#أحوازنا – خروج بريطانيا وأبرز تداعياته السياسية على الشرق الأوسط
في ظل محاولة أقلية البريطانيين الأصليين وأغلبية المهاجرين للبقاء في الاتحاد الأوربي، قرر غالب البريطانيين الخروج، لانتشال بلادهم مما كانوا يرونه غلاً أثقل كاهلهم وأعاق تطور بلادهم، وأثّر سلباَ على مكانتهم العالمية وموقعهم الدولي، وبعيداً عن الآثار الاقتصادية والتداعيات السياسية العالمية العامة، فماهي أبرز التداعيات السياسية التي قد تنعكس سلباً أو إيجاباً على الشرق الأوسط في المدى المتوسط والبعيد؟
أولاً: يرى كثير من المحللين، أن عدوى هذا الاستفتاء، ستتفشى سريعاً في كثيرٍ من دول الاتحاد، كفرنسا وألمانيا وهولندا وغيرها من دول أوروبا الغربية، ففي غضون ساعات عقب إعلان نتائج الاستفتاء، تقدمت بعض الأحزاب في هولندا وفرنسا بطلب إجراء استفتاء مماثل في بلدانهم، بينما خيّم القلق على قادة دول الاتحاد، فوصفه بعضهم بأنه قرار محزن وضربة قاضية للاتحاد. هذا في الوقت الذي اندهشت به الدول المتضررة، حتى راح قادتها يتلمسون إعادة صياغة الاتحاد وفق إطار جديد.
جملة التصريحات والمواقف التي صدرت عن قادة وساسة الاتحاد، تعكس حقيقة تصدع بنيته وانحداره في منزلق التفكك السريع، ما يعني أن التوجه العالمي لبناء الدولة الليبرالية العالمية سيتراجع لصالح تعزيز الدولة الليبرالية القومية، والتي ستتسابق بعيداً عن قيود الاتحاد الاوربي وتشريعاته، على الأسواق العالمية ومنها الشرق أوسطية، لاسيما أسواق الأسلحة والطاقة.
ثانياً: خروج بريطانيا وافتراض التفكك، وإن كان يعني التركيز على بناء الدولة القومية وتعزيزها، إلا أنه قد يؤدي لولادة تكتلات في إطار حفظ الدولة القومية، من بينها إحياء التكتل الأمريكي-البريطاني، أو ولادة تكتل روسي-ألماني أو ماشابه ذلك، وفي ظل ذلك، ستوفر خيارات أكثر لإحياء علاقات دول الشرق الأوسط وبناء تحالفات استراتيجية جديدة مع هذه التكتلات المفترضة.
ويمكن تفسير مسعى المملكة العربية السعودية المتمثل بزيارة ولي ولي العهد الأخيرة لإحياء دورها التاريخي في الشرق الاوسط، وزيارة ولي ولي العهد الاخيرة للولايات المتحددة لتعزيز العلاقات الاستراتيجية، بعد طرح رؤية 2030 وإجراء التعديلات الوزارية، قراءة حصيفة واستباق ذكي للتكيف مع هذه التطورات المفترضة.
ثالثاً: أما بخصوص إيران، فالكثير يرى بأن ما خفي وما ظهر من العلاقات الإيرانية-الأمريكية حتى الآن ليس إلا علاقات عابرة وحذرة، يجمعها مصالح آنية، لم تتجاوز التكتيك لبناء علاقات استراتيجية مستقرة، ومن المرجّح أن تستمر على هذا النحو حتى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، ويعود ذلك لأسبابٍ تتعلق بطبيعة السلطة في إيران وحجم طموحاتها ومشروعها التوسعي.
أما بخصوص المملكة المتحدة، فليس من المرجح أن تقوم بريطانيا ببناء علاقات استراتيجية مع إيران، في ظل ما يسعى له العرب من إحياء وتفعيل الدور البريطاني في المنطقة، وبعد تنصل الولايات المتحدة الأمريكية من أداء دورها في التعامل مع ملفات سوريا والعراق واليمن، خاصة وأن الوعي القومي والإرادة الحقيقية للشعب البريطاني التي تبلورت في الاستفتاء، ستجعل “خليفة ديفيد كامرون” وحكومته المقبلة تتعامل بحذر مع النظام الإيراني الذي لا يعير وزناً لمبادئ الديمقراطية وقرار الشعب وحقوق الانسان.
