للعرب فقط، إيران تعاني من الداخل
تصور بعض أبواق إيران من العرب، أنّ الاتفاق النووي المؤقت مع
الغرب، الذي تمّ في 24 نوفمبر من العام الجاري لـ ستة أشهر بمثابة انتصار
للدبلوماسية الإيرانية، وقد يكون كذلك.
غير أنّ الواقع في الجمهورية الإسلامية يختلف كلياً عما يتحدث عنه
هؤلاء عبدة التومان. فهذا الانحناء المرير (الاتفاق النووي)، قد عبّر عنه رئيس
تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني في الأيام الماضية وبطريقته المعهودة عندما
قال: “قبل الاتفاق النووي كنا بين الحرب أو الاستسلام”.
وفي الحقيقة، فإنّ قادة النظام الإيراني دائما ًما يلاحظون
في تصريحاتهم سمعة النظام الإسلامي (القومي الفارسي) التي تزلزلت كثيراً في
السنوات الأخيرة، عندما كشفت الأحداث الجارية في المنطقة العربية عن زيف هذا
النظام، لذلك يحرّف قادة النظام في طهران دائماً كل الحقائق والتحديات التي تواجه
نظامهم باستمرار. وهذا ما بات معروفاً لدى الشعوب القاطنة في جغرافية ما تسمى
إيران، والتي بدأت تتحرك على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية؛ لنيل
حقوقها التاريخية التي اغتصبت منذ أوائل القرن المنصرم.
هذه الشعوب التي تختلف كلياً عن بعضها البعض، من حيث التاريخ
والأرض والتوجهات والرغبات، ولاسيما في نظرتها تجاه المستقبل السياسي لهذه المنطقة
من الشرق الأوسط، والتي عرفت في بداية القرن المنصرم بإيران. فاليوم هذه الشعوب
باتت متفقة فيما بينها على محاربة هذا النظام العنصري بالسبل السلمية وغيرها،
ناهيك عن رغبة هذه الشعوب على أن تبقى في إطار امتدادها الطبيعي والقومي والتاريخي
مع الدول المجاورة لها منذ مئات السنين، حيث أنّ انتماءات هذه الشعوب لا تتماشى
كلياً مع الدولة و”الأمة الإيرانية” المصطنعة كما أراد الفرس أن تكون
“أمة إيرانية” زوراً وبهتاناً في زمن البهلوية الأولى. فـ”التاريخ
الفارسي القديم” كُتِب بمساعدة يهودية، حين ألّف المؤرخ اليهودي “ديويد
أستروناخ” تاريخاً مزورا ً للفرس، مليئاً بالأخطاء التاريخية، وخاصة حينما
بنى هذا المؤرخ اليهودي مجموعة من الأثار العملاقة في محافظة شيراز بين الأعوام
1940-1943، وعنونها بـ “تخت جمشيد” ونسبها لـ “كوروش الكبير”
لتحقيق رغبة رضا شاه الأب عراب الفرس، وباني الدولة الحديثة الفارسية، (موقع
تابناك التابع لـ محسن رضائي وزير الدفاع السابق، “تاريخ سازى جريان
انحرافى از تخت جمشيد” ،23/5/2011)، والتي أصبحت آثاراً مقدسة لدى
الفرس العنصريين. طبعاً هذا التزوير للتاريخ جاء على الطريقة اليهودية “شعب
الله المختار” حيث يعتبر الفارسي نفسه “آري”؛ أي العرق الأفضل في
العالم.
