إيران تنام مِلءَ جَفنَيْها!
إنه لأمر يدعو للحيرة عندما (يستنكر) البعض التفاتَ المخلصين للقضايا الكبرى (كالخطر الإيراني) ثم يأتي هو ليشتغل بقضايا أقل ما يقال عنها إنها شأن داخلي!
من حسن حظ إيران أنها وبمجرد أن تتوجه الأنظارُ إليها نتيجةَ عنترياتها وتدخلاتها المباشرة في أماكن شتى من العالم العربي، تأتي رياح الفتن العربية بما تشتهي سفن العربدة الإيرانية فتصرف عنها أمواج السخط؛ لتمضي في غيها دون أدنى استنكار؛ نتيجة انشغال العرب بأزماتهم الآنية التي ما إن تهدأ في جهة حتى تُوقَظ في جهة أخرى. وتوضيحًا للأمر، فقد مضت سنتان على الثورة السورية ضد نظامها الأسدي، وجامُ الغضب العربي منصبٌّ على النظام القائم في سوريا دون الالتفات (بشكل أعمق) لمن يقف خلف صمود النظام الحاكم في وجه الجيش الحر وفصائل المقاومة السورية، وأعني به نظام الملالي في طهران الذي ما فتئ يكيد للعرب، ويسعى جاهدًا لاستكمال ما يُسمى بالهلال الشيعي. النظام الإيراني منذ قيامه عقب الثورة الخمينية المدعومة من قِبل الحكومة الفرنسية أخذ على عاتقه مهمة الوفاء بأجنداته مهما كان الثمن؛ فالثورة ما قامت لتقتصر على الحدود الجغرافية لإيران؛ وإنما قامت بوصفها عالمية المقصد؛ لنشر وتمكين المذهب الإثنى عشري، وبسط هيمنته على العالم الإسلامي. ووفاءً لأيديولوجيا الثورة الخمينية ضد الدول العربية وعلى وجه الخصوص دول الخليج العربي رأينا كيف أن إيران ترى النقاشَ حول الجزر الإماراتية المحتلة منذ (1971م) أي قبل قيام الثورة الخمينية ضربًا من التعدي على سيادتها الوطنية. ثم رأينا كيف استغلت الاعتداء الإسرائيلي على لبنان لتؤسس سنة (1982م) على التراب اللبناني ما يسمى بـ(حركة أمل الإسلامية) المنفصلة عن (حركة المقاومة اللبنانية) ثم تحول مسماها فيما بعد إلى (حزب الله). وبعد الاحتلال الأمريكي للعراق سنة (2003م) تمكنت إيران من القبض على مفاصل الحكومة العراقية لتتحول إلى حكومة شيعية تدين بالولاء لطهران. واستمرارًا لتلك الأيديولوجيا فقد غذَّت إيران الحوثيين في اليمن ليظهروا سنة (2007م) ويشبوا عن طوق الحكومة اليمنية؛ فيخلعوا يد الطاعة منها، ويؤكدوا الولاء لإيران، ويبدؤوا بمناوشات حدودية مع السعودية. وفي السنتين الأخيرتين أذكت إيران نار الفتنة في البحرين وبعض دول الخليج العربي، ثم ما كان من دعمها لذراعها في لبنان (حزب الله) ليتدخل في الشأن السوري بشكل سافر دون مراعاة للمبادئ والأعراف الدولية. وكردة فعل على كل ما سبق جاءت الأقلام الصادقة لتسلط الضوء على المخططات والممارسات الإيرانية بحق العرب، وتبين خطرها على وحدتهم ومصالحهم. وفي الوقت الذي كانت تقوم فيه تلك الأقلام بواجباتها الوطنية كانت هناك أقلام صامتة تجاه تلك المخططات الإيرانية، حجتها أن الاشتغال بها يجعلنا في شُغُل عن قضيتنا الكبرى (القضية الفلسطينية) ويجعل العدو الإسرائيلي يتمادى في ممارساته بحق الشعب الأعزل في فلسطين. ولذا لم نجد لتلك الأقلام إدانة صريحة للممارسات الإيرانية، اللهم إلا بعض التلميحات التي لا تلامس عمق القضية. واليوم وفي ظل الظروف التي تمر بها مصر يتكشف لنا زيف وعوار تلك الأقلام التي هوَّنت من الخطر الإيراني، ودعت لعدم الانشغال به على حساب القضية الكبرى؛ فنراها شُغلت بشكل (يدعو للدهشة) بالشأن المصري -الذي هو في الأصل شأن داخلي- ونسيت قضيتها (الكبرى) التي طالما لامتِ المنشغلين عنها بالخطر الإيراني، يأتي ذلك في قالب هزلي يتنافى مع تلك المبادئ التي تشدقت بها مدَّعية الغيرة على قضيتها الكبرى! ويزداد العجب ممن يتعامى عن الخنجر الإيراني المغروس في ظهره منذ (أربعين سنة) وتراه مهتمًّا -حد الشفقة- بالشأن المصري! إنه لأمر يدعو للحيرة عندما (يستنكر) البعض التفاتَ المخلصين للقضايا الكبرى (كالخطر الإيراني) ثم يأتي هو ليشتغل بقضايا أقل ما يُقال عنها أنها شأن داخلي! ولذا حُقَّ لإيران -مع هؤلاء- أن تنام ملءَ جَفنيها.