إيران بعد أميركا في وحل العراق
ما يزال النظام الإيراني الطائفي يظن أن بمقدوره إرجاع عقارب الساعة في العراق إلى ما قبل 10 حزيران/يونيو 2014، بالقضاء على العشائر والمجالس العسكرية وفصائل المقاومة، وإخماد لهيب الثورة الشعبية المتصاعدة ضد الظلم والطغيان الذي مارسته قوات وميليشيات نوري المالكي الطائفية في عموم العراق الجريح، ومن خلال تصريحات بعض أقطاب الحكومة الإيرانية، وما يجري من تدخل إيراني سافر في بلاد الرافدين، نستطيع أن نستشف المخطط الإيراني الذي يقوم على المرتكزات التالية:
أولاً: إدعاء إيران بحماية الأضرحة الشيعية المقدسة من الإرهابيين (السّنة)، وخصوصاً المرقدين للإمامين علي الهادي وحسن العسكري في قضاء سامراء (125 كم شمال غرب بغداد)، وفي 18-6-2014 أشار الرئيس الإيراني حسن روحاني قائلاً:”إن الشعب الإيراني العظيم لن يأل جهداً في الدفاع عن العتبات المقدسة في العراق”.
عِلماً أن هذين المرقدين لم يتعرضا لأي إعتداء طيلة قرون التاريخ الإسلامي في العراق، ولكن في 22-2-2006 قد تعرضا لتفجيرات ناسفة، وكان الفاعل الخفي لهذا العمل الإجرامي الشنيع هو النظام الإيراني، كما كشف القائد السابق للقوات الأمريكية في العراق الجنرال جورج كيسي في حزيران العام الماضي، عن تورط الحكومة الإيرانية بتفجيرهما، ولقد أبلغ حينها بعض المسؤولين العراقيين ومنهم نوري المالكي قبل رئاسته للوزراء.
هذا إن لم نتطرق للقول بأن أبعاد هكذا إدعاء إيراني يعني فتح الحدود بين الدول للتدخل على أُسس طائفية أو عرقية أو غيرها من التدخلات السافرة، مما يؤدي إلى فوضى سياسية عارمة وإشتعال حروب دامية تسلب الإستقرار من مناطق كثيرة حول العالم.
ثانياً: مساندة إيران لقوات وميليشيات المالكي الطائفية بالأسلحة والأعتدة والمقاتلين والمستشارين العسكريين، ففي 14-6-2014قال الرئيس الإيراني حسن روحاني بكل وضوح: “أن بلاده مستعدة لتقديم المساعدة في إطار القانون الدولي للحكومة العراقية في قتالها ضد المسلحين”، وفي حديث متلفز بتاريخ 26-6-2014 أشار مساعد الشؤون العربية والإفريقية بوزارة الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان بأن: “إيران تقف إلى جانب العراق في مكافحة الإرهاب، وإنها سترسل معدات عسكرية إلى العراق حال طلبه وفي إطار القوانين والإتفاقيات الدولية”.
بيد أن سياسة نوري المالكي الموالية إلى إيران، وإن قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني الذي يتردد إلى بغداد في إدارة شؤون المعارك الجارية في المحافظات الست الثائرة، فإن التشدق بإستخدام مفردات “إطار القانون الدولي”، وفي “إطار القوانين والإتفاقيات الدولية” هي من المماحكات السمجة لإستغفال العقول ليس إلا، فالسرعة التي حققت فيها الثورة إمتداها على أكثر من نصف مساحة العراق الإجمالية، وسيطرة ثوار العشائر الجلية على أرض الميدان، وإلحاق الخسائر الجسيمة بقوات وميليشيات المالكي بالأرواح والمعدات، قد أفزعت النظام الإيراني الذي هرع بمد أذرعه التي وصلت إلى إرسال كتائب من “الحرس الثوري الإيراني” للقتال ضد أبناء العراق، وإرسال الطائرات بدون طيار، وطيارين السيخوي لقصف مواقع العشائر والمناطق السكنية الآمنة والمراكز الطبية والتموينية، وما تناقلته وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية وشبه الرسمية بتاريخ 4-7-2014 في تشيع جثمان العقيد الطيار شجاعت علمداري مورجاني الذي قُتل في العراق، من بين الأدلة الكثيرة على التدخل الإيراني الطائفي.
