إيران بين مليارات مجمدة ومليارات مسروقة
من أهم النتائج التي قد
تحصل عليها إيران بعد اتفاق جنيف المتعلق بمشروعها النووي تحرير أموالها المجمدة في
الخارج،وقد انشغل الإعلام الإيراني كثيراً طيلة هذه الفترة بموضوع تلك الأموال وصورها
للشارع الإيراني على أنها هي التي ستخلصه من هذا الضيق الاقتصادي نتيجة الحصار الذي
فرضه المجتمع الدولي، 4.2 مليار دولار المبلغ الذي ستحصل عليه إيران، وإذا أخذنا بعين
الاعتبار المشاكل الاقتصادية التي تواجهها فالمبلغ لا يسمن ولا يغني من جوع، لكن وكعادة
الساسة الإيرانيين الذين دائماً ما يصورون الأشياء لشعبهم بطرق غير واقعية، روجوا لموضوع
هذه الأموال بطريقة جعلت الجميع يتصور أن تحرير هذه الأموال سيحل كافة المشاكل الخاصة
بالاقتصاد الإيراني المنهك نتيجة الحصار وسوء الإدارة.
في مقابل هذه الأموال
المجمدة التي ستدخل في خزانة الدولة الإيرانية قريباً، هناك مبالغ ضخمة تقدر بما يقارب
53 مليار دولار حسب شهادة سيد مهدي موسوي نجاد أحد نواب البرلمان الإيراني تم اختلاسها
أو فقدت كما يذكر الإعلام الإيراني من مبيعات النفط التي كانت تهربه إيران بطرق ملتوية
للالتفاف على الحصار، المتهم في سرقة هذه المليارات أحمدي نجاد الرئيس السابق ووزراؤه
المعنيين، لكن لا شيء يذكر في الإعلام الإيراني إلا ما ندر حفاظاً على هيبة النظام
الذي ألبس نفسه لباس العفة والشفافية والأمانة، وهو بعيد كل البعد عن هذه المعايير
التي تتميز بها الدول المحترمة.
من يطلع على التفاصيل
الداخلية لإيران لا يستغرب لما يحدث من تناقضات ونفاق عبر التعاطي الإيراني مع القضايا
التي تشبه بعضها كثيراً، تهلل إيران وتقيم المهرجانات والاحتفالات لمبلغ ضئيل من الأموال
لا يكفي لسد حاجة ربع فقراء إيران ولفترة قصيرة جداً، وتصمت مقابل مبلغ ضخم مسروق من
خزانة الدولة والسارق معروف وليس مجهولاً.
تكره إيران حزب البعث
في العراق لدرجة أنها تحالفت مع الشيطان الأكبر من أجل إسقاطه والانتقام منه، وتحب
شقيقه حزب البعث في سوريا إلى درجة أنها زجت بنفسها في لهيب المعركة المستعرة هناك
في سوريا دفاعاً عنه، وصرفت الكثير من الأموال لتبقيه في السلطة وإن أبادت الشعب السوري
بأكمله.
تكره إيران التفخيخ والتفجير
والإرهاب وإراقة الدماء وتحمل غيرها المسؤولية ممن لا يتماشون مع نهجها، وتضع نفسها
في مقدمة القديسين المحاربين ضد الإرهاب، وفي نفس الوقت تموّل وترسل المقاتلين والمرتزقة
وتجند الطائفيين للقتال في سوريا، وترتكب المجازر ضد الشعب السوري المطالب بالحرية
والسلام والعيش بكرامة.
تحب
إيران الشيعة في الخليج وتعتبرهم من رعاياها وكأن أجداهم ليسوا من أكلة الجراد والظب
كما هو مذكور في الثقافة والأدب الفارسي الإيراني وعادة ما يسبب القرف للشعب الإيراني،
وتكرههم حين يكونون في أذربيجان أو في الأحواز وتقطع حتى مياه الشرب عنهم وتحاول استئصالهم
من الجذور بشتى الطرق.
هذه كلها أمور طبيعية
في إيران، إذ كل المحرمات تصبح محللات إذا ارتبط الأمر بمصلحة النظام وهيبته، وما أكثر
الأشياء التي حرمتها الحكومة الإسلامية ثم رجعت عن ذلك بعد حين، لكن المستغرب وغير
الطبيعي صمت الإعلام العربي أو جهله في التعاطي مع قضايا إيران الداخلية، الإعلام الذي
من شأنه أن يفقد إيران الكثير من هيبتها الوهمية التي حصلت عليها بالكذب والدجل والدعاية
المضللة، لو يركز عليها مثلما يركز على قضايا وظواهر سلبية موجود في هذا البلد العربي
أو ذاك وإن كانت ليست جوهرية، لكن ما نراه العكس تماماً، فهناك الكثير من الفضائيات
ومنها العملاقة تسلط الضوء فقط على خطاب صلاة الجمعة في طهران وقم، الخطاب الذي يتوعد
إسرائيل بإلقائها في عرض البحر منذ خمسة وثلاثين عاماً لكنها ما زالت باقية تسرح وتمرح
وتنتهك حقوق الفلسطينيين العزل وتبني المستوطنات.
إيران الحالية التي نراها
مخيفة لجيرانها بسبب اهتمامها في صناعة الصواريخ والمعدات الحربية وصناعة المتفجرات
وبسبب إجرائها للمناورات العسكرية الواحدة بعد الأخرى، في حقيقة الأمر هي هزيلة ومهترئة
من الداخل، يهرب منها الناس سنوياً إلى الخارج بالآلاف طالبين السلامة والأمان ولقمة
العيش، إيران مهترئة من الداخل بعدد المدمنين فيها على المخدرات وحبوب الهلوسة الذين
يفوق عددهم السبعة ملايين مدمن، ومهترئة بظواهر السرقة والرشوة والمحسوبية المتفشية
والأمراض الاجتماعية الأخرى المستعصية، ومهترئة أكثر بالعصابات التي تحكم في إيران
وتسلب وتنهب الأموال التي تجمعها من بيع النفط والغاز وثروات الشعب العربي الأحوازي
وبقية الشعوب الأخرى.
في أي بلد آخر لو سرق
واحد بالمئة من مقدار هذا المبلغ المذكور لوضع السارق في السجن إلى نهاية عمره، لأن
الدول المحترمة أموالها واقتصادها ملك للشعب، والمسؤولون هم موظفون يحاسبون على الكبيرة
والصغيرة، لكن بالفعل إيران ليست دولة محترمة كي نتوقع منها وضع اللص أحمدي نجاد وجماعته
في السجن بعد استرجاع جميع الأموال التي نهبوها خلال فترة حكم دامت ثماني سنوات جلبت
الويلات للمنطقة أجمع وليس للإيرانيين فقط.
لكن يبدو أن جميع المسؤولين
في إيران ملوثة أيديهم في السرقات والنهب والتعدي على حقوق المواطنين، لهذا لا يريدون
محاسبة اللص أحمدي نجاد وفتح نافذة جهنم على أنفسهم هم في غنى عنها طالما الشعب الإيراني
في غيبوبة تامة أو في انتظار التمتع برؤية المركبة الفضائية التي سيرسلها النظام للفضاء
بعد فترة التي سترفع من شأن إيران خارجياً، وستخيف جيرانها أكثر ولا يهم إذا كانت من
الداخل مهترئة ومتعفنة وتخبئ في جوفها أغلب الأمراض الاجتماعية.
مركز المزماة للدراسات
والبحوث