من هذا المنطلق، قد تسعى إيران لإحياء الحلف الذي حاول “الشاه” تبنية في السبعينيات مع ألمانيا وفرنسا، والذي يرى البعض، بأنه من أهم الأسباب التي أدت للإطاحة بنظامه. من جانب آخر، فالبعض يرجح تقارباً ألمانياً-روسياً لإنشاء تكتل ينتشل دول أوروبا الشرقية، مما يمهد الطريق للاستثمار في إيران وفتح سوقها لكل من فرنسا وألمانيا ودول أوروبا الشرقية.
رابعاً: خروج بريطانيا وإجراء استفتاءات لاحقة في دول الاتحاد، وإن كان تعبيراً ديمقراطيا يعكس إرادة الشعوب، إلا أن التحديات الاقتصادية التي ستواجهها هذه الدول ستفرض عليها أولويات سياسية واقتصادية، تجعلها تغض الطرف عن المطالبة الحقيقية للأنظمة في الشرق الأوسط، لنشر الديمقراطية أو مراعاة مبادئ حقوق الانسان، مما يعزز قبضتها وينتهي بتكيّف نفسي قهري لدى الشعوب مع واقعها المرير، ويشهد تراجعاً ملحوظاً على صعيد التنمية السياسية، أو يضطر أبناءها للانخراط بمزيدٍ من العنف وإعادة صياغة أشكال التطرف. خصوصاً، بعد فشل ما وُصِف بالربيع العربي، وضعف بنية الدولة، وانهيار المجتمعات العربية وتمزقها. من جانب آخر، فمعالجة ملف الهجرة بعيداً عن قيود الاتحاد الأوروبي سينتهي لترجيح كفة المصلحة القومية على حساب حقوق اللاجئين والمهاجرين.
خامساً: تفكك الاتحاد، سيخلّف فراغاً مرجعياً لمنظومة دولية مؤثرة، كانت تتولى معالجة ملفات ذات طبيعة دولية عامة ومهمة، كأزمة الانبعاث الحراري، والهجرة، ومحاربة الإرهاب، ومساعدة الدول الفقيرة، ومناهضة التمييز، ومساعدة دول شرق أوروبا، وما شابه ذلك.
على صعيدٍ آخر، ما يطرحه “ترامب” المرشح الجمهوري الأوفر حظاً للفوز بالرئاسة، من شعارات تركّز على استخدام مزيد من الطاقة التقليدية، والسخرية من السياسات الدولية للحد من آثار تلوث البيئة والانبعاث الحراري، وطرد المهاجرين، وكذلك دعوته المتكررة إلى سن تشريعات تفرض قيوداً، بل تمييزاً على الأقليات، يعني وبكلّ وضوح، تمهيداَ لخروج كثيرٍ من الدول عن كثير من الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالبيئة والانبعاث الحراري، وحتى من اتفاقيات حقوق الانسان، والذي من شأنه أن يرحِّل هذه الملفات وأمثالها إلى مستقبل مجهول، وبما أن اقتصاد دول الشرق الأوسط يعتمد على الطاقة ويتأثر بسياساتها، وتعتبر هذه الدول من أهم وأبرز مواطن الهجرة، وفي مقدمة الصراع مع الإرهاب، ستكون عرضة لمخاطرٍ أكثر شدة من غيرها.
سادساً: رغم إعلان عدم تأثّر حلف النيتو بتداعيات الاستفتاء، إلا أن الارتباك والتداعيات الاقتصادية ما إن يحدث التفكك، ستولد حالة من الذهول والحذر، تنعكس سلباً على دور النيتو في الأمد القريب، وقد تمهد الطريق لتعاظم الدور الروسي-الإيراني في المنطقة، سيما وأن ذلك سيساعد إيران في مشروعها التوسعي تحت يافطة محاربة الارهاب وداعش، واستغلال الفراغ الرئاسي في البيت الأبيض، وتراجع دور الاتحاد الأوربي، مما يعتبر أكبر خطر يحيط بالدول العربية خاصة الأردن والمملكة العربية السعودية.
سابعاً: بناء تكتلات جديدة على ركام الاتحاد الأوروبي، سينتج صنّاع قرارات دوليين متعددين، مما قد يسهم في فتح المجال أمام لاعبين دوليين، لجرّ إسرائيل إلى إحياء عملية المفاوضات مع الفلسطينيين، ويتعلق هذا الامر بمدى فاعلية الدبلوماسية العربية وتأثيرها في المحور الفرنسي-الألماني في مساعدتهم لولادة هكذا تكتل وقطع الطريق على إيران.
د. جعفر الهاشمي
باحث في الشأنين العربي والإيراني
مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث