بلوشستان: القضية المنسية 1/2
الأهمية الاستراتيجية:
بلوشستان هي الأرض التاريخية للشعب
البلوشي وهم سكانها الأصليون الذين عمروا هذه الأرض منذ فجر التاريخ. تقع بلوشستان
بين دول الشرق الأوسط وآسیاالجنوبية وآسيا الوسطى، وهي قريبة من المحيط الهندي.
أما مناخها فهو قاري حيث يندرهطول الأمطار فيها وترتفع درجة الحرارة في الصيف
بشدة. وفي هذا المناخ استطاع الشعب البلوشي أن يتكيف ويبني حضارة عريقة على هذه
الأرض.
هذا الإقليم، بموقعه الجغرافي المميز
والاستراتيجي، كان ومازال محط أنظار القوى والإمبراطوريات المختلفة قديماً
وحديثاً، فمن هنا كانت تمر قوافل التجار عبر طريق الحرير المعروف منذ القدم، ومن
هنا مرت جيوش المحتلين، كـ (الإمبراطورية الفارسية وإمبراطورية الإسكندر المقدوني
وتيمورلنك وجنكيز خان والإمبراطورية البريطانية). هذا الموقع الجغرافي الهام
لبلوشستان، أدخله في صميم حسابات القوى العظمى والعالمية والإقليمية.
ومن الأهمية بمكان أن نركز على التركيبة
الاجتماعية والسياسية لبلوشستان حيث استطاع هذا الشعب الصبور الكادح أن يبقى
ويستمر في الحياة في أرض أجداده فعمّرها رغم كل الآلام والصعوبات الناجمة عن فقدان
حقه في تقرير مصيره لعقود وحتى هذه اللحظة. والشعب البلوشي هو من أقدم الشعوب التي
تمتلك حضارة راقية وأخلاقاً وثقافة سامية حيث لا يحس بهذه المعطيات إلا من عاشرهم
وسكن معهم.
كما أن أرض “بلوشستان” تمتلك
سواحل بحرية يبلغ طولها ألف كيلومتر، وهذه السواحل تطل على مضيق هرمز، الذي يعبر
منه حوالي 40% من احتياطي النفط العالمي، وتستمر هذه السواحل وصولاً بميناء
تشابهار(چابهار) وجوادر(گوادر) وإلى ميناء كراجي في باكستان.
كما أن بلوشستان تمتلك أنواعاً مختلفة من
الثروات، فالجبال تتربع على ربوع أرض البلوش التاريخية والسهول الخصبة تزين الأرض.
كل هذه المعطيات الجغرافية الطبيعية والبشرية أعطت بلوشستان أهمية جيوبولوتيكية
واقتصادية وتجارية، ولهذه الأهمية المذكورة أعلاه باتت هذه الأرض موضع اهتمام كبير
مقارنة بالعصور القديمة.
هذا الإقليم بموقعه الاستراتيجي الهام هو
المنفذ الوحيد إلى المياه الإقليمية والدولية لدول آسيا الوسطى، فمن خلال أرض هذا
الإقليم تعبر أهم الخطوط الغاز الإيرانية والصينية والباكستانية والهندية. فأهمية
بلوشستان الاستراتيجية جعلتها من الأوراق الرابحة في الصراعات والنزاعات الدولية
والإقليمية، والشاهد على ذلك الأعمال العسكرية لحلف شمال الأطلسي (الناتو)،
فمعظمها تقع في محافظات (فرح، ونيمروز، وهلمند)، وهي مدن تقع حاليا ً في كل من
أفغانستان وباكستان، حيث يتواجد فيها طالبان والقاعدة، وهذه المحافظات هي من كبرى
الأقاليم التي يتواجد فيها الشعب البلوشي.
تاريخ البلوش السياسي:
في مطلع القرن الثامن عشر الميلادي استطاع
نصرخان نوري (خان قلات) أن يبسط سلطانه وحكمه على كامل الأراضي التي تشكل الوطن
القومي للشعب البلوشي. هذا الإقليم، الذي ضم فيما بعد إلى كل من إيران وباكستان
وأفغانستان، هو المنطقة التي حكمها نصرخان نوري. هذا الحكم طال أمده حتى بداية
حضور البريطانيين في المناطق المجاورة للبلوش، خاصة في شبة القارة الهندية.
حاولت الإمبراطورية البريطانية، التي كانت
معروفة بسياستها القديمة (فرق تسد)، أن تسيطر على القسم الغربي لبلوشستان، ولهذا
الغرض أرسلت حملة عسكرية لتحتل هذا القسم الغربي من الوطن البلوشي، لكن مقاومة
الشعب البلوشي وبفضل حكمة قيادته وبسالةمقاوميه، استطاع صدّ هذا العدوان السافر،
فدحرت القوات البريطانية الغازية عن كل تراب بلوشستان آنذاك.
وفي عام 1871 وقعت بريطانيا معاهدة
“كلدا سميت لاين” مع الجانب القاجاري الإيراني، وعلى أثر هذه المعاهدة
وهبت بريطانيا القسم الغربي لبلوشستان للقاجاريين في مقابل إعطاء الحق للبريطانيين
في أن يتواجدوا في القسم الغربي لإيران الحالية، وهي منطقة الأحواز العربية.
في عام 1893م وبموجب معاهدة
“مورتيمر- ديوارنه لاين” تم الاتفاق بين بريطانيا والحكم الأفغاني آنذاك
على ضم القسم الشمالي لبلوشستان في مقابل السماح أيضاً لبريطانيا أن تتواجد
بالمناطق البشتونية بمنطقة القبائل المعروفة باسم وزيرستان.
أما الجزء الشرقي لبلوشستان الكبرى فقد
كان تحت نطاق السيطرة البريطانية شكلياً ، ولم يكن مسيطراً عليه تماماً من قبل
البريطانيين كما هو الحال في الهند. والجدير بالذكر أن المعاهدات التي كانت تعقد
بين الحكام المحليين البلوش ومندوبي الحكم البريطاني، كانت بغرض تواجد القوات
البريطانية على هذه الأرض، وذلك مقابل دفع مبلغ من المال سنوياً لحاكم المنطقة
البلوشي المسمى (بخان كلات).
وفي خضم أحداث شبه القارة الهندية
المطالبة بالاستقلال عن التاج البريطاني وقبل أن تظهر دولة باكستان من رحم الدولة
الهندية، وتحديداً عام 1947، استطاعت بلوشستان الشرقية أن تعلن عن قيام دولتها
البلوشية في نواة بلوشستان الشرقية “كلات ” في أغسطس 1947، لكن، وعلى
الرغم من إصرار الشعب البلوشي ومندوبي هذا الشعب في مجلسي بلوشستان “برين
وزرين”، لم تتمكن حكومة كلات وبالرغم من المقاومة المستمية الرامية للحفاظ
علي سيادة بلوشستان الشرقية أن تصد العدوان، فتم احتلال هذا القسم من بلوشستان على
يد الدولة الحديثة باكستان وذلك في مارس 1948. وبما أن موضوع هذا المقال هو تسليط
الضوء على معاناة الشعب البلوشي، فإنه لا يسعنا الحديث عن مقاومة الشعب البلوشي
للاحتلال الباكستاني في هذه العجالة.
بالعودة إلى حديثنا عن بلوشستان، فإن
القسم الغربي منها، إقليم الأحواز العربي، لم تستطع القوات البريطانية إحكام
السيطرة عليه، فقامت بريطانيا وبسياستها الذكية بدعم القوات القاجارية وحثّها على
احتلال بلوشستان الغربية، والغاية من هذا الدعم العسكري والذي كان معدّاً من قبل،
هو التمهيد للحضور البريطاني في منطقة الأحواز الغنية بمواردها الطبيعية.
وقد تم بالفعل ما أراده البريطانيون من
خطتهم، حيث جهّز القاجار عسكراً (يسمى بالغشون)، وأرسلوا حملة عسكرية واسعة النطاق
إلى بلوشستان الغربية، وتم على أثر ذلك مذبحة وإبادة جماعية للشعب البلوشي في
بلوشستان الغربية، ومازال أثر تلك المذبحة باقياً في ضمير ووجدان الشعب البلوشي
على الرغم من مرور قرن من الزمن على هذه الحادثة المروعة. ومن الملفت أن الشعب
البلوشي مازال يسمي الفرس بالغجر، وهذه تسمية يطلقها البلوش على الذين ليس لهم
أصول معروفة.
هذه الخطة البريطانية القاجارية الرامية
الى السيطرة على بلوشستان الغربية كانت متزامنة مع الثورة الدستورية (انقلاب
مشروطيت) في إيران، لكن مقاومة الشعب البلوشي ضد القاجار بقيادة بهرام خان باران
أفشلت الحملة العسكرية القاجارية. وقد بقي هذا الحاكم في سدة الحكم ردحاً من
الزمن، وجاء بعده ابن أخيه ميردوست محمدخان ليكون حاكماً على بلوشستان وسمى نفسه
ملكاً عليها. هذا الحكم البلوشي في غرب بلوشستان لم يطل طويلاً، حيث تم الانقلاب
على الثورة الدستورية في إيران آنذاك، وعلى إثر هذا الانقلاب تأسست السلالة
الملكية البهلوية.
وقد تم بالفعل إرسال قوة عسكرية مدربة
ومجهزة بأحدث الأسلحة القتالية إلى بلوشستان تحت إمرة القادة العسكريين، وقد تم
بالفعل القضاء على المقاومة البلوشية المدافعة عن سيادة بلوشستان في ظل حكم رضا
شاه البهلوي، وتم اعتقال ميردوست محمدخان وإعدامه لاحقاً في طهران العاصمة.
هنا بدأ فصلٌ جديدٌ من النضال البلوشي في
ظل الدولة الايرانية الحديثة التي تأسست على فكرة مفادها أن العرق الآري والقومية
الفارسية هي ثقافة المجتمع والدولة، ويجب على كل الشعوب الأخرى التي تقع في
جغرافية إيران السياسية الحديثة وأن تندمج شكلاً ومضموناً بالثقافة الرسمية للدولة
الفارسية الحديثة. فهذه السياسة نهجت التفريس وسحق الهويات الأخرى بغية تأسيس دولة
فارسية لها لغة مشتركة وثقافة مشتركة لكل الإيرانيين. هذا العمل الشوفيني للدولة
الإيرانية ركز على سحق الهوية البلوشية والعمل على محو اللغة البلوشية ومنع
استعمالها في المدارس ووسائل الإعلام بغية تغيير معالم هذا الوطن.
لم تتوقف سياسة التفريس الإيرانية فقط على
محو الهوية، بل تعدتها لتصل إلى تغيير معالم المدن والقرى، فتمت هذه السياسة
ببرمجة متقنة وكذلك بسياسة شوفينية بحتة.
فقد تم تغيير أسماء المدن التاريخية
واستبدالها بأسماء فارسية غريبة عن الثقافة البلوشية، وإضافة إلى ذلك تم اقتطاع
أراضٍ كثيرة وضمها إلى خراسان وكرمان وهرمزكان (المحافظات الفارسية). واستمراراً
لهذه السياسة التفريسية قامت الدولة الإيرانية بتوطين الفرس في المناطق البلوشية
بغية التغيير الديمغرافي لبلوشستان البالغ مساحتها 280000 ك م2.
حلّت المأساة إذاً على الشعب البلوشي، حيث
حُرم الشباب في هذا البلد من التعليم بلغتهم في المدارس، ومنع نشر الكتب باللغة
البلوشية، وكان من يقوم بتعليم الناس بلغتهم البلوشية يُعاقب بالاعتقال والتعذيب
من قبل السلطات الإيرانية في إقليم بلوشستان.
انتهجت السياسة الإيرانية الداخلية عملاً
مؤسساتياً مبرمجاً ومدعوماً أكاديمياً لمحو الهوية البلوشية، فالهوية البلوشية
التي نشأت في بلوشستان عبر قرون من الزمن وأنتجت لغةً وتاريخاً وحضارةً باتت مهددة
من قبل سياسة شوفينية فارسية.
والجدير بالذكر هنا أن الشعب البلوشي،
الذي يتميز عن الآخر بقوميته وتاريخه ولغته، هو بغالبيته سني المذهب وأما الذين
استوطنوا في بلوشستان عبر سياسة الاستيطان الممنهجة هم فرس ومن المذهب الشيعي
الإثني عشري. لذلك انبثقت رؤية من قبل الطرفين (الفرس -البلوش) أن الآخر هو
الغريب، فينظر البلوشي إلى المستوطن على أنه عنصر غريب وينظر المستوطن المشبع
بالقومية الفارسية والمذهب الشيعي على أن البلوش هم الغرباء على الرغم من كونهم في
وطنهم الأم!
وعلى هذا الأساس بنيت قناعة لدى الساسة
الإيرانيين مفادها عدم الثقة بالشعب البلوشي وضرورة العمل الجادّ لسحق هويتهم
القومية والمذهبية عبر العمل الثقافي والأمني الاستخباري البوليسي الرامي إلى
إسكات الصوت المطالب بالحقوق الثقافية والقومية والمذهبية. وهذه السياسة صارت ديدن
الساسة في طهران حيث نظام الجمهورية الإسلامية، وهذه السياسة هي المتبعة منذ عهد
الشاه إلى يومنا هذا. وقد مر على معاناة الشعب البلوشي تسعة عقود، فالتهجير مستمر
وسحق الهوية على قدم وساق في ظل نظام ولاية الفقيه الشيعي المذهب مما زاد من
معاناة الشعب البلوشي السني في ظل نظام مذهبي ينظر إلى البلوشي بمثابة المواطن من
الدرجة الثالثة.
