغربية مع إيران، وتسوية الملفات عبر تفويض واشنطن والشراكة معها، في حين ترى الرياض وطرفان آخران ضرورة مواصلة صناعة الخط البديل في التعامل مع المشروع الإيراني، ليست حربا مباشرة ولكن رفض تدخلها في المنطقة العربية وبين الشعوب الخليجية، وتحريك الجمود العربي والفراغ اللذين استغلتهما طهران طويلا.
ومن هنا تبرز قضايا الخلاف وبطاقات المصالح، ومن أهمها قضية إقليم الأحواز العربي المحتل من إيران منذ 1925، وكان تحت إمارة شيعية عربية يحكمها الشيخ خزعل الكعبي، الذي تآمرت لندن ضده، ومكّنت الشاه من احتلال الأحواز وضمها القسري لإمبراطوريته.
فهو -إذن- صراع لا علاقة له بالنزاع الطائفي الحديث بعد قيام الثورة كما يظن البعض، بل إن إيران الطائفية الجديدة هي التي عززت مشروع الاحتلال ومطاردة الهوية العربية في الإقليم الذي يعيش حركة رفض سياسي ومقاومة مدنية، تَسبب القهر المسلح والعنف الأمني المتطرف للحرس الثوري في تحويل جزء منه إلى مقاومة مسلحة.
ترفض إيران الجمهورية الطائفية اليوم الحقوق الثقافية والاجتماعية لإقليم الأحواز العربي، وتتنكب كل الحوارات والوعود السابقة، وحق قيام حكم ذاتي في الإقليم المحتل حديثا، وتشن حملة أمنية على كل أبنائه سُنة وشيعة، وهي حملات عززت تضامن الأحوازيين، كما عزّزت انتشار ثقافة التشيع المعتدل لدى الأحوازيين الشيعة بعد التجربة المرة التي عاشوها، وصعود فكرة القومية الشعوبية تحت رداء طائفي في مشروع ولاية الفقيه الديني للثورة الإيرانية.
وفي الأصل لا يوجد صراع بين المسلمين بعرقياتهم أو قومياتهم المختلفة، سواء كانوا عربا أو فُرسا أو أتراكا أو بلوشا أو هنودا، ولا يوجد تمييز عنصري، والخطاب الذي يصدر من بعض إعلام الخليج في بعض القنوات أو مواقع التواصل الاجتماعي ضد الفرس -كفرس مسلمين- لا يمثل موقف الإسلام أبدا، ولكن إغراق إيران الثورة في الشعوبية المخلوطة بكراهية نازية طائفية ضد العرب، بل وبقية العجم السُّنة من الكرد والبلوش وغيرهم، أطلق هذه المشاعر، وصنع أزمة جديدة في الشرق الإسلامي.
وهنا، نفتح مجددا ملف قضية الأحواز، في كلا مساريه؛ قضية عادلة مستحقة لشعب مضطهد، وأرض محتلة حديثة عبر العنف الأمني. والواجب الأخلاقي والأممي يلقي مسؤولية على دول الخليج العربي كأقرب جوار لدعمهم، والثاني هو لغة المصالح، حيث صنعت إيران تكتلات حركية وثقافية ضخمة، دافعت عنها ودعمتها اقتصاديا وسياسيا، وكانت شرخا اجتماعيا في دول الخليج العربي.
إن التدخل الإيراني طائفي محض، لا جذور قومية ولا تاريخ سياسيا ولا رابط اجتماعيا قويا له، ومع ذلك صنعت منه جزرا عزلت بها بعض أبناء الطائفة من شعب الخليج العربي، وصنعت لهم مرجعيات دينية ذات تأثير سياسي كبير، هي من توجه بناءها الديني وثقافتها الأيديولوجية.
في حين أن إقليم الأحواز منفصل عن مد فارس وحدود الجغرافيا السياسية له قبل الاحتلال، مستقر بعربه وحكمه القديم، اجتاحته إيران عسكريا بعد إسقاط حاكمه الشرعي، وقهرته حتى يُسلّم لمواطنتها القسرية، وهجّرت جزءا من أهله وأحّلت غرباء في أرضهم ومنازلهم.
ولذلك لا يجوز أن تُقارن هذه الحالة بأي حالة طائفية في الخليج، ضخمتها ثورة ولي الفقيه، وصنعت بها وعبر اتباعها أزمات اجتماعية وسياسية، ولو كانت هناك شراكة من خطاب غلو سني ظهر في أوساط المجتمع، فالدعم في الأحواز لكلتا الطائفتين هو دعم حقوقي اجتماعي واعتراف بحقهم السياسي الذي يناضلون من أجله، وهو في الوقت ذاته مبادرة لكسب شريك صلب، تتقاطع مبادئه مع أمن الخليج وعروبته. ونُجمل ذلك في الآتي:
1- الشعب العربي الأحوازي هو جزء من النسيج الاجتماعي لشعب الخليج العربي حواضر وقبائل، غُرست جذوره في هذه الأرض مع هجرات القبائل العربية قبل البعثة، ومع الوجود الإسلامي الأول.
2- قضية الإقليم هي قضية إقليم محتل وشعب مضطهد محروم من أقل حقوق ثقافية واجتماعية، فضلا عن مطالبه السياسية المشروعة، ومسؤولية الخليج العربي دعمه وتسخير منابره له.
3- الحركة النضالية في إقليم الأحواز شريك يتطابق مصلحيا ومبدئيا مع مخاوف الخليج العربي، بل وواقعه الذي تعبث به إيران حاليا، ومن داخل منظومته، وكسبه سيكون رديفا حيويا للغاية.
4- إيران لا تخضع أبدا إلا عبر قهر نفوذها، وهي تعتقد بأن نفوذها يتعزز بعد انقسامات الخليج العربي، ولم تتوقف عن استغلال الانقسام في كل مكان، حتى في شرق تركيا، ولذلك فهيئات المقاومة المدنية الأحوازية هي مشروع مقابل طبيعي لذلك، ولكنه مبدئي وليس موسمي.
فما الذي يمكن لدول الخليج العربي -خاصة محور الرياض- فعله وتقديمه لدعم الأحواز والاستفادة من قضيتهم:
1- تقرير المصير والاستفتاء على إقليم الأحواز حق طبيعي مدني، وقبل ذلك الحكم الذاتي الشامل، وهو السقف الأدنى الذي فاوضت إيران الجمهورية الطائفية عليه، فدعم الشعب الأحوازي في تمسكه وإصراره على هذا الحق أمرٌ طبيعي جدا.
2- الشعب الأحوازي محروم في دول الخليج العربي من المقرات والمساحة التلفزيونية وإذاعة "إف أم" ومعارض المناسبات الوطنية، ومن المهم فتح هذه المساحة له عاجلا.
3- قرار بعض الفصائل حمل السلاح إثر الاضطهاد المستمر من النظام الطائفي الإيراني هو قراره الخاص، وليس مسؤولية أي دولة، وإيران هي من تنكبت الحوار المدني، وعليها أن تخضع له.
4- دول الخليج لا تتبنى أي جهد عسكري، رغم عدوانية إيران، ومشاريعها المسلحة العابرة في كل مكان، ووحشية مليشياتها، خشية التحريض الدولي، لكن دعم حقوق شعب الأحواز المدنية، والغوث الصحي والإغاثي، من الممكن تقديمه بسهولة.
سبق لإيران أن طلبت التفاوض، بل باشرته، بشأن مجموعاتها الحركية الشيعية في الخليج مع دولهم، فإذا قررت إيران أن تفاوض الشعب الأحوازي الذي يقرر مصيره ويحدد مسيرته، فالدعم الخليجي هنا مهم سواء بمفاوضات في بلد محايد، أو عبر مفاوضات الأمم المتحدة، وإيران التي تفاوض الثوار السوريين في الزبداني وتُلزم النظام بموقفها، لوجود أقلية شيعية فيها، ليس لها حق الاعتراض على رعاية عربية من أهل الخليج، تدعم قرار الأحواز واستقلال إرادته.
المصدر : الجزيرة