تربة الاحواز (2)
في الجزء الأول تطرقت إلى تربة شمال الأحواز
منها مدينة تستر والقنيطرة وإختلافها عن الجنوب( محافظتي ابوشهر وجمبرون). بطبيعة
الحال هنالك اسباب عدة اذا تعمقنا في الامر فهو يقلقنا جميعا. ولا ندري من أين
نبدء وأين ننتهي، وعلى المرء ان يدرك تماما ان سياسة الفرس تجاه الأرض والجغرافيا
تجاوزت كافة الاصعدة، ومن ضمنها تدمير البيئة، وذلك عن طريق بناء السدود وتحريف
المياه على مصبات الانهر لأغراض سياسية بحتة مما زاد من ملوحة الارض.
التربة الأحوازية هي تربة خصبة للغاية مثلها مثل
جاراتها في دول الخليج العربي وغنية بالخيرات التي وهبها الله اياها كـالنفط والغاز
والثروات الطبيعية الأخرى.
ان المواطن الاحوازي له ارتباط وثيق بألارض منذ
القدم، وقد قام ببناء “الصرايف وبيوت الطين” بالقرب من الانهر، حتى يستطيع
العيش بسهولة في تلك الفترة. ويقوم بتربية المواشي وامتهان الرعي والصيد والزراعة
ويمد قوت يومه من ارضه. ولا شك ان سكان الأحواز الأوائل قد اتخذوا في مراحل عدة
حول الاراضي الخصبة التي كانت على وفرة بشكل كبير جدا مسكناً لهم.
توجد
خمسة انهر رئيسية وفرعية كـنهر كارون، الدز، الكرخة، اشطيط ، الجراحي والعديد من
الانهر الأخرى، وهذه الانهر لعبت دورا مهما في ازدياد خصوبة الأرض. وقد شهدت ارض
الأحواز ازدهارا وتطورا في مجال الزراعة والتجارة والصيد مما أثر في الحياة
اليومية. لكن الخطة الفارسية المبرمجة التي وضعتها ضد الارض والانسان الأحوازيين.
وذلك بالقيام ببناء السدود وتخزين المياه خلف السدود ويقومون بفتحها في فصل الشتاء
أو الربيع، لإغراق الآلاف من الهكتارات وتدمير المئات من القرى وتشريد المواطنين
من أراضيهم. ليقوموا بعد ذلك بمشاريعهم الخبيثة كـ مشاريع زراعة قصب السكر وبناء
الثكنات العسكرية ومعسكرات للتدريب ومستوطنات، يتم احاطتها بسور منظم من التراب
والاسلاك الشائكة، ويطلقون على تلك الاراضي (زمينهاى منابع طبيعي) أي هذه الارض
تعود للدولة القائمة، ومن ثم يتم تقسيمها على البلديات والحرس الثوري، ويصبح
المزراع الأحوازي لا ناقة له ولا جمل، ويتم تهجيره من القرى الى المدن بحجة ان هذه
القرى مهددة بالفيضانات وعليه الانتقال الى المدن الأحوازية حتى يتم السيطرة على
اجزاء كبيرة من الاراضي الزراعية.
الأحواز تحتوي على تربة خصبة للغاية، وهنالك
انواع ممزوجة بالتربة نسبة الرمل فيها 20% وفي أماكن اخرى قد تكون 30 الى 40 %،
أما نسبة الطين قد تكون 10 % وهنالك انواع من المواد العضوية أو كميات من الجبس
وهنالك نوع اخر يسمى “السبخة” (أي الأرض التي ليست صالحة لزراعة القمح
والشعير انما صالحة لزراعة الارز أو النخيل).
لكن
خصوبة الارض تراجعت في السنوات العشر الاخيرة بسبب سياسة مدروسة انتهجتها الدولة
الفارسية من خلال تفريغ مياه البزول المالحة التابعة لمصانع قصب السكر،
والبتروكيماويات والمحروقات الاخرى الى الانهر، وهذا الأمر قد أثر بشكل مباشر على
البيئة والنباتات التي تتواجد على تلك الاراضي والكائنات الحية هذا أولاً.
ثانيا:
تحريف مياه الانهر الاحوازية ونقلها الى المحافظات الفارسية مما ادى الى ازدياد
الملوحة في مدينة عبادان، المحمرة، معشور، الفلاحية والمناطق والقرى المجاورة
الأخرى، مما أدى بالمواطن الأحوازي على ترك ارضه بدون زراعة بسبب عدم وفرة المياه.
وبما ان الانسان الأحوازي لديه ارتباط بالبيئة
ومتمسك بأرضه على أنها مصدر رزقه ومورد معيشته الاساسية، حاول العمل جاهداً من أجل
التكيف والتطور في مجال الزراعة، لكنه مهدد بفضل سياسة الدولة الفارسية التي لا
تعير اي اهتمام للمواطن الاحوازي حتى ولو فقد لقمة عيشه على ارض اجداده، ولا يحصل
على تعويضات من المراكز المعنية التي تختص بالزراعة.
وهنالك
ارضِ اخرى كـ “البور ” اي الاراضي الجافة التي لم تصلها مياه إلا اذا
نزلت الامطار بغزارة من ثم يتم حرثها وزرعها، لكنها اراضٍ رملية تحتاج لمياه
الامطار.
بالواقع
ان تلك الاراضي تبعد من الانهر ما يقارب 20 الى 40 كم، بسبب شحة المياه وعدم
القدرة الكافية للفلاح ورفض الدولة المحتلة مساعدة المزراع جعلت من الحياة صعبة على
تلك الاراضي. ولأن لدى الدولة الفارسية خطة مبرمجة وقد عملت عليها منذ عشرات
السنين وقامت بالبحث والتنقيب حول الاراضي البور. اضافة الى ذلك قاموا بجلب الاف
المستوطنين من “اللور” وتمّ توطينهم في شمال الاحواز بمدينة
تستروضواحيها ومدينة القنيطرة ومدن اخرى في الجنوب حتى يتم السيطرة التامة على
الاراضي، والقائمة طويلة وتحتاج لدراسات موسعة حول تلك الاعمال التخريبية للبيئة
والديموغرافيا بحق الأحواز وشعبها. في الجزء الثالث ساتناول “حياة الانسان في
الاهوار” وكيف الانسان يعيش في تلك الاهوار اي المستنقعات المائية.