مقاومة الاحتلال:
واجهت المقاومة البلوشية السياسة
الإيرانية الشوفينية وقامت بضرب الحاميات الإيرانية في بلوشستان، ولم تتهاون ولم
تتقاعس بل قاومتها بقوة منذ الأيام الأولى للاحتلال العسكري والثقافي الإيراني،
وذلك بفضل القراءة الواعية والعميقة للواقع الإقليمي والعالمي من قبل نخب هذا
الشعب. هذا العمل المقاوم في الساحة البلوشية يغيب لفترة ويظهر بقوة تارة أخرى دون
أن ينقطع العمل السياسي البلوشي في الساحة البلوشستانية.
كانت الشرارة الأولى التي أشعلت مشعل
المقاومة قد تمت علي يد المناضل “دادنياه” ابن كمال في الأربعينيات من
القرن المنصرم، والذي أصبح رمزاً من رموز الحركة الوطنية البلوشية المقاومة ضد
الحكم العسكري الإيراني. وبالرغم من وجود بعض المناصرين والموالين من البلوش للحكم
الإيراني، والذين يعتبرون المناضلين البلوش “قطاع الطرق”، لكن الشعب
البلوشي يعرف مناضليه ويقدّرهم، وهذا البطل هو من أحد رموز هذه المقاومة حتى يوم
شهادته. هذا المناضل وبعمله الثوري المقاوم استطاع أن يزيل الغيمة السوداء التي
غطت بلوشستان آنذاك، كما زرع الثقة بالنفس وأزال اليأس من روح وضمير الشعب
البلوشي.
وفي الستينيات من القرن العشرين بدأت في
إيران مشاكل جمّة بين الحكومات الإيرانية المتعاقبة التي توالت على سدّة الحكم،
خاصة بعد سقوط حكومة مصدق في طهران وأيضاً بعد سقوط حكومة بغداد في العراق. وفي
هذه الأثناء استطاعت القوى البلوشية اغتنام الفرصة فأعلنت عن تأسيس (جبهة
بلوشستان) بقيادة مير عبدي خان سردار زهي وموسى خان مباركي، وهما من كبار مشايخ
(خان) في بلوشستان الغربية، وتم ذلك بمساعدة إخوتهم في بلوشستان الشرقية المدعومة
من قبل العراق آنذاك.
ومع إبرام معاهدة الجزائر بين
العراق وإيران في السبعينات من القرن العشرين تمّ تحجيم عمل هذه الجبهة،وتم القضاء
لاحقاً على عملها الثوري بعد أن تصالحت الدولتان الإيرانية والعراقية. وبفعل هذه
المعاهدة تمّ إبعاد كل عناصر ومنتسبي هذه الجبهة من المشهد السياسي، كما تم اعتقال
وسجن العناصر المناضلة المسلحة والفدائية لهذه الجبهة بعد أن تم تجريدهم من
سلاحهم. ومن أهم هذه الشخصيات الشهيد رحيم زرد كوهي الذي خرج من السجن عام 1979،
والذي أسس منظمة حركة الشعب البلوشي تحت عنوان ” سازمان جنبش ملي ” أي –
الحركة الوطنية للشعب البلوشي.
العمل المؤسساتي:
مع بداية السبعينات من القرن العشرين بدأ
دخول الشباب المثقف البلوشي إلى الجامعات بغية تفعيل العامل الأكاديمي في النضال
من أجل القضية البلوشية، ولكسب المعرفة ولفهم أسباب التخلف بين أوساط هذا الشعب
للوصول إلى توعية عميقة حول الحراك السياسي والاجتماعي في إيران الذي ينعكس على
الساحة البلوشية.
وفي خضم هذا الحراك ارتبط هؤلاء الشباب
البلوشي بالتيارات والتنظيمات المختلفة، وشاركوا بالحراك الطلابي في الجامعات. وقد
برز ونشأ عمل ثوري من خلال هذا الارتباط الذي بلور وأسس “المقاومة
البلوشية” (مبارزين بلوشستان) في عام 1980، وذلك لمناهضة الشوفينية
الإيرانية.
وإضافة إلى ذلك، قام الشباب البلوشي
بتأسيس البيت البلوشي (خانه بلوچ) في مدينة زاهدان،وأسسوا الاتحادات الطلابية في
المدارس والجامعات، وقاموا بالحراك الطلابي على نطاق واسع. كما أسسوا (رابطة
الطلاب البلوش) في جامعة بلوشستان. وأيضا ً تأسست “المنظمة الديمقراطية للشعب
البلوشي” في مدينة إيرانشهر، وكان عمل هذه المنظمة فاعلاً في الساحة
البلوشية، مما أثار حفيظة وخوف النظام الإيراني. هذا الخوف من الحراك الشعبي
البلوشي أدى إلى عملية اغتيال سكرتير الأمين العام للمنظمة البلوشية، وعلى إثر هذه
العملية أصيب هذا الرجل بالشلل مدى الحياة، وبطبيعة الحال تم مطاردة رجالات هذه
المنظمة.
إصلاح العمل السياسي:
الجدير بالذكر، أن الحراك السياسي البلوشي
كان يتسم بثغرات عديدة، فالعمل النضالي كان ينقصه التجربة والحكمة لذلك ارتبط
الشباب المثقف البلوشي بالحركات اليسارية التقدمية في طهران، وكانت أهم هذه
الحركات (منظمة فدائيو الشعب، منظمة مجاهدين خلق، منظمة الكادحين
“پيكار” والتنظيم الماركسي اللينيني). فقد انتمى الشباب البلوشي إلى هذه
المنظمات ذات الطابع اليساري، وقامت هذه المنظمات، ولضرورة القيام بفعل المقاومة
ضد تعسف السلطة الهمجية، بتأسيس قواعد وفروع في بلوشستان. وأهم هذه الحركات هي
“يامشي ستار” والتي تعني “نجمة الصبح” وهي فرع من منظمة
فدائيو الشعب (سازمان جريكهاي فدائي خلق إيران – اقليت).
ومن أهم العوامل التي أدت إلى بقاء
واستمرار هذه الحركة في أوساط الشعب البلوشي هو رفع شعار حق تقرير المصير لكل
الشعوب القاطنة في جغرافية إيران السياسية، والتي تصل مطالباتها إلى حد طلب
الاستقلال لكل هذه الشعوب. وبالفعل قام هؤلاء المناضلون بالعمل في كل من الأحواز
وكردستان والتركمن صحراء، وقاموا بدعم الثوار والنضال في كل ساحات القتال في إيران
لنيل الحكم الذاتي أو الاستقلال.
تغيير استراتيجية النضال:
في بداية عقد الثمانينات قامت السلطات
الإيرانية بحملة واسعة النطاق لاعتقال وسجن وتعذيب وإعدام كل عناصر هذه الحركات
النضالية المنتمية للشعوب القاطنة في خارطة إيران السياسية، ومنها الشعب البلوشي.
وقد قامت القوات الإيرانية بمجازر راح ضحيتها الآلاف من السجناء السياسيين عام
1367 الهجري الشمسي (1988 ميلادي)، مما اضطرَّ المناضلين والمقاومين والمدافعين عن
حقوق الشعب البلوشي إلى العمل السري الميداني ضد سياسة قتل وتشريد النخب السياسية
التي انتهجتها القوات الإيرانية. وفي خضم هذه الأحداث تشكّلت الحركة التحررية
البلوشية (بلوشستان راجي زرميش) ورفعت شعار الحكم الذاتي لبلوشستان، وقد أعلنوا عن
وجودهم في الداخل وقاموا بالعمل في بلوشستان.
بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وانتهاء
الحرب الباردة وتغيُّر معالم النظام العالمي قامت النخب البلوشية، التي كانت تعمل
في إطار المنظمات والحركات والتنظيمات من أمثال: (مجاهدين خلق، فدائيو خلق، راه
كاركر، بيكار)، قامت باتخاذ موقف تاريخي مغاير للعمل السابق. وجاء هذا الموقف من
قراءة عميقة للواقع الإيراني وأخذوا بالحسبان العامل العالمي والاقليمي، فقد
غيّروا طابع العمل السياسي، وذلك بعد عمل دام لخمس سنوات. وقد كانت هذه الأفكار
والمواقف تنشر في جريدة تعرف باسم (traan).
وبعد أن وصلت النخبة البلوشية إلى القناعة
بضرورة التغيير في مضمون العمل السياسي قامت بتخطي العمل النضالي بالتعاون مع تلك
المنظمات، فتأسس عام 2002 “حزب الشعب بلوشستان ” المؤمن بالمبادئ
التالية:
1- الديمقراطية والتأكيد على حق
تقرير المصير، وهو حق أصيل لكل الشعوب المضطهدة.
2- الوصول إلى سيادة الشعب البلوشي
ليكون مسيطراً على مصيره أو العيش في ظل دولة إيرانية فدرالية ديمقراطية وعلمانية.
مركز المزماة للدراسات والبحوث