ولمعرفة الحقائق التي أدت إلى أبرام هذا الاتفاق المؤقت مع الغرب،
لابد من الوقوف على جانب من التحديات الحقيقية التي يواجهها النظام داخل
“المجتمع الإيراني الحالي”، والتي من الممكن أن نجملها على النحو الآتي:
الصراع السياسي: شهدت الأقاليم التي تُشكِّل جغرافية ما تسمى
إيران الحالية في العقود الماضية، صراعاً سياسيا ًحقيقياً مع السلطة المركزية في
طهران، التي حاولت تجويع وحرمان شعوب هذه الأقاليم من كافة حقوقها الأولية. وفي ظل
الجمهورية الإسلامية الحالية فإن من هذه الأقاليم من يطالب بالخبز، ومنها من يطالب
بالماء، ومنها من يطالب بالحقوق الأولية للعيش الكريم. وهذا ما تجلى من خلال
تصريحات وسلوك كبار المسؤولين في النظام، ولا سيما من خلال تعيين “الشيخ علي
يونسي” رئيس الاستخبارات الإيرانية في زمن الرئيس الأسبق محمد خاتمي من قبل
الرئيس الحالي حسن روحاني، عندما عين يونسي مستشاراً ومساعداً خاصاً له في القضايا
القومية والدينية، وهذا خير دليل على أن الشعوب قد تحركت فعلياً للمطالبة بحقوقها
المغتصبة. حيث قال يونسي في زيارته الأخيرة لـ بلوشستان: “إن النظام في صدد
معرفة النخب في هذا الإقليم لإعطائهم المناصب الحكومية الهامة لإدارتها”.
ناهيك عن الاحتجاجات المستمرة ومنذ شهور في الأحواز بسبب تجفيف ونقل مياه الأنهار
من الأحواز إلى العمق الإيراني الفارسي، عدا عن الإعدامات السياسية التي تنفذها
الجمهورية الإسلامية بحق أبناء الشعوب غير الفارسية على مدار السنين الماضية
والمستمرة لهذه اللحظة، وكذلك الاحتجاجات المستمرة في آزربايجان الجنوبية على
تجفيف بحيرة أورمية التاريخية، والتي تعتبر رمزاً للشعب التركي الآزربايجاني،
ومطالبتهم بتدريس اللغة التركية الآزربايجانية، وهكذا في الأقاليم الأخرى من
بلوشستان وكردستان ولرستان، ولا سيما المواجهات الدامية في الآونة الأخيرة في
إقليم أصفهان الفارسي على طريقة توزيع المياه الزراعية من قبل الحكومة.
وصلت هذه التحديات إلى مجلس الشورى الإيراني، حيث استقال الكثير من
النواب هذه الأقاليم من المجلس احتجاجاً على طريقة تقسيم الموازنة المخصصة لهذه
المناطق للعام الإيراني 1392/1393هـ. شـ، والذي يعادل 2013/2014 للعام الميلادي.
وفي الأصل، تعاني هذه الأقاليم من الحرمان والفقر الشديد، مما يعتبر مؤشراً خطيراً
يدل على أنّ النظام في مأزق حقيقي من أمره. لذا يرى أصحاب الشأن والمتابعين للحالة
الإيرانية أنّ تطلعات هذه الشعوب قد تكون رصاصة الرحمة على وحدة جغرافية إيران
الحالية إذا ما استفحلت مطالبها في المستقبل القريب، لذلك نرى بين الفينة والأخرى،
رئيس تشخيص مصلحة النظام علي أكبر هاشمي رفسنجاني يخرج علينا بتصريح جديد يحمل في
طياته الكثير، ليحذر من خلاله أصحاب القرار السياسي في طهران.
الفساد الاقتصادي: عانى النظام الاقتصادي في إيران منذ تأسيس
الجمهورية الإسلامية في عام 1979 من فساد اقتصادي كبير، وازداد الوضع سوءاً بعد
سيطرة الحرس الثوري على كافة مفاصل الاقتصاد الإيراني، وذلك بعد ما خرجت إيران
مهزومة من حربها مع جارتها العراق. حيث وظّف الحرس الثوري كافة الموارد الطبيعية
للاقتصاد الإيراني الذي يتشكّل من صناعة النفط ومشتقاته؛ لبناء قوة عسكرية ذات
أبعاد مختلفة. منها البرنامج النووي المثير للجدل، حيث يقدر الخبراء أن تكلفة
البرنامج النووي العسكري الإيراني بـلغت الـ 250 مليار دولار خلال العشر سنوات
الماضية، ناهيك عن تكلفة العاملين الروس في البرنامج النووي الإيراني، والذين يصل
عددهم إلى 30 ألفاً بين عالم نووي ومهندس وخبير يعملون في المفاعلات النووية الإيرانية
المنتشرة في طول البلاد وعرضها، علماً أن من هذه المفاعلات النووية ما هو معلن
عنه، ومنها لم يعلن عنها بعد. ومنها مفاعلات للأغراض السلمية، ومنها أيضا ًللأغراض
العسكرية التي عادة ما تكون تحت الجبال وبسرية تامة لا يعرف عنها إلا الحرس
الثوري.
