إيران وجنون التوسع
سقطت في بداية القرن الماضي
الدولة العثمانية نتيجة الحرب العالمية الاولى وظهر التوسع الشيوعي البلشفي عام
1917، وغيرت تلك الاحداث توازن القوى لصالح بلاد فارس. ووجدت ايران حينذاك الضوء الاخضر
للتوسع على حساب الدول والشعوب المجاورة لها. بعد انسحاب بريطانيا من منطقة الخليج
العربي في بداية السبعينات من القرن الماضي، قررت ايران ان ترث مستعمراتها في الخليج
العربي، فاجتاحت الجزر الاماراتية الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وابو موسى). وحاولت
ضم دولة البحرين لاراضيها، لولا تدخل الامم المتحدة واجراء استفتاء لتقرير مصير البحرين.
واحبط الشعب البحريني المسعى الايراني التوسعي بتصويته على استقلال بلده في مطلع السبعينات
من القرن الماضي.
لم تنته المطامع الايرانية
عند ذلك الحد، بل دائما ما كانت تدعي بملكية، العراق والكويت والبحرين والامارات العربية
المتحدة، وتصحب تصريحاتها بتهديدات دول الخليج العربي في اكثر المناسبات، واخرها تهديد
علي شمخاني وزير الحرب (الدفاع) الايراني الاسبق وامين عام مجلس الامن القومي الايراني
الحالي، لدول الخليج العربي بضربها عسكريا اذا ما هاجمت الولايات المتحدة الامريكية
بلده.
لا تقتصر الادعاءات الايرانية
وتهديداتها على الدول العربية فحسب، بل شملت دول القوقاز واسيا الوسطى وحتى ولايات
في روسيا. وتدعي ايران في مناهجها الدراسية وسياساتها الرسمية بان دول منطقة القوقاز،
كانت ضمن خارطة دولة ايران حتى فترة القاجاريين، وقد سلخت من اراضيها نتيجة توقيعها
مرغمة على معاهدتي ‘تركمانشاي وغلستان’، بعد خروج ايران مهزومة في حروبها التي دارت
بينها وبين روسيا في القرن التاسع عشر، حسب الادعاء الايراني. وقال منصور حقيقت بور
نائب رئيس لجنة الامن القومي في البرلمان الايراني، ان سبع عشرة مدينة وولاية في منطقة
القوقاز، تشمل مدن دولة اذربيجان بما فيها العاصمة باكو واراضي جورجيا وداغستان وارمينيا
وتركمستان ومدن في روسيا، كانت تابعة لايران، وشعوب تلك المناطق ترغب بالعودة لاحضان
الدولة الأم. واضاف حقيقت بور ثمة حركة وصفها بالجدية قد انطلقت لاعادة تلك المناطق
لاحضان دولة ايران. وجاء تصريح منصور حقيقت بور في وكالة فارس للانباء قبل فترة، ردا
على خبر مفاده ان دولة اذربيجان عازمة على تقديم طلب للامم المتحدة لتغيير اسمها من
اذربيجان الى اذربيجان الشمالية، وتأسيس لجنة لمتابعة شؤون مواطني اذربيجان الجنوبية
(المحتلة من قبل ايران). ازعجت هذه الاخبار الدولة الايرانية واعتبرتها ادعاءات لا
اساس لها وتدخلا سافرا في شؤونها الداخلية. ويوحي اسم اذربيجان الشمالية بان هنالك
جزءا جنوبيا لها، قد يمهد للتحرك نحو ضم ذلك الجزء لاراضيها التاريخية، هذا ما فهمته
ايران واثار حفيظتها.
ازدادت المخاوف والهواجس
في الاوساط السياسية الخليجية الرسمية والشعبية، خاصة بعد التقارب الايراني الامريكي،
من احتمال ان تعيد ايران كراتها وتقوم باجتياح مدن ودول في منطقة الخليج العربي، كما
فعلت في المرات السابقة، خاصة ان المنطقة العربية تمر بظروف غير مستقرة. وما يزيد تلك
المخاوف المتغيرات الدولية غير المسبوقة واتفاق جنيف النووي، الذي وصف بالصفقة مع ايران
على حساب دول المنطقة.
تعول ايران على انسحاب
الولايات’المتحدة الامريكية عسكريا لترث مكانها في منطقة الخليج العربي، بسبب نتائج
الحروب السابقة التي شنتها واشنطن في منطقة الشرق الاوسط واثقلت كاهلها السياسي والاقتصادي،
خاصة اذا اخذنا بعين الاعتبار تراجع مكانة الولايات المتحدة الامريكية لدى الرأي العام
الدولي بوجه عام والعربي بوجه خاص. ما يعزز هذا الاحتمال، الاتفاق على حلحلة الملف
النووي الايراني، ويكشف الاتفاق النووي مع طهران ان هنالك اتفاقا على كل او معظم القضايا
الاقليمية التي كانت حتى يوم امس موضع خلاف بين طهران من جهة والدول الغربية من جهة
اخرى. وتتجه المتغيرات والسياسات الاقليمية والدولية لصالح المخطط الايراني وتأهيلها
لتصبح شرطي المنطقة، كما كانت في عهد النظام البهلوي السابق الى جانب اسرائيل. وتصريح
رئيس دولة اسرائيل شيمعون بيريز قبل فترة بان ‘ايران ليست دولة عدوة لنا ‘وبالتالي
فهو مستعد للقاء الرئيس الايراني حسن روحاني، يثبت ان الدولتين تسيران على نفس النهج
منذ زمن بعــــيد، واذا سارت الامور حسب التخطيط المرسوم له، سنشهد في المستقبل القريـــــب
علاقات علنية بين طهران وتل ابيب، بعد تطبيع العلاقات العلنية بين طهران وواشنطن.
المشاريع التوسعية التي
تبناها النظام، وضعت ايران على حافة الانهيار وجعلت وضعه الداخلي متأزما سياسيا واقتصاديا
واجتماعيا بعدما كلفته مليارات الدولارات لنشر الفتنة الطائفية والمليشيات الارهابية
وشبكات التجسس في المنطقة. وستؤدي به الى الانهيار وتقسيمه الى دويلات قومــــية، كما
انهار الاتحاد السوفييتي السابق، ولم تنفعه التـــرسانة العسكرية الضخمة ومكانته العالمية
وسيطرته سياسيا وعسكريا على نصف العالم وامتلاكه ثروات هائلة حرم المواطن منها، مما
جعل القوميات تتجه نحو تقرير مصيرها. والتقارب الايراني الامريكي وعرض عضلات طهران
في المنطقة بتخطيط وضوء اخضر غربي سوف لن يبعدها عن مصيرها المحتوم، خاصة ان الشعوب
في ايران ذاقت الامرين من السياسات العنصرية والاجرامية، وهي اليوم تناضل لتقرير مصيرها
القومي.
المصدر: القدس العربي