حدود الاعتدال الإيراني
في
عدد أمس من صحيفة «لوموند» الفرنسية، قدّم الرسام الكاريكاتوري الشهير بلانتو
تلخيصاً لاعتدال الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني عبر رسم لبشار الأسد يمسك بفأس
يقتل به شعبه ويقف وراءه روحاني يقول له: «رجاء بشار أقل قوة»، وأحد مؤيدي روحاني
يقول لإيرانية «انظري هذا معتدل». الرسم يعبر عن اتجاه السياسة الإيرانية مع
انتخاب روحاني وتشكيله حكومته. قدم روحاني نفسه منذ ترشيحه للرئاسة وقبل انتخابه
كإصلاحي منفتح يريد إخراج إيران من محنتها الاقتصادية نتيجة العقوبات المفروضة
عليها بسبب تطويرها السلاح النووي. منذ سنوات والمجتمع الدولي والدول الست التي
تفاوض إيران تطلب من هذا البلد وقف برنامج تطوير السلاح النووي. ومنذ سنوات تصطدم
هذه الدول بعدم تجاوب مع هذا المطلب. وروحاني لم يعط الانطباع عن رغبة في إيقاف
هذا البرنامج، بل بالعكس، يؤكد حق إيران ببرنامج نووي. أما بالنسبة لدعم سورية
ونظام بشار الأسد، فقد أكد روحاني تمسكه بهذه السياسة. وتستمر إيران بدعمه بالسلاح
والنفط والمال ودعم قوات «حزب الله» لنظام بشار الأسد. إن مما لا شك فيه أن اقتصاد
إيران على شفير الهاوية بسبب العقوبات، فقد انخفض إنتاج إيران من النفط بشكل كبير
مع انخفاض كبير من مشتريات النفط الإيراني من دول مثل الصين واليابان والهند
وغيرها، بسبب التعقيدات المالية المترتبة عليها نتيجة العقوبات. والصين اعتمدت
مقايضة بعض السلع لمدفوعاتها من النفط الإيراني. وكان الاتحاد الأوروبي فرض حظراً
على استيراد النفط الإيراني منذ حوالى سنة، فأوضاع البلد الاقتصادية متدهورة. ولكن
رغم ذلك يستمر النظام الإيراني في تقديم الدعم المالي والعسكري لبشار الأسد ولـ
«حزب الله» ولعدد من السياسيين في لبنان. والمؤكد أن ذلك لن يتوقف مع مجيء روحاني.
إن أولوية روحاني ستكون محاولة إقناع الغرب، وخصوصاً الولايات المتحدة، أن إيران
في ظل رئاسته تغيرت كي يحاول إخراج بلده من العقوبات. ولكن كيف يكون ذلك ممكناً
وهو مستمر في برنامجه النووي ودعمه للأسد ولـ «حزب الله»؟ إن الإيرانيين معروفون
بقدرتهم على المناورة، فكثيرا ما وُصفوا في الأوساط الغربية بأنهم تجّار سجّاد، أي
أنهم بارعون في تقديم العروض ووضع الشروط والمناورة بها.
إن
بإمكان روحاني أن يكسب وقتاً في فتح مفاوضة مع إدارة الرئيس اوباما الراغبة في
ذلك. لقد عبر أوباما عن ذلك أكثر من مرة، ولكن إيران مع خامنئي لن تتغير، فمثلما
فشل الرئيس خاتمي سيكون انفتاح روحاني الحقيقي صعباً ومعقداً. صحيح أن أوباما رئيس
أميركي ضعيف على الساحة العالمية ولكن النواب الأميركيين لن يسمحوا له برفع
العقوبات عن إيران إذا استمرت في تطوير السلاح النووي، خوفاً على إسرائيل. إن مهمة
روحاني في تحسين اقتصاده ستكون بالغة الصعوبة إذا لم تغير إيران سياستها. كان
بالإمكان مثلاً أن تعطي إشارة إيجابية على الصعيد اللبناني وتدفع وكيلها في لبنان
«حزب الله» كي يوافق على تشكيل حكومة حيادية من دون شروط تعجيزية، لأن البلد في
خطر. ولكن يبدو الآن وبعد زيارة الرئيس سليمان إلى إيران لتهنئة روحاني، أن أي
توجه إيجابي بهذا الاتجاه لم يحدث، كما أن مشاركة «حزب الله» بالقتال في سورية
ازدادت، فكيف يمكن أن يفتح روحاني صفحة جديدة إذا لم يبادر بخطوات خارجية وإقليمية
تشير إلى بداية تغيير في العمق، وليس مناورة كلامية وإعلامية تفيد بأن الرئيس
الجديد في إيران عازم على تصحيح وضعه الاقتصادي الناتج عن العقوبات؟
العقوبات
الاقتصادية أثبتت في أكثر من مثل، أنها موجعة للشعب أكثر منها للنظام، فلو كان
النظام متأثراً بها لكان اهتم أكثر بتوفير المال والدعم لشعبه بدل دعم بشار الأسد
و «حزب الله». وفي السياسة الإقليمية والنفطية مثلاً، هل توافق إيران روحاني على
أن أمين عام منظمة «أوبك» ينبغي أن يكون الأكفأ من بين المرشحين للمنصب، وهو
السعودي الدكتور ماجد المنيف؟ إن وزير النفط الإيراني الجديد بيجان زنغنه معروف في
«أوبك»، كونه شغل سابقاً المنصب نفسه، فالأشهر المقبلة ستكون اختباراً لهذا
الاعتدال المشكوك بأمره طالما هناك قضايا أساسية لم تتغير في السياسة الإيرانية.
إن روحاني سيحاول بالطبع تصحيح الاقتصاد داخلياً. ولكن اقتصاده مرتبط بالخارج. وقد
سمعناه يقول إنه قد يعيد النظر في شروط التعاقد للمستثمرين في النفط في إيران،
وذلك من دون الخوض في تفاصيل التغييرات التي يريدها، لأن عقود النفط في إيران مع
الشركات النفطية العالمية غير جاذبة لأي مستثمر أجنبي، فإضافة إلى رفع العقوبات
ستكون المهمة ضخمة أمام روحاني إذا أراد فعلاً تغيير نهج بلده في ظل بقاء هيمنة
«الباسيج» ونظام ديني ومخابراتي قمعي لا أمل من التغيير الحقيقي معه.
نقلاً
عن صحيفة “الحياة“