مدخل إلى فحص الكلام الأحوازي بشأن مشكلة السياسة 17/20
(قراءة أسباب عدم التحول
من المجتمع العشائري الديني التقليدي إلى المجتمع الوطني الجديد)
رابعاً- العامل الديني
“السلفية الوطنية” بأي معنى؟
إن العامل الديني كان شيعياً
أو سنياً سلفياً ماضوياً عندما يناهض الوطنية و التجديد يكون خطراً ثالثاً علينا
عبارة الإمام مالك
(( لا يُصلح أخر هذه الأمة إلا ما أصلح
أولها ))
ما هي القضية المركزية
عند سلفيو الأحواز اليوم تطبيق الشريعة وإعادة
صراع العقيدة أو إنشاء مجتمع وطني ؟
في البداية ونحن نتناول
موضوعاً ملتبساً ومتاشبكاً وهو الوضع الديني (مسألة الشيعة والسنة في الأحواز الآن)،
نقول إن الإجابة على سؤالنا المطروح نؤجله موقتاً ولا نتسرع في الفصل فيه الإ بعد أن
نقدم جملة شروح تحمل عدة من الأجوبة وليس جواباً واحداً. ومن أجل أن نعطي الموضوع حقه
نبدأ بتسجيل أربعة نقاط نسجلها هنا في البداية وهي مترابطة وتخص موضوعنا بشكل مباشر
وربما تسهل علينا الخوض في تحديد رؤيتنا ،
النقطة الأولى: نريد أن
نفصل هنا حتى لا يحصل اللبس والخلط ما بين
(( الشريعة- علم الفقه)) وبين (( العقيدة – علم الكلام – التوحيد أو السياسة)) ومنها
قضية الخلافة والحكم السياسي في الإسلام وهي
التي لا تزال موضوع خلاف وجدال مع نقاش بين طرفين داخل الحضارة الإسلامية السنة و الشيعة
،فهذه الأخيرة تختلف في أصولها عند السنة عن
الشيعة كما وضع لها (( أبو الحسن الأشعري 260 – 324 هجري امام المتكلمين )) ، حسب تعبير أبن
خلدون و هو الذي قام بمهمة الدفاع عن قضية
الخلافة السنية ليضفي عليها الشرعية الدينية
مقابل الرد على نظرية الشيعة في الإمامة ،
عند ما أعتمد على الأصول الأربعة نفسها التي وضعها من قبله (( الإمام الشافعي 150 –
204 هجري ))، فهذا الأخير وضع تلك الأصول الأربعة
وفق نظرة متماسكة كانت من قبله يعمل فيها الأصول
نفسها ولكن هو من وضعها داخل رؤية وهي (( القرآن الكتاب، السنة، الإجماع، القياس- الاجتهاد))
ليؤسس عليها بالتالي قواعد (( الشريعة- علم
الفقه )).
إن الشيعة قالوا بإبطال
ثلاثة من أصول السنة بنو عليها أهل السنة وهي (الإجماع، القياس، الاجتهاد)، وأعتمدوا
على (الكتاب، السنة كلام الرسول ومرويات الائمة الشيعة ،فهي تقوم مقام حديث الرسول من ناحية صحتها وعدم الطعن فيها كمصدر
للتشريع ). أما الأركان في الدين هي عند أهل
السنة خمسة (( الشهادة، الصلاة، الصيام، الزكاة، الحج))، والأركان عند الشيعة الأثني
عشرية هي أربعة مع إضافة الولاية / الإمامة لتكون بهذا خمسة هي (( الصلاة ، الصيام، الزكاة ، الحج، الولاية
)). ونضيف بأن متكلموا الشيعة على صعيد العقيدة في ما يخص الولاية الإمامة لعلي أبن أبي طالب تبنوا رؤية ومنهاجاً
كان مختلفاً لإضفاء الشرعية الدينية على مبدأ
الوصية وبعدها الولاية مقابل خصومهم
أهل السنة الذين تبنوا نظرية الأختيار أو الشورى باعتبارها فرعاً لا ينتمي إلى العقيدة
بل إلى الفقه، وبالتالي هذه الأخيرة لا تلتقي و مبدأ الوصية و لا تستقيم معها في الفكر
الشيعي، وفي نفس السياق نشير فقط بأن البعض في عصرنا حاول أن يؤكد أن الشورى هي مبدأ
الشيعة قبل القول بالإمامة وهذا رأي مخطئ أنظر ما ذهب إليه صاحب كتاب (تطور الفكر السياسي
الشيعي من الشورى إلى ولاية الفقيه – أحمد الكاتب )، وهذا الأخير خطأ في ما ذهب إليه،
وبالتالي لا يعتمد على ما طرح هذا من جهة،و من جهة ثانية لا يرتقي في موضوعه والدراسة العلمية التي تطلب
أن يحدد موضوعه بدقة خصوصاً وأن موضوعه هو من المواضيع المتشابكة (الإيديولوجية السياسية ما بين الخطاب المتطرف و الخطاب الوسط عند السنة و الشيعة معاً) التي نشأت
في التجربة العربية الإسلامية .
النقطة الثانية : نقول
إن التجربة الإسلامية الأولى لم ينفصل فيها الجانب السياسي عن الديني حتى إن مسار العقل
العربي الإسلامي أخذ اتجاهات مختلفة منها ذلك الذي أدى إلى إنتاج التطرف أو الذي أدى إلى نشوء صراعات، وبالتالي اتجاهات
التجربة الإسلامية الدينية بغض النظر عن مقاصدها ، إلا أن محركها كان واحداً متشابكاُ،
بعبارة أوضح كان طابعاً سياسياً واجتماعياً واقتصادياً. حادثان تاريخيان نبرز لهما
هنا من تلك التجربة الإسلامية العربية ، الأول-
ظهورالتطرف ،فهو كان موجوداً في تجربتنا العربية الإسلامية تمثل في ((حركة الخوارج))عندما
تطرفوا في أقوالهم ومواقفهم لدرجة القول بالتكفير،تكفير الخليفة الرابع علي أبن أبي
طالب و معاوية بعد قضية (( التحكيم )) بين الأخيرين، ورفعوا شعار ((لا حكم
الإ لله))، وهم أول من تجاوز مبدأ (( الأئمة
من قريش )) القبيلة والانتقال إلى العقيدة
على صعيد الكلام في الحكم والسياسة، والتطرف بطبيعة الحال يتعمق عند غياب العدالة وهو
دائما يعيش في الأطراف و حضوره ليس فقط نجده في
الماضي و نقرأه كما جاء به الخوارج من تاريخنا، بل إن التاريخ الحديث والمعاصر حمل معه
التطرف ويتمظهر حسب ظروف كل مجتمع، وأن وجوده يدل على أن هنالك خللاً وأسباباً
أدت إلى نشوئه كما نشهد له اليوم في الحضارة الحديثة وفي عصرنا هذا بوضوح يؤمن فيه
أصحابه .
ويرى هؤلاء أي أصحابه بأنه
يخدم قضيتهم المركزية التي يدافعون عنها، هذا كان نموذجاً تاريخياُ له حضور في الماضي
و الحاضر . أما النموذج التاريخي الأخر الثاني-
والذي بدوره أخذ طابعاً سياسياً ومجتمعياً واقتصادياً في ظل الدين الإسلامي تمثل بقضية
مطالبة الفرس بالمساواة والتي عرفت بحركة (( الموالي، أهل التسوية ، الشعوبية )) ،
حيث إن هؤلاء الموالي كان وضعهم المجتمعي و
الاقتصادي والسياسي دون العرب وفي مرتبة الدنيا
صحيح أن وفق الشرعية الدينية هم أحرار و لكن مكانتهم في المجتمع كانت مقابل العرب
تأتي في أدنى، وأن هذا الأمر الذي أفرز
فئات كثيرة في المجتمع الإسلامي من (الضعفاء والبسطاء) أدى إلى تطور الصراع على الهوية ليؤدي بالنهاية إلى أختلاف فكري، وأن الدين الإسلامي
تم التوظيف له سياسياً ( إيديولوجية الوصية
– الإمامة ، إيديولوجية الجبر الأموية، التطرف الخوارج، المعتزلة الحركة التنويرية، إيديولوجية الطاعة الفارسية لأبن المقفع دولة بني العباس) فأنتج إسقاط
دولة الأموية و نشوء الدولة العباسية، وأن
تلونت الاتجاهات المعروفة ( الفرق ) و تغيرت
المطالبة أو تطورت المسارات من جانب
أهل التسوية – الفرس إلا أن كل ذلك بالنهاية
صب في مجرى خدمة قضيتهم المركزية أو القومية التي يدافعون عنها و الوصول إلى المقصد والنتيجة
وهي إحياء هويتهم و الحفاظ عليها . وربما هذا يحمل دلالة على أن صراعات
اليوم هي كذلك متداخلة ومتشابكة بين الديني والسياسي والمجتمعي والاقتصادي والهوية
والوجود كما الأمر بالنسبة لنا إلا أن المهم كيف نستطيع أن نؤسس رؤية و نوظف ما نستطيع
لخدمة قضيتنا المركزية، ولكن يواجهنا هنا سؤال هل بعض من الأحوازيين الذين يتجهون