بالإضافة للنشاط السياسي والأمني للحرس الثوري خارج حدود إيران،
وغالباً ما يتركز هذا النشاط في الأقطار العربية. وكما تشير المصادر الإيرانية فإن
طرق الالتفاف على العقوبات المفروضة على إيران يقودها الحرس الثوري، من خلال
الشركات الوهمية التابعة له، والتي تكلف خزانة الدولة الإيرانية مبالغ مالية
طائلة.
ومن جانب آخر، تظهر ملفات الفساد الاقتصادي الضخمة لكبار المسؤولين
في النظام بين الفينة والأخرى، حيث كان ملف أمير منصور خسروي آخر الملفات داخل
أروقة النظام، والذي عرف بـ “مه آفريد خسروي” في الشارع الإيراني،
والمهدد بالإعدام، حيث كان يحتال خسروي على البنوك الإيرانية الحكومية بمساعدة
كبار المسؤولين في النظام، وقد تجاوز المبلغ الذي اقترضه خسروي من البنوك الحكومية
2 مليار و700 مليون دولار. كما قد يكون ملف غسيل الأموال في تركيا الذي أشعل
الشارع التركي ثانية مؤخراً، والذي سمي من قبل بعض الصحف الإيرانية بـ “حريم
السلطان”، لصالح الحرس الثوري، وذلك من خلال العلاقات التي تربط التاجر
الإيراني الشاب “رضا ضراب” صاحب الـ 29 ربيعاً مع كبار مسؤولي حكومة
أردوغان، وربما يكون الحراك السياسي في الأيام والاسابيع الماضية بين طهران وأنقره
سببه 87 مليون يورو؛ التي كان يقوم بنقلها عبر البنك المركزي إلى طهران، التاجر
الإيراني الشاب المقرب من قادة الحرس الثوري.
أصبحت هذه الحالة من الفساد الاقتصادي والإداري ظاهرة عامة
في الشارع الإيراني، حيث قال في هذا الخصوص مساعد الشؤون الاستراتيجية للقضاء
الإيراني محمد باقر ذو القدر بتاريخ 9/1/2013: “يدخل سنوياً أكثر من 600 ألف
مواطن إيراني للسجون بسب السرقة والتزوير”. ناهيك عن المشاكل الاجتماعية الأخرى.
إذ إنّ استفحال هذه الظاهرة في الآونة الأخيرة، لهو دليل قاطع على عدم إمكانية
اجتثاث هذه الظاهرة المتجذرة منذ ثلاثة عقود من عمر النظام الجمهوري الإسلامي في
إيران.
هذه العشوائية في النظام الاقتصادي أوصلت إيران إلى حافة
الانهيار الاقتصادي، حيث أجبر هذا الوضع الاقتصادي الصعب والمتردي الكثير من
الورشات الاقتصادية الصغيرة والكبيرة أن تعلن عن إفلاسها، وكانت الشركة الوطنية
للنفط والغاز الإيرانية آخر الشركات التي أعلنت عن إفلاسها كلياً، وذلك في تاريخ
26/11/2013، كما حددت خسائرها بـ 10 آلاف مليار تومان إيراني (100 ألف مليار ريال
إيراني)، ويبدو الحبل على الجرار كما يقال.
والسؤال الجوهري هنا، بعد أن خصّص الرئيس الإيراني الحالي
حسن روحاني في برنامجه الاقتصادي فصلاً لمعالجة الفساد الاقتصادي في ثمانية محاور
تحت عنوان “الأمن القومي والنظام الاقتصادي الإيراني”، ليتناول قضية
الفساد المالي والإداري والاقتصادي في إيران، وبعد أن خصّص المحور السادس لوضعية
الفساد المالي والإداري والاقتصادي في إيران، كما خصّص المحور الثامن لتقديم
مقترحات لمواجهة الفساد في إيران، لذا: هل يتمكن حسن روحاني من معالجة ظاهرة
الفساد الاقتصادي المستشري في بنية النظام؟
مركز المزماة للدراسات والبحوث