الإعلام و إنتفاضة الأحواز في نيسان 2005 (الحلقة الخامسة)
إنتفاضة الخامس عشر من نيسان في الأحواز
الفصل الأول
الأسباب الغير مباشرة:
1.
1.ثورة الشعوب في إيران و مجزرة يوم الإربعاء الأسود في الأحواز
أنتصرت ثورة الشعوب في إيران عام 1979 بعد ما قدمت تلك الشعوب
التضحيات الجسام في سبيل الحصول على حقوقهم القومية و الثقافية و السياسية التي
كانت مهدورة بشكل واسع من قبل النظام البهلوي. و طالبت الشعوب غير الفارسية بما
فيهم عرب الأحواز بحقوقهم و بالوعود التي قطعها الخميني على نفسه، من منفاها في
باريس, عبر إجتماعاته و إتصالاته مع النشطاء السياسيين و رجال الدين و عبر خطاباته
الموجه للشعوب آنذاك.
طالبت تلك الشعوب عبر إرسال وفود إلى طهران
بغية اللقاء مع الخميني و تذكيره بتلك الوعود. و قدمت الوفود التي تتشكل من الشعوب
غير الفارسية المطالب المتفق عليها من قبل النشطاء السياسيين الذين كانوا في
الساحة آنذاك. جوبهت تلك المطالب بالرفض القاطع و بعدها بالبطش و المجازر البشعة،
من قبل النظام الجديد آنذاك. كانت تلك المطالب لا تتعدى إقامة الحكم الذاتي للشعوب
التي ساهمت بشكل رئيس في إسقاط النظام و آمنت بتأسيس نظام إسلامي على أساس الشرائع
السماوية، تتمتع كل الشعوب في جغرافية إيران السياسية بحقوق متساوية. لكن آلة
القمع و البطش أسرع من مما يتوقعها أحد و سرعان ما أظهرت السلطة الجديدة توجهاتها
تجاه الشعوب غير الفارسية العزل و مطالبهم المشروعة. فارتكب النظام مجازر بشعة
بحقهم، حيث نفذ حملات تطهيرية مبرمجة و ممنهجة ضد الثوار و الناشطي السياسيين و
أعدم النظام الآلاف منهم و أعتقلت اضعافهم. و من ثم قامت و من أجل إخماد الإعتراض
و الإحتجاج على جرائمها من قبل الشعوب غير الفارسية عامة و الشعب العربي الأحوازي
خاصة, بقتل همجي شمل الأطفال و النساء و الأبرياء من خلال القصف بالمدفعية و إطلاق
النار بالرشاشات في الشوارع و هذا ما حدث في المحمرة و عبدان في يومي التاسع و
العشرين و الثلاثين من شهر مايو لعام 1979. و عرفت تلك المجزرة بيوم
“الأربعاء الاسود”.1
كان الشعب العربي في الأحواز قد شارك بقوة في
الثورة و في أحداثها، وكان له الدور البارز في إسقاط النظام البهلوي، حيث
الاعتصامات و الإحتجاجات لعمال مصانع النفط و الغاز في مدن قطر الأحواز المحتلة ،
قد شلت آلة العسكرية و القمعية للنظام البهلوي. و لعب الشيخ محمد شبير الخاقاني
الزعيم الروحي و الديني للشعب العربي الأحوازي دورا مهما على مستوى التنظيم و
التنسيق في إيصال صوت الخميني من منفاه في باريس إلى الأحواز و باقي المناطق في
إيران و تحريك الجماهير للخروج إلى الشوارع. و في معارضة و معصية أوامر النظام
السابق و مقاطعة توصياته و تحريم التعامل معه على كل المستويات.
_____________
1- محاضرة السيد عبدالوهاب الخانجي – أبو شهاب – أمين عام الجبهة
الشعبية لتحرير الأحواز في السبعينات من القرن الماضي و عضو المكتب السياسي للجبهة
الديمقراطية الشعبية الأحوازية. تاريخ المحاضرة يوم السبت الموافق لـ 29-05-2010 .
نشرت المحاضرة على موقع المركز الاعلامي للثورة الأحوازية , التابع للجبهة
الديمقراطية الشعبية الأحوازية على الرابط التالي
http://www.alahwaz.org/index.php?option=com_content&;view=article&id=1978:2010-06-07-20-45-11&catid=22:2009-04-06-22-53-20
كانت مطالب الشعب العربي في الأحواز مطالب
متواضعة مقارنة بواقع الشعب العربي الأحوازي و تطلعاته إلى الحرية و الإستقلال. و
رحب الشعب العربي الأحوازي بالحكم الجديد على أساس الشريعة الإسلامية التي تبناها
النظام الجديد آنذاك خطابيا و رحب بوعود الخميني للشعب العربي في الأحواز من خلال
الشيخ الخاقاني في تحقيق مطالب الشعب العربي في الأحواز. و تبلورت تلك المطالب في
اللقاء الشهير الذي جمع مهدي بازرغان رئيس الوزراء إيران و أمير إنتظام الناطق
الرسمي للحكومة المؤقتة حينها مع الشيخ محمد شبير الخاقاني الزعيم الروحي للشعب
الأحوازي في المحمرة الذي اعتذروا من الشيخ على التجاوزرات و الإهانات التي انتشرت
على السنتهم في الصحف الإيرانية. و أدلى أمير
انتظام الناطق الرسمي للدولة المؤقتة (آنذاك)، بتصريح خطير بتاريخ 4/4/1979 وهدد
الشعب العربي الاحوازي و زعيمهم الديني- الروحي الشيخ محمد شبير ألخاقاني أن
يقذفهم في الخليج العربي.1
و صرح الأدميرال احمد مدني محافظ الأحواز
العسكري في تلك الفترة، بتاريخ 2/3/1979 أعلنتها جريدة آيندگان رقم 3357 (سوف نعيد
الأمن إلى خوزستان بأي ثمن). و قال الأدميرال أحمد مدني يجب أن يكون السلاح بيد
الذين يتماشون مع الدولة فقط. و
تعامل الإعلام الفارسي آنذاك مع الشعب العربي بعنصرية بغيضة حيث عكس و بوضوح
الرؤية الفارسية و نظرتها الضيقة لقضايا الشعوب غيرالفارسية في إيران.2
________________________________
1- المصدر
السابق نفسه
2- المصدر
السابق نفسه
أرتكبت تلك السلطة مجزرة بشعة في المحمرة و
عبادان في يومي التاسع و العشرين و الثلاثين من شهر يونيو عام 1979, و راح ضحية
تلك المجزرة أكثر من أربعمائة بين شهيد و جريح و آلاف من المعتقلين و المشردين إلى
الدول المجاورة مثل العراق و سورية و دول الخليج العربي.1
نفذت السلطة الفارسية حينها حملة إعتقالات و
إعدامات علنية بالجملة يمكن وصفها بتصفية المجتمع الأحوازي من كل ناشطيه و مفكريه
في الحقل السياسي و الثقافي في كل مدن الأحواز ، خاصة في مدينة الخفاجية و الأحواز
العاصمة. وجاءت تلك المجزرة بعد إرسال وفداً أحوازياً يحمل مطالب الشعب العربي في
الأحواز، التي تكونت تلك المطالب
من 12 مادة،* تشمل
الحقوق الثقافية و السياسية في إطار إيران.
_______________
1- المصدر السابق نفسه
* مطالب الشعب العربي
الأحوازي التي حملها الوفد الأحوازي هي كالتالي: 1- الاعتراف بقومية
الشعب العربي، و وضع ذلك في دستور الجمهورية الأسلامية ايرانية .2- تأسيس مجلس محلي في إقليم الأحواز ،
مهمته وضع القوانين المحلية، والاشراف على تنفيذها، و مشاركة الشعب العربي في
المجلس التأسيسي، والمجلس الوطني، و في هيئة الوزراء للدولة المركزية بنسبة تعداد
السكان .3- تأسيس محاكم عربية لحل مشاكل الشعب
الأحوازي. 4-اللغة العربية تكون اللغة الرسمية في الأحواز، و اللغة الفارسية،
اللغة الرسمية لعموم ايران .5- يتم التعليم باللغة العربية في المدارس
الابتدائية ، الى جانب اللغة الفارسية.تأسيس جامعة باللغة العربية في الأحواز، و
إيجاد مدارس و مراكز تعليمية في جميع المدن والقرى. 6- التأكيد على حرية التعبير
والنشر و طبع الكتب و إصدار الجرايد، وتأسيس قنوات إذاعية و تلفزيونية باللغة
العربية و مستقلة عن الإذاعة و التلفزيون الإيراني. وفي هذا المجال نرفض اي نوع من
أنواع الرقابة.7- أولوية التوظيف في القطاعين العام
والخاص للشعب العربي في المنطقة العربية، وفي المراحل الاخرى، تأتي الأقليات
القومية الساكنة في منطقة الحكم الذاتي. 9- تخصيص قدر كافي من عائدات ثروات
الأحواز خاصة البترول من أجل تعمير المنطقة العربية و إزدهار الصناعة والزراعة فيها .10-إسترجاع التسمية العربية لجميع المدن
والقرى و الارياف و المناطق التاريخية العربية ، والذي عمد النظام الفاشي البهلوي
إلى تغيرها .11- مشاركة أبناء الشعب العربي في الجيش وقوات الامن المحلية ، في
اطار الحكم الذاتي، وامكانية تبؤوهم المناصب الرفيعة العسكرية الذي حرموا من
الوصول اليها سابقا .12– إعادة النظر في قانون الاصلاح الزراعي ، وتقسيم
الاراضي على الفلاحين العرب. المصدر صحيفة كيهان (الإيرانية) اليومية , 14 |
12|1358 تقويم ايراني. 1979 م.
و لا تصل تلك المطالب و الطموح إلى الحكم
الذاتي للقطر الأحوازي، إيمانا من
الشعب الأحوازي و الشعوب غير الفارسية، بإن
السلطة الجديدة ستكون سلطة إسلامية تحترم الشعوب و حقوقها ألأساسية، و تلغي كل مظاهر التمييز و العنصرية، و الظلم و الحرمان الذي كان مطبقا و
بشكل فرصة أن تقرر مصيرها بنفسها و تعيد حقوقها المسلوبة، إنطلاقا من مبادئ الشريعة الإسلامية
السمحاء، التي نادى بها قادة
النظام الجديد حينها، و تعهدوا
بتطبيقها.
1.
2.الحرب الإيرانية – العراقية و تبعاتها الكارثية
تضاعف بطش السلطة ضد الشعب العربي في الأحواز
مع بدء و أثناء الحرب الإيرانية العراقية التي أستمرت ثماني سنوات 1980- 1988.
تتهم السلطة الفارسية من يطالب بحقوقه القومية و الإنسانية في فترة الحرب
الإيرانية العراقية ، تتهمه بالإرتباط بالنظام العراقي السابق (نظام حزب البعث
العربي الإشتراكي في العراق) الذي تسميه السلطة الفارسية بنظام “حزب البعث
الكافر”، و الخيانة بالوطن، و العمل على إنفصال الأحواز. و تعادل كل تهمة من
تلك الإتهامات، حكم الإعدام من منطق و منظار السلطة الفارسية. و تصدر بحق الناشط
السياسي الأحوازي المطالب بحقوق شعبه، عقوبة الإعدام دون أن يحاكم، و في أفضل
الحالات يحاكم بشكل صوري – شكلي- من قبل المحاكم العسكرية/ الثورية دون تمتعه
بمحام أو حق الطعن بالحكم، و ينفذ حكم الإعدام الصادر مسبقا، باسرع وقت ممكن و ننفذ النظام الإيراني حكم الإعدام بحق ثلاثين الفا من السجناء
السياسيين في السجون الإيرانية عام 1988 فقط.1
_________________________
1- صحيفة
الأهرام (المصرية) يوم الثلاثاء الموافق 25-10-2011, مقابلة صحفية مع مريم رجوي
رئيس المجلس المقاومة الإيرانية( منظمة مجاهدي خلق الإيرانية) على الرابط التالي
http://www.ahram.org.eg/Print.aspx?ID=108905
إستغلت إيران ظروف الحرب الإيرانية العراقية
و قامت بتخطيط و تنفيذ مشاريع جهنمية ضد الشعب العربي. و فرضت حالة الطوارئ في
البلاد خاصة في أقاليم الشعوب الغير فارسية،و في قطر الأحواز على وجه الخصوص– نظرا لعدة إعتبارات– منها حساسية الأحواز و موقعها الإستراتيجي و الجيو سياسية و
ثرواتها الهائلة, و علاقتها الثقافية و الإجتماعية و الترابط الحضاري الممتد
تاريخيا و جغرافيا مع الوطن العربي بشكل عام ومع الشعب العراقي بشكل خاص، مما يشكل
ترابطا معنويا لا يمكن فكه بعزل الأحواز و شعبه عن أمته العربية و إمتداداته
الطبيعية. تشكل هذه الحقائق و الإعتبارات الطبيعية، الهاجس و الخوف الأكبر للسطة في طهران
لطالما عملت طيلة العقود الماضية لذوبانها و فشلت فشلا ذريعا في هذا الأمر.
دفع الشعب العربي الأحوازي ثمناً باهضا أثناء
الحرب الإيرانية – العراقية، نتيجة للسياسة الفارسية المزدوجة تجاه الشعب العربي
في الأحواز حيث قتل 12 الف عربي من الأحواز من مجموع 15 الف قتيل من محافظة
((خوزستان)) “الأحواز الشمالية” وحدها حسب الإحصائيات الإيرانية
الرسمية. وما سقوط تلك الأعداد الكبيرة من العرب في الحرب الا نتيجة للتعامل
المزدوج للسطة الفارسية تجاه الشعب العربي في الأحواز:
أولا: زجت السلطة بأعداد كبيرة من شباب
الأحواز إلى جبهات القتال التي لا ناقة لهم فيها و لا جمل.
ثانيا: نتيجة للقصف الإيراني للقرى الأحوازية
خاصة تلك التي وقعت خلف الجيش العراقي، بحجة وجود عناصر أو وحدات من الجيش العراقي
في القرى!. وقام النظام الإيراني بإجلاء العرب و تهجيرهم إلى المحافظات الفارسية
مثل مشهد، كرج، إصفهان و شيراز بحجة الخوف على حياتهم
من الحرب. و بعد مرور أكثر من 22 عاما على إنتهاء الحرب مازالت هنالك أراض واسعة
خاصة المحاذية للعراق لم تتم إزالة الالغام منها حتى يومنا هذا. ولم يسمح للاهالي
بالرجوع إلى منازلهم بحجة وجود الألغام و المشاريع العسكرية في تلك المناطق. و
مازال عشرات الآلاف من عرب الأحواز الذين هربوا أو هجروا إلى المناطق الفارسية،
مازالوا في المحافظات الفارسية و لم يسمح لهم بالرجوع ألى منازلهم. ومازال يقطن في
مستوطنة شهيد بهشتي وحدها، أكثر من
خمسة عشر ألف (15000) من الأحوازيين الذين هربوا أو هجروا.1
1.
3.وعود الإصلاحات و خيبة الأمل
أضحى النظام الإيراني في أزمة حقيقية نهاية
الثمانينات من القرن الماضي، خاصة
بعد إنتهاء الحرب الإيرانية العراقية و خروج إيران منها مهزومة و مكبدة بخسائر
هائلة بالأرواح و الأموال، و
إقتصاد منهار، و وفات الخميني
القائد الروحي ،وعدم رضاء الشعوب
الغير فارسية في ايران و الشعب الفارسي على حد سواء من الوضع السياسي و الإقتصادي
و الإجتماعي في البلاد، جعل النظام
الايراني يعيش أزمة حقيقية.
وصل الوضع في إيران إلى حافة الإنفجار و
الإنفلات، مما جعل النظام يفكر و
بشكل جدي الخروج من أزمته الداخلية و عزلته الخارجية. خطط النظام و بدراسة و نصيحة
مكتب رئاسة الجمهورية الإيرانية، إلى
جانب جهات و مؤسسات خارجية متعاونة مع النظام، أن
يأتي النظام بشخص يعطي الوعود بإصلاحات سياسية و حقوق ثقافية و ينادي بتنفيذ الدستور
الإيراني، خاصة المواد المتعلقة
بالحقوق الثقافية للشعوب غير الفارسية و المعطلة منذ بداية الثورة عام 1979.
_____________
1- مصدر
سابق, ملحق رقم 1
قرر النظام و إنطلاقا من تلك المستجدات
المستعصية حينها أن ينصب محمد خاتمي رئيسا للبلاد و يأتي ببرنامج إصلاحي في المجال
السياسي و الثقافي للداخل، و
الحوار و الإنفتاح على الدول المجاورة و الدول الغربية على المستوى الخارجي.
أعطى المرشح الجديد آنذاك، شعارات تدغدغ مشاعر و أحاسيس الشعوب غير
الفارسية و وعود بتنفيذ المواد المعطلة من الدستور الإيراني خاصة مادتين 15 و 19
اللتين تنصان على ضرورة تدريس و تعلم الشعوب و القوميات في بلغتها القومية إلى
جانب اللغة الفارسية،خاصة في المراحل الإبتدائية في المدارس. و يظهر النظام حينها
إهتمام بالحقوق الثقافية و المدنية للشعوب غير الفارسية في إيران. جاءت خطة المجيئ
بخاتمي رئيسا للبلد لإنقاذ النظام الحاكم، و
العبور من مرحلة حرجة بغية إطالة عمره، بتحقق
الأهداف التالية:
اولاً- تنفيس للشارع الإيراني الذي وصل إلى
حالة الغليان و الإنفجار نتيجة للحرمان و الإضطهاد و الديكتاتورية السياسية و
البطالة الواسعة.
ثانياً- من أجل إنحراف الحركة القومية للشعوب
غير الفارسية التي أمست يوما بعد يوم تبتعد عن السلطة و معارضتها على حد سواء. و
تتمسك بحقوقها القومية و حقها في تقرير المصير و تحرير أوطانها.
ثالثاً- تحسين العلاقات مع الدول الغربية و
الخروج من العزلة الإقليمية و الدولية.
دخل النظام الإيراني مرحلة جديدة، بعد وصول محمد خاتمي إلى دفة الرئاسة، و تأسيس جبهة المشاركة برئاسة شقيقه
محمد رضا خاتمي و تيار ( 2 خرداد) ، و دخول عدد كبير من أنصار و تيار (2
خرداد) و جبهة المشاركة و فروعهمها التي تأسست في المناطق المختلفة في إيران أثناء
حمى الحملات الإنتخابية الرئاسية و البرلمانية، إلى
البرلمان الإيراني و مؤسسات الدولة. أصبح النظام يعيش في مرحلة خطيرة بعد تأسيس
مؤسسات ثقافية و سياسية، فرضت تلك
المرحلة على النظام من خلال المستجدات التي طرأت نتيجة إقتحام تيارات و شرائح
واسعة من المجتمع، الساحة السياسية
في إيران من خلال شعارات الإنفتاح و العمل الثقافي، و محاولة النظام جر كل الأطياف السياسية
خاصة التابعة للشعوب غير الفارسية إلى الحلبة السياسية في طهران.
جعل هذا التحول التكتيكي في السياسية
الإيرانية، النظام في طهران، ينقسم على نفسه بشكل دراماتيكي، و أنشق إلى تيارين أساسيين. و في وسط كل تيار هنالك العديد من
المجاميع و التكتلات و المدارس السياسية و الدينية التي تفرقها عن بعضها الكثير من
المصالح و المواقف السياسية أو الإجتماعية أو الدينية في داخل إيران أو في خارجه.
التيار الأول :
متمسك هذا التيار بالنهج القمعي المتشدد و
المتمثل بالحرس الثوري (سباه باسداران انقلاب اسلامي)1 و قوات التعبئة (البسيج)2 و الأصوليين في الحوزات الدينية و
المدارس السياسية, كمدرسة مصباح يزيدي و الحجتية. هذا التيار يرى, بان أي عدول عن
النهج النظام التقليدي (المتشدد)، يعني
الخروج عن الثورة و مبادءها و أفكار مؤسسها الخميني، يؤدي إلى إنهيار النظام و الدولة
الإيرانية و بالتالي يؤدي إلى تفكك إيران.
_________________
1- الباسداران: بالفارسية يسمى
“سباه باسداران انقلاب اسلامى. أحد أركان القوة العسكرية في إيران أسسه
الخميني في بداية الثورة ليحافظ على الثورة و يدافع عن إيران الى جانب الجيش.
2- البسيج: يعني الجيش الشعبي أو
قوات التعبئة, تأسس في بداية الحرب الإيرانية – العراقية.
مثل ما حصل للإتحاد السوفيتي. ويعارضون بشدة، الحريات العامة و ممارسة الديمقراطية خاصة بالنسبة للشعوب الغير فارسية. و من
هنايرفضون مطالب الشعوب غير الفارسية
بممارسة حقوقها السياسية أو الثقافية. بعد مرور ثلاثة عقود على قيام الثورة في
إيران و إستلامهم للسلطة، ما زالوا
يرفضون البنود و المواد الموجودة في الدستور الإيراني التي تتعلق بممارسة الشعوب
غير الفارسية حقوقها الثقافية. و يعتقدون إن تمتع الشعوب بحقوقهم, هو مقدمة لتفكك
إيران إلى دويلات قومية. و إنطلاقا من هذا النهج و التفكير، يصفون و يتهمون أي نشاط سياسي أو ثقافي، بالانفصالي و المدعوم من الغرب الذي يستهدف وحدة إيران و أمنها
الداخلي على حد زعمهم.
التيار الثاني:
التيار المسمى بـ الإصلاحيين، الذين يعتقدون بان لا مفر من الإصلاحات
الداخلية الجزئية و الإنفتاح الكامل على الغرب، و
يؤمنون بان النهج القمعي و المتشدد يؤدي بالنظام إلى السقوط و يفكك إيران إلى
دويلات قومية، نتيجة القهر و
التشدد و الحرمان، و العزلة
الدولية. يرى أصحاب التيار الإصلاحي بان سياسة المتشددين أدخلت النظام و إيران
برمته إلى نفق مظلم، ليس له أي
طريق سليم يلوح بالافق. هذان التياران، وصلا
إلى الإصطدام نتيجة تلك الرؤى المختلفة و الصراع على السلطة، و على كيفية إدارة البلد و إطالة عمر
النظام. وصل هذا الصراع إلى قمته في بداية الدورة الثانية لرئاسة محمد خاتمي حيث
منع منعا باتا أصحاب التيار الثاني للدخول إلى البرلمان و جميع مؤسسات الدولة، من خلال حذفهم من الساحة السياسية بقوة
العسكر و الإستخبارات و اغلقوا جميع مؤسساتهم السياسية و الإعلامية متهيمنهم
بالعمالة للغرب.
بدأ الحرس الثوري يسيطر و بشكل مباشر على دفة
الحكم من خلال دخولهم ألى البرلمان و إستحواذهم على كل مناصب الدولة بما فيها
رئاسة البلد. هذا القمع الواسع شمل المؤسسات الثقافية و الإعلامية في الأحواز و
مناطق الشعوب غير الفارسية أيضا. و أصبح محمد خاتمي رئيس إيران عاجزا عن الوفاء
بوعوده التي قطعها للشعوب في إيران، كما
أصبح عاجزا عن الدفاع حتى عن إنصاره حيث قمعوا بشدة و أودعوا السجون و الزنزانات.
أعتبرت الشعوب غير الفارسية بعد ذلك القمع الذي طال الجميع خاصة الشعوب غير
الفارسية التي كانت تبحث عن اي متنفس للتعبير عن واقعها القومي و مطالبها العادلة
و أعتبرت وعود خاتمي ما هي إلا لعبة سياسية، الهدف
منها خداعهم و الإلتفاف على حقوقهم و مطالبهم القومية، و جاءت لتنقذ النظام من مرحلة حرجة مر
بها على حساب حقوقهم و مطالبهم، خاصة
إن محمد خاتمي رئيس الجمهورية بقى متفرجا على القمع و لم يحرك ساكنا. و نفذت
السلطات الإيرانية معظم مشاريعها التي أستهدفت الهوية القومية من خلال مصادرة
الأراضي و بناء المستوطنات و الهجرة و الهجرة المعاكسة، على قدم و ساق في الأحواز على وجه
الخصوص.
فسر كثيرون بإن، نهاية تلك المرحلة، كانت بمثابة نهاية الحصول على الحقوق
القومية في ظل هذا النظام المدعي بالاسلام و العدالة عن طريق العمل السياسي
السلمي، خاصة النظام و رغم كل
شعاراته، أبى أن يعترف بالشعوب و
بحقوقها القومية. و رفض حتى تنفيذ المادتين في الدستور الإيراني اللتان تنصان بشكل
جزئي بوجود الشعوب و بقسم من حقوقهم الثقافية.
1.
4.المتغيرات الدولية والإقليمية:
شهد العالم و المنطقة العربية بالتحديد أحداث
و متغيرات جذرية منذ بداية التسعينات من القرن الماضي، أنعكست تلك المتغيرات على
الشعوب الأخرى، تعلمت منها دروسا، أو تأثرت بها بشكل مباشر من تلك الأحداث. فشهد
العالم في العقدين الماضيين, سقوط إمبراطوريات و دول كبرى، و نهوض و إستقلال شعوب
كانت تحت الرماد. بدءا من سقوط الإتحاد السوفيتي و مرورا بسقوط الإتحاد اليوغسلافي
و إستقلال شعوب متعددة كانت في غياهب النسيان و التعتيم و القهر و القمع، في ظل الحكم السوفيتي و اليوغسلافي
السابقيين، وصولا بإحتلال
افغانستان و العراق. و قدمت الشعوب تضحيات جسام من أجل الحصول على إستقلالها، فقامت بثورات و إنتفاضات، و كسرت حاجز الخوف و إسطورة اليأس، لنيل حريتها و كرامتها المهدورة.
تركت تلك الأحداث و المستجدات في العالم و المنطقة، خاصة تلك الأحداث التي أدت بالشعوب إلى
نيل إستقلالها، تركت أثرا إيجابيا
على الشعب العربي في الأحواز. و لعل أهم الدروس التي تعلمها الشعب العربي في
الأحواز، هي إن لا حقوق و لا كرامة
و سيادة دون العمل و النضال و المقاومة بكل أشكالها المشروعة. و لا ينتظر من الدول
العربية أن تنهض لتحريره أو تساهم و تساعد في مسيرته التحررية،لطالما ساهمت و
شاركت بعض تلك الدول في إحتلال و تدمير دولة عربية كانت مستقلة و قوية. و سكتت بعض
الدول العربية على تلك الجريمة.
المصدر: المركز الـأحوازي للاعلام والدراسات الاستراتيجية