نحو الدين (( السلفية )) يملكون رؤية وفهما لإعادة
التوظيف للدين الإسلامي ؟ وأي الاتجاهات و الأفكار التي يمكن أن
يتم الاتصال بها والإسناد إليها من الماضي لتضفي الشرعية على قضيتنا وهي دون
غيرها أعني الفكرة الدينية صالحة و تناسب بيئتنا و حاضرنا ؟ إن النموذجين ربما كل واحد حامل
لدلالة صحيح أن كل نهضة تريد التحول
في الحاضر و محاصرته تعود و تسند بالماضي
( كل ما رغبنا رفض مظاهر الحاضر رجعنا للسلف فهو الصالح. إن الله أعاده
الإسلام ليربطه بالماضي بالرجوع
إلى النبي إبراهيم و ذلك من أجل مواجهة
مظاهر واقع الرسول الكريم محمد ص يحاصره، وربما هذا كان نافعاً الرجوع للسلف ومنها معنى السلفية على صعيد العقيدة الدينية
لرفع الشوائب و ما لحق فيها من بدع )هذا شيء مبرر، ولكن إعادة صراع الماضي ليحل مشاكل
الحاضر شيء ثانٍ مختلف، أو أمر فيه نظر كما قالوا القداماء نظر يسمح لنا لنبدأ بالنقطة
التالية.
النقطة الثالثة- نقول إن
الظاهرة الدينية اليوم في مجتمعنا الأحوازي ان كانت شيعية أو سنية عندما تناهض
وتحارب قضية اليوم الوطنية تصبح عبء عليها و على التجديد إما قولنا هذا عائد لسببين الأول: هو أن الظواهر عندنا
في المجتمع الأحوازي ومنها التي تتجه نحو
الاتجاه السلفي ليس لها مرجعيات
و لا تملك رؤى واضحة تقدمها
لإدارة المجتمع و النظام السياسي أي تقول بمبدأ
تطبيق الشريعة وإذ قال هؤلاء بهذا القول فهم يجهلوا أصل مشكلتنا ومسار تاريخنا .
الثاني : يكون من خلال تحويل الدين إلى ساحة السياسة، وليس فقط هذا، بل يرى بأن الحلول فقط في الماضي كما السلفية الماضوية السنية من أبن تيمية إلى محمد بن عبد الوهاب صحيح أن هذا الأخير رأى مظاهر (( البدع )) و (( المحدثات )) في الدين الإسلامي فتجه نحو العودة إلى الأصل السلف الصالح
في أمر العبادة لله وحده وتصحيح مسار العقيدة الدينية من الثقافة الشعبية العامة التي حلت مكان العقيدة الدينية العالِمة
ولكن إن نعود (( للسلف الصالح )) في النظر لكل مشاكلنا اليوم ونقول يكفينا ما عندنا
من تراث ونرى مظاهر تخلفنا السياسي و المجتمعي كما دعا الأفغاني والإمام محمد عبده
بالرجوع للتراث وحده نتجاوز تخلّفنا و نظفر
بالنهضة ذلك ما لم يجلب للعرب نهضة رغم أنه جلب لهم الاستقلال الوطني عن الاستعمار عندما
كانت السلفية بجانب الدولة الوطنية وهي الإصلاحية
قبل التحول بعدها (( من الدولة الوطنية إلى الجهادية ))، ومناهضة الدولة الوطنية
كما هو اتجاه السلفية اليوم، وهنا فقط نسجل ملاحظة سريعة لرفع اللبس وهو أن الوهابية
كانت تتجه نحو العقيدة الإسلامية توحيدها إما سلفية الأفغاني وعبده تتجه نحو النهضة
السياسية و بناء الدولة حتى إن الكثير من الباحثين في هذا الشأن يفصلوا ويقولون باختلاف إشكالية الوهابية عن إشكالية النهضة أنظر ( كتاب-
الدولة في الفكر الإسلامي المعاصر- عبد الإله بلقزيز 2002 م ) . وإن هذا الأمر يصدق على الفكر الشيعي عندما يتم التوظيف له والذي يتحالف مع قوى التخلف و الخصوم و الأعداء
الذين يجتمعوا لمناهضة الوطنية و التجديد .