ثالثاً: إستمرار مزاعم إيران بأنها حامية الشيعة حول العالم، وبذا فإن المصلحة التي يراها النظام الإيراني هي مصلحة جميع الشيعة أينما كانوا، وبما أن ثورة العشائر العربية المتوهجة ستقبر المشروع الإيراني الطائفي، مما يؤثر بصورة أو أخرى على سياسة إيران في المنطقة العربية، لذا فإن القتال الذي يخوضه النظام الإيراني الآن تحت شعار “شيعة علي هم الغالبون”، وإن مرشد إيران علي خامنئي أوعز إلى عقد مؤتمر بغية تأسيس “منظمة المؤتمر الشيعي العالمي” ومقره طهران وفروعه في كافة أرجاء العالم، وله أهداف طائفية وسياسية وإقتصادية تصب جميعها في صالح النظام الإيراني، هذا ما تم تسريبه في رسالة سرية موجهة إلى المكتب السياسي في المجلس الأعلى الذي يتزعمه عمار الحكيم.
إن هذا الإتجاه لعولمة الشيعة تحت القبضة الصفوية الإيرانية، يعني أن إيران تنتهج سياسة الهروب إلى الأمام، فما تتعرض له ميليشياتها الطائفية من “عصائب الخزعلي” و”جيش المهدي” و”حزب الله العراقي” و”كتائب أبو الفضل العباس” وغيرها، فضلاً عن قوات المالكي، من خسائر بشرية وإندحارات ميدانية في العديد من المعارك؛ علاوة على كتائب الحرس الثوري الإيراني التي نالها قسطاً وفيراً من القتل اليومي على أيدي العشائر وثوارها، فإن النظام الإيراني بدلاً من أن يعيد حساباته السياسية والعسكرية الإقليمية، نجده ماضٍ في المواجهات الميدانية، وإن شهود العيان قالوا أن جثث القتلى الإيرانيين يتم نقلها من مطار النجف إلى إيران، ثم تعود تلك الطائرات محملة بمقاتلين آخرين.
يبدو إن النظام الإيراني يرتكب نفس الخطاء الذي سار عليه في حرب الثمان سنوات (1980-1988)، حيث يعتمد على الكمية البشرية بزجها في أتون المعارك من ناحية، ويعمل على سياسة القتل والتصفيات الجسدية من ناحية أخرى، فالميليشيات الطائفية صارت تعتقل وتقتل وتغتال بأهل السُّنة في وضح النهار دون أي واعز يردعها، بل أنها مدعومة ومسنودة من قوات المالكي بشكل علني.
ولكن نسى رجال الدين الذين يقودون النظام السياسي الإيراني حول القاعدة القتالية العامة في الحروب، بأن المقاتل من أجل الدفاع عن أرضه وعرضه يختلف في الميدان عن المقاتل الذي تم إرساله لأسباب طائفية لا علاقة لها بالوطن والمواطن، فالعزيمة والإرادة والشدة في مواجهة الموت تكون في صالح الذين يمتلكون قضية الحق العادل ضد الباطل الجائر.
وكذلك لم يتعظ النظام الإيراني ولم يأخذ خبرة من الهزيمة الميدانية التي لحقت بالجيش الأمريكي على أرض الرافدين، جراء إستخدام القوة العسكرية بغية فرض الحل السياسي، ومثلما غاصت القوات الأمريكية المحتلة بوحل العراق ثم هربت تحت ذريعة الإنسحاب الرسمي، فإن إيران تسير على نفس المنوال وستلقى نفس النتيجة الحتمية.
المصدر : مركز المزماة للدراسات والبحوث