تحريك الدبلوماسية الخليجية لاستعادة اسم «الخليج العربي»
الخلاف بين دول الخليج وإيران حول مسمى الخليج العربي
والخليج الفارسي خلاف أسطوري، فحينما كانت بريطانيا العظمى تحكم سيطرتها على منطقة
الخليج أومأت للعرب بأن الخليج عربي وليس فارسياً، وفي الوقت نفسه أبلغت الجانب
الإيراني أن الخليج فارسي وليس عربياً!
ومن مركز القوة العسكرية الغاشمة اتجه شاه إيران إلى
المنظمات الدولية واستطاع أن يرسخ اسم الخليج الفارسي بدلاً من الخليج العربي،
الأكثر من هذا أن الشاه هدد دول الخليج الست بإعلان الحرب إذا أطلقوا على مجلس
التعاون لدول الخليج اسم الخليج العربي.
ويومذاك فضل الخليجيون تجنب الصدام مع جحافل القوة
العسكرية الإيرانية الغاشمة وأطلقوا اسم مجلس التعاون لدول الخليج العربية، أي أن
صفة العربية تعود إلى الدول العربية وليس إلى الخليج.
ولكن اليوم طرأ جديد على ملف الخليج العربي حينما طلبت
الأوساط الخليجية الرياضية من الشيخ سلمان بن إبراهيم الخليفة رئيس الاتحاد
الآسيوى لكرة القدم أن يتقدم إلى الـ ”فيفا” ويطلب تصحيح المعلومات المغلوطة في
إضبارات الـ ”فيفا” التي تقول بفارسية الخليج، ويحل محلها اسم الخليج العربي،
حيث إن التاريخ القديم والحديث يؤكد على أنه الخليج العربي وليس الخليج الفارسي
المغتصب.
والواقع أن الأجواء الدولية تساعد على إعادة طرح القضية،
وأغتنمها فرصة لأطالب مجلس التعاون الخليجي بضرورة التحرك الدبلوماسي نحو جميع
المنظمات الدولية لتصحيح المسمى من الخليج الفارسي إلى الخليج العربي.
إن الأجواء السياسية والدولية مناسبة جداً للتحرك
الدبلوماسي باتجاه تصحيح اسم خليجنا العربي لدى كل المنظمات الدولية ولدى كل دول
العالم.
لقد استخدمت الحكومة الإيرانية أخيرا أساليب استفزازية
متعددة لتوقيع العقوبات على كل من يستخدم مصطلح ”الخليج العربي” بدلاً من
”الخليج الفارسي”، ولقد نال شركات الطيران الأجنبية والسياح الذين يزورون إيران
نصيباً من عقوبات مذلة نتيجة استخدام مصطلح الخليج العربي.
نحن في هذه المقالة نلتزم بالموضوعية العلمية لهذه
القضية بعيداً عن عواطفنا العربية حتى نستطيع أن نقنع بأن الخليج العربي هو خليج
عربي من جذوره الأولى قبل أن تقفز عليه الدولة الفارسية القديمة وتخلع عليه اسم
الخليج الفارسي.
تؤكد الكثير من المصادر العلمية أن القبائل التي استوطنت
شواطئ الخليج العربي الجنوبية والشرقية كلها كانت قبائل عربية، وترتب على ذلك أن
الأسماء التي عرفت بها المدن الواقعة على سواحله مثل المحمرة وتاروت وجزر موسى
وقيس والشيخ شعيب وغيرها كانت هي أيضاً أسماء عربية، وما زال الكثير منها حتى الآن
يحتفظ بالجنس العربي واللسان العربي والانتماء العربي رغم أن الفرس غيروا – عبر
التاريخ – الكثير من الأسماء العربية في الضفة الشرقية من الخليج، وآخر ضحايا
العدوان الفارسي على الإمارات العربية وليس آخراً هو الانقضاض على المحمرة الذي
قام به في عام 1925 شاه إيران الأب واعتقل على أثره الزعيم العربي غزعل علي الذي
ما زال مصيره سراً من أسرار الحكومة الشاهنشاهية البائدة، ثم أخيراً احتلال حكومة
الملالي جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى، إضافة إلى جزيرة أبي موسى الإماراتية.
ولقد كان للعرب – عبر العصور المختلفة – دورهم الأساسي
في تحقيق الازدهار الاقتصادي بالخليج، وذلك بسبب تميزهم بالعديد من المهارات في
مياه الخليج وبالذات في الصيد وتجارة اللؤلؤ، كما أن تأثيرهم لم يكن تأثيراً
عابراً، بل كان له سمة الاستقرار الثقافي والديمومة والرسوخ.
ومنذ مطلع التاريخ القديم كانت بابل وآشور وأكاد وعيلام
وهم ذوو جذور عربية من أوائل الإمبراطوريات التي احتكرت التجارة الدولية في رأس
الخليج حتى ساحل البحر المتوسط الشرقي، حيث ازدهرت الحياة في هذه المنطقة وعم
الرخاء.
وحينما أفل نجم هذه الإمبراطوريات العربية ركدت الحياة
في أنحاء الخليج بأكمله، ثم جاءت الإمبراطورية الفارسية الغازية لتحتل معظم منطقة
الشرق الأوسط.
ورغم أن بعض المصادر الغربية دأبت على إطلاق اسم الخليج
الفارسي على الخليج العربي اعتمادا على الاحتلال الفارسي المتأخر للخليج الذي أعقب
فترات الحكم العربي الأول، إلاّ أننا نلاحظ أن المؤرخ الروماني بليني استخدم في
القرن الأول للميلاد مصطلح الخليج العربي، وذلك في وصفه لمدينة خاراكس التي يرجح
الباحثون أنها مدينة المحمرة، وقال بليني بالنص: خاراكس مدينة تقع في الطرف الأقصى
من ”الخليج العربي”، حيث يبدأ الجزء الأشد بروزاً من العربية السعيدة وهي مبنية
على مرتفع ونهر دجلة إلى يمينها ونهر أولاوس إلى يسارها.
وفي عصر الدولة الإسلامية أصبح الخليج يشكل خط الحدود
الشرقية للوطن العربي، كما كان يمثل جزءاً رئيساً لحدود الدولة الإسلامية، لأنه
يربط المنطقة العربية بما وراءها ويصل سكان تلك المناطق بصلات حضارية قديمة، ولذلك
اكتسب الخليج العربي أهمية بالغة لدى المؤرخين المنصفين والمحايدين.
ومع بزوغ بشائر البترول في أواخر القرن التاسع عشر أخذ
الاستقطاب الأوروبي ”وبالذات البريطاني” يلتف حول خاصرة منطقة الخليج، وعبثاً
حاولت الدولة العثمانية التي بدأ الضعف والهزال ينخر أوصالها أن تحمي وجودها
وتقاوم الزحف البريطاني المتوغل في الخليج، ولكن كان الأوروبيون يراهنون على إيران
ويستخدمون كل الوسائل من أجل أن يحتلوا كل أرجاء الخليج وعملوا – من أجل ذلك – بكل
الوسائل لتحقيق حلمهم الاستعماري ”حتى الحس القومي لدى الفرس”، فقد استخدموه
لإشعال العداء القديم بين العرب والفرس.
ونتيجة لذلك فقد نجح البريطانيون في تأجيج الصراع بين
العرب والفرس على مسمى الخليج العربي والخليج الفارسي، وحينما كانت جامعة الدول
العربية في قوتها حتى قبل أن تستقل دول الخليج وتنضم إلى الجامعة .. تصدت الجامعة
للموقف الإيراني وأصدرت قراراً برقم 2073 في عام 1962 أهابت فيه بجميع المنظمات
والفعاليات الدولية بضرورة استخدام المسمى التاريخي الصحيح للخليج العربي بدلاً من
الخليج الفارسي، ولقد أودعت الجامعة العربية في حينه نسخة من هذا القرار لدى الأمانة
العامة للأمم المتحدة.
ونلاحظ أن العرب كانوا يميلون إلى انتهاج سياسة هادئة
ومتهادنة مع إيران حول مسمى الخليج، ويفضلون تجنب الخوض كثيراً في هذا الموضوع
الذي لا طائل من ورائه إلاّ التوتير وإثارة النعرات.
ونلاحظ أن دول الخليج العربي حينما همت بإنشاء مجلس
التعاون الخليجي في عام 1981 توعدهم الشاه بالويل والثبور إنْ هم أطلقوا اسم مجلس
تعاون الخليج العربي، وتجنباً للدخول في معركة سياسية حادة قرر زعماء الخليج إطلاق
اسم مجلس التعاون لدول الخليج العربية، أي أنهم ألصقوا صفة ”العربية” بالدول
وليس بالخليج، فلم يقولوا إنه الخليج العربي ولا الفارسي، وتجنبوا يومذاك أزمة
سياسية غير محمودة العواقب.
إننى ألاحظ أن الوقت مناسب جداً للمطالبة بحقوقنا
المشروعة في خليجنا العربي، ونصرة التاريخ القديم والحديث واضحة جلية لا يأتيها
الباطل من بين يديها ولا من خلفها.
*نقلا عن “الاقتصادية” السعودية