إن هذا يمثل خطراً ثالثاً ضد الحركة الوطنية الأحوازية
التجديدية، ونضيف بأن هكذا اتجاه ديني دعوي
خطر لابد أن يمارس بحقه الفحص والنقد العقلاني في الحوار و الديمقراطية في السياسة ، فهذا أمر،وأما
الأمر المهم الأخر هو أن ليس هنالك نظرية إسلامية في الحكم السياسي تؤكد كيف يكون الحكم السياسي و أن هذا لا نجده لا
في الكتاب ،ولا في السنة ،و أن هذين الأخيرين
من مصادر التشريع إضافة إلى الإجماع
كمصدر للتشريع هذا بالنسبة للسّنة ، وبالتالي مسمى الدولة الإسلامية يبقى أمر
اجتهاد وفق ظروف كل مجتمع. أما الحل بدل المواجهة
و التطرف عندنا نرى الكتلة الوطنية، ماذا نقصد من هذه الثلاثية
الكتلة التاريخية و العقلانية و الديمقراطية ؟ الإجابة على السؤال تنقلنا إلى
النقطة التالية والأخيرة .
النقطة الرابعة : كثير
ما نسمع أقولاً من بعض من الأحوازيين يأتي فيها مفهوم العلمانية كبديل نلجأ
إليها ، فهذا كلام يطلق على هواه و ترافقه
كثير من العيوب والأخطاء من جانب الذين
يذهبوا في هذا الاتجاه ، فهؤلاء دون أن يملكوا وعياً كافياً يقولوا مرة نحن من الليبرالين
أو من العلمانيين وليس السبب في ضعف
كلامهم عائد فقط أنهم يلقوا كلاماً شفوياً
وهو ما يسقط عنهم صفة أصحاب رؤية ، بل قبل ذلك إن الكتابة عندنا ليست
أفضل حالاً فهي وأن حصلت إنشائية لا تفي بالغرض لفهم موضوع ما ، كموضوع العلمانية وهي لا تزال مفهوماً ملتبساً على صعيد
اللفظ و التجربة عند كبار مفكرى
العرب وحتى الفرس رغم ما كتب و أصدر عنها من دراسات و بحوث وهذا اللبس يمكن تلخيصه
في مجالين – ففي المجال الأول السياسي طرح في مصر و دول الثورات العربية اليوم مفهوم
((الدولة المدنية )) بدل إعادة طرح العلمانية .
المجال الآخر فكري خالص لم يفصل
في أمر العلمانية ، فالمفكر العربي الإسلامي حسن حنفي صاحب طرح مفهوم (( اليسار الإسلامي )) و هو أيضاً الفقيه كما يصف نفسه والذي يستند
على حديث منسوب للرسول العظيم (( إن الله يبعث لهذه الأمة، على رأس كل مائة سنة، من
يجدد لها دينها )) ، فهذا الأخير رغم معرفته بثلاثة لغات أساسية الفرنسية، الألمانية،
الأنجليزية إضافة إلى العربية لم يصب في تحديد
العلمانية بدقة في حواره مع الجابري حوار المشرق
و المغرب، حتى إن هذا الأخير قال بشأن العلمانية (( مسألة العلمانية في العالم العربي مزيفة، في رأيي من الواجب استبعاد
شعار العلمانية من قاموس الفكر العربي و تعويضه بشعاري الديمقراطية و العقلانية من
الأفضل رفعها عن الفكر العربي واللجوء إلى
العقلانية و الديمقراطية لعدم وجود كنيسة عندنا في الإسلام )) . أما الطرابيشي الذي
يدافع عن العلمانية بحكم مخالفة الجابري قال
صحيح ليس عندنا كنيسة ولكن أدعى على أنه
(( الإسلام الشيعي فيه مؤسسة شبيهة
بالكنيسة )) ،هذا جانب و الجانب الأخر المهم
مشكلتنا اليوم كما كانت بالأمس هي حصولنا علي حقوقنا الطبيعية الأولية كمجتمع أحوازي
من تعلم لغتنا العربية إلى حق العيش
بكرامة و حرية التعبير و الأعتراض و النقد
وهذه مشكلة وطنية أولاً و آخراً . أما من يقول
دون وعي لا بالتاريخ و لا بأصل مشكلتنا إن
النظام العلماني إذا حكم إيران نجد فيه فهما
لمشكلتنا، نقول إن التاريخ يكذب هذا القول في الحاضر والماضي، فالنظام البهلوي الذي
صنع مشكلتنا لم يكن دينياً خالصاً بل إنه كان نظاماً علمانياً قومياً خالصاً إما الحاضر فالمعارضة الفارسية العلمانية
القومية لم تغير مسلكها ولا نظرتها تجاه قضية
الشعوب، فهي أكثر غلو و تطرف من غيرها .