نظام الملالي في ايران هجوم للدفاع عن النفس
من يرقب حركة نظام الملالي في ايران على الصعيدين الاقليمي والدولي تختلط عليه
الرؤيا .. هل هذه الحركة هي ضمن استرايجية الهجوم , ام الدفاع عن النفس . الهجوم خير
وسيلة للدفاع .. والمباغتة نصف النصر في المعركة . وفي احيان كثيرة يكون الهجوم خارج
المسرح للتغطية على الازمات الداخلية او لتنفيسها والهاء المواطنين عن الاشتغال بتلك الازمات . ومع ذلك فان نظام الملالي الذي يحكم
وفق نظرية ولاية الفقيه التي تفوق كل الدكتاتوريات في العالم , لان طاعة المواطنيين للحاكم طوعية تحكمها عقائد السماء .يتصرف
هذا النظام وكأنه لا يعاني اية مشكلة داخلية او خارجية . فما هو واقع هذا النظام؟
1. الازمة الاقتصادية : القضية الاقتصادية هي التي اتجه النظام بها إلى
مأزق الدعم النقدي للمواطنين مع زيادة التضخم وضعف الاقتصاد القومي واعتماده على بيع
النفط. وتعتبر دعوة خامنئي إلى جعل هذا العام عام الجهاد الاقتصادي إشارة إلى الموقف
الحرج الذي يتعرض له الاقتصاد الإيراني بسبب تراكم الفساد والسياسات الخاطئة، بل يدعو
للظن إلى أن الاقتصاد الشعبي الذي اختارته حكومة أحمدي نجاد منهجا له، وما يتعلق به
من السياسات الجديدة للدعم، قد أدى إلى صدمة للاقتصاد الإيراني، خاصة رجوع الحكومة
عن دعم المستثمرين، مما يشير إلى خلاف بينها وبين الغرفة الصناعية والتجارية والبازار
حول نشاط القطاع الخاص. مع زيادة البطالة ونمو التضخم. وتقليل الإنفاق على المواد الاستراتيجية
مثل الماء والطاقة. فالحالة الاقتصادية في إيران بدأت تسير على طريق الانهيار لضعف
السياسة المالية التي ينتهجها نجاد فإيران تعاني من بطالة قاتلة تتخطى الـ20 بالمائة
بين الأشخاص الأقل من 24 عاما ، رغم الارتفاع الكبير في اسعار النفط في العالم . كما
أن الهوة بين الطبقتين الغنية والفقيرة تزداد وان العمال والفلاحين وموظفي الدولة يعانون
الكثير من المشاكل الاقتصادية والمعيشية. وأظهرت
دراسة إيرانية رسمية – أجريت بطلب من البرلمان الإيراني في شهر يونيو/ حزيران الماضي ان التضخم كان عام 2005 اي عندما تسلم نجاد الحكم
ما يقارب نسبة 10% وقد وصل عام 2008 إلى نحو 30%. ويبقى الاقتصاد نقطة ضعف نجاد . ولاسيما
مع تدني أسعار النفط في وقت تؤمن الصادرات النفطية اكثر من نصف الدخل الوطني.
ومن المؤكد أن الأزمة المالية العالمية سوف تجبر نجاد على سحب مبالغ كبيرة من
الصندوق الاحتياطي الإيراني، الامر الذي يؤدي الى عجزً في الميزانية، ومن ثم الإفلاس . كما ان انخفاض أسعار النفط، كشف مدى هشاشة الاقتصاد
الإيراني الذي بات قاب قوسين أو أدنى من الانهيار، نتيجة البنية التحتية الفاسدة وجراء
هدر مبالغ من المال لاستمرار المشروع النووي من جهة، ولجيوب الفاسدين من جهة أخرى والصرف
على عمليات الارهاب في الاقليم والعالم.
لقد فجرت ميزانية العام الشمسي الحالي 1390 مشاكل كثيرة كانت كامنة بين الحكومة
والمجلس النيابي، خرجت إلى العلن مع إذاعة وقائع جلسات المجلس عبر أجهزة الإعلام، مما
اضطر رئيس الإذاعة والتليفزيون إلى وقف إذاعتها. وقد طالب نجاد المسؤولين في الحكومة
والمحافظات بعدم الإعلان عن خلافاتهم، والابتعاد عن المنافسة السلبية وعدم التنسيق
لأن ذلك يضر بمصالح البلاد، وقد برر إقالته لوزير المعلومات بتدخل الوزير فيما لا يعنيه
من شؤون الحكومة مستبعدا المصلحة العليا للبلاد، وهو ما عمق الخلافات في الحكومة.
2 . الصراع على
السلطة : هناك صراع آخر حول القيادات الجديدة التي سوف تتولى المسؤولية بعد انقضاء
فترة حكم نجاد، حيث , لان الدستور لا يسمح
له بفترة رئاسية ثالثة . ويسعى علي خامنئي إلى وقف هذه الصراعات خوفا على انهيار النظام،
كما يسعى إلى معالجة تداعياته، وهو ما أدخله في علاقة متوترة مع تلميذه نجاد ، حيث
يضطر الزعيم بين الحين والاخر إلى وقف طموحات نجاد بالتدخل في شؤون السلطة التنفيذية
, فيوقف بعض القرارات او يصدر قرارات معاكسة
لأوامر الرئيس وتوجيهاته، مما يؤثر على انسياب مشروعات الحكومة أو يشكك في صلاحياتها
أو إضعاف موقف الرئيس ومكانته في النظام، وهو ما يستفيد منه خصومه.
هذا وقد عبر العديد من المسؤولين المعارضين في البرلمان الإيراني عن سخطهم جراء
السياسة التي ينتهجها نجاد ولاسيما الداخلية، آذ أوعز العديد من المراقبين السياسيين
تزايد الأزمات الداخلية الإيرانية إلى السياسة العمياء التي يفرضها نجاد على خصومه
في الخارج بقولهم : “إن السياسة الإيرانية الخارجية هي السبب الرئيس بتدهور الأوضاع
في داخل إيران إذ أن الكثير من الأموال تصرف لدعم مؤيدي النظام الإيراني في سوريا ولبنان
(حزب الله اللبناني ) والعراق – بدعم الميليشيات الطائفية مثل جيش المهدي وفيلق بدر-
إضافة إلى صرف الكثير من الأموال لتأجيج الأوضاع في البلدان العربية الأخرى مثل مصر
والسودان واليمن”.
3 . اضطراب السياسة
الخارجية : نظرا لكثرة المواقع القيادية في النظام فمن الطبيعي ان تكثر التصريحات المتناقضة
في القضية الواحدة , وكان خامينئي يضطر إلى
معالجة أخطاء السياسة الخارجية التي تفسد علاقات إيران ببعض الدول، وتنال من مكانتها
وفعاليتها الإقليمية والدولية، وأحيانا يدلي ببعض التصريحات التي تتسبب في هذه الأخطاء،
حتى باتت توجيهاته فيما يتعلق بالسياسة الخارجية أمرا مزعجا ومعوقا لمهام المسؤولين
المنفذين للسياسة الخارجية، وهو ما يدفع وزير الخارجية أحيانا على أن يدلي بتصريحات
تتناقض مع تصريحات خامينئي مثل قضية قطع العلاقات مع البحرين والمملكة العربية السعودية. كما تتمثل التهديدات الخارجية في اشتداد حركة مقاطعة
إيران من جانب الدول الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية، وعدم التزام روسيا بإتمام
مفاعل بوشهر وتشغيله، كما ان عدم الاستقرار السياسي والشعبي في كثير من دول المنطقة
والدول العربية، اعطت خصوم إيران فرصة لنقدها ونقد سياستها الخارجية , ولا سيما سياستها
في العراق والبحرين والسعودية .
لقد كان نظام الملالي يعتقد ان ما جرى في الاقطار العربية من انتفاضات شعبية
هو نتيجة للثورة الايرانية او بتأثيراتها ,وظل
يراهن على أن تغيير الأنظمة الحاكمة في المنطقة سيكون لصالحها وكانت تعد العدة
لقيادة إقليمية غير مسبوقة تعيد ترتيب المنطقة وفق مشروع الشرق الأوسط الإسلامي في
مقابل الشرق الاوسط الكبير الامريكي ، لكن الانتفاضات العربية لم تكن بتأثير الثورة
الإسلامية ولم تسير على نهجها ، بل سارت على نهج يغايرنهج الملالي خاصة ثورة مصر.
اما احداث البحرين فقد اعتقد نظام الملالي أن إيران هي الرابح الأول في هذه
القضية، ولكن تطور الأحداث جعلها الخاسر الأول، لأن التزاماته العقائدية والسياسية
جعلته يبتعد عن واقع الأحداث في البحرين، بل ساهمت في إضعاف موقف المعترضة الشيعة على نظام الحكم في البحرين، وأعطت المبرر
لمجلس التعاون الخليجي مساعدة الحكومة البحرينية في إقرار الأمن والنظام وإعادة الهدوء
إلى الشارع البحريني، مع ترحيب كبير من دول المنطقة والعالم، وصار الصوت الإيراني هو
الصوت الوحيد المحرض على الإخلال بالأمن والسلام في المنطقة.
وقد خاب ظن الملالي فيما جرى في ليبيا ايضا وفقد الأوراق التي كان يضغط بها
على نظام القذافي للوقوف إلى جانبه في سياسته الإقليمية، وخاصة ورقة اختطاف النظام
الليبي للإمام موسى الصدر، كما تخبط في سياسته تجاه الثورة في اليمن، لأنه راهن على
الحوثيين، ولكن تطور الأحداث جعله يدرك أن هذه الثورة البمنية ثورة شعبية لها اهدافها الوطنية و لا تستلهم الثورة
الإيرانية.
أما موقف نظام الملالي الفاضح في سوريا
فهو الذي رمى به الى الحضيض , وكشف كل اوراقه الطائفية , واكد سياسته الطائفية في المنطقة
.ولم يخفي النظام ان العلاقة مع الأسد هي علاقة
استراتيجية , ولابد من بذل الدعم المالي العسكري والفني لابقاء نظام الاسد اطول مدة
من الزمن . ورغم كل الدعم وعقد المؤتمرات وتقديم الاقتراحات الا ان سير الاحداث في
سوريه جعل نظام الملالي في شك من مأل مستقبل الأسد في سوريا، وهل سيصمد أمام الضغط
الاقليمي الأمريكي والغربي؟ أو الضغط الشعبي؟
وهل سيستطيع مواجهة المد الشعبي الغاضب على نظام حكمه؟ كل هذه التساؤلات يجعل السياسة
الإيرانية تجاه سوريا أيضا أكثر ارتباكا وتعقيدا.
3 . وعلى الصعيد
العالمي فنظام الملالي يعيش حالة فتور مع الاتحاد الأوربي من ناحية والولايات المتحدة
الأمريكية من ناحية أخرى , نتيجة تعنته في
القضايا الدولية وخاصة الملف النووي الإيراني، هذا التعنت الذي كان يستند إلى قوة الموقف
الإيراني الإقليمي، ودعم الأحداث له، والذي أدى تطورها في الاتجاه المعاكس إلى أن فقد
هذه الورقة في تعاملاته مع الغرب , ومع ذلك ما زال يملك بعض الاوراق التي يناور بها
في علاقته مع الولايات المتحدة وخاصة في العراق وافغانستان . كما ان فرص النظام
على الساحة الخارجية ما زالت موجودة في عدة ساحات دولية مثل روسيا والصين تركيا وماليزيا وفنزويلا، وحاجة بعض هذه الدول للنفط
الايراني.
ان اصرار النظام على اظهار القوة العسكرية امام الرأي العام الداخلي والخارجي
, ليس الا حالة من حالات الدفاع والردع في كثير من الاحيان . ولا تعبر دائما عن القوة
بل هو تنفيس عن الازمات التي تملئ الشارع الايراني . ومهما اظهر النظام من قوة على
الصعيد العسكري , تظل قوى الاخرين ولاسيما الدول الغربية اكثر قوة من اي بلد في عالم
الجنوب . ولا يخفى على اي متابع ان اهمال الداخل اي اهمال الشعب واضطهاده ومصادرة حرياته
هو مقتل اي نظام سياسي في العالم . والنظام في ايران نظام متسلط صادر حريات الاصلاحيين
والمعارضة الحقيقة المحبة لوطنها , واهمل الاقتصاد وهدر اموال البلاد على الارهاب والمشروعات
الفاسدة , كل هذه مظاهر ضعف وانهيار في النهاية.
*كاتب أردني ورئيس لجنة الاعلاميين والكتاب العرب
دفاعا عن أشرف
arab.journalists.ashraf@gmail.com
المصدر: